التقرير البريطاني حول "الإخوان": تناقضات والتباسات تفضح الضغوط

التقرير البريطاني حول "الإخوان": تناقضات والتباسات تفضح الضغوط

19 ديسمبر 2015
من تظاهرات لمناصري الإخوان في لندن (شون ديمبسي/الأناضول)
+ الخط -


لا يبدو توقيت إصدار التقرير البريطاني بشأن جماعة "الإخوان المسلمين" بريئاً، مع الحملة التي تشنّها بعض الدول على الحركات الإسلامية، إضافة إلى أنه يثير مخاوف من تداعيات قد تدفع الشباب الإسلاميين إلى انتهاج العنف في تحركاتها.

ويأتي التقرير مع بروز تكتل من دول وأنظمة في المنطقة العربية، يعادي كل التيارات الإسلامية بما فيها السلمية. ويشير خبراء في الحركات الإسلامية، إلى أن مصر والإمارات تأتيان في مقدمة الدول المكوّنة لهذا التكتل، الذي لا يقتصر دوره على مواجهة التيارات الإسلامية داخل الدول العربية، ولكن امتد ليشمل ضغوطاً على المجتمع الدولي، وهو ما يربطه مراقبون بصدور التقرير البريطاني.

يقول القيادي الإخواني المقيم في سويسرا، إبراهيم صلاح، إن التقرير البريطاني، لم يقل إن جماعة "الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية، وإنما أشار إلى أن بعض أفرادها تربطهم علاقة غامضة بالتطرف العنيف. ويضيف، في تصريح لـ"العربي لجديد"، أنه فيما يتعلق بالجزء الخاص بأدبيات الجماعة وسيد قطب، فهو من الناحية القانونية لا يمكن للحكومة البريطانية الاستناد إليه، خصوصاً أن هذه الأدبيات ليست دليلاً على أن الجماعة في الوقت الراهن تتبنى أفكاراً أو منهجاً عنيفاً، متابعاً: "كل الأحزاب العريقة في أوروبا وخارجها لها أدبياتها التي تحمل أفكاراً ربما تتعارض مع العصر الحالي".

ويؤكد أنه "لو كانت بريطانيا تعتبر الجماعة منظمة إرهابية أو منهجها يحثّ على العنف، فكيف كانت تستعين بدعاة الإخوان لمواجهة بعض المتطرفين في مساجد بريطانيا، كما كانت تستعين بهم لتقديم الوعظ للشباب المسلم لتوضيح الإسلام الوسطي والبعد عن الأفكار المتطرفة".

ويستبعد صلاح أن يكون للتقرير تأثير على أنشطة الجماعة في أوروبا، معتبراً أن "حكومة ديفيد كاميرون لجأت لهذه الصيغة التي لا تعتبر الجماعة منظمة إرهابية هروباً من الضغط الإماراتي عليها، خصوصاً أن الإمارات كانت تتوعد لندن وتضغط عليها بعدم إتمام عقود التسليح المشتركة بينهما في حال عدم صدور التقرير، فلجأت حكومة كاميرون إلى تمييع النتائج".

وفي ما يتعلق باستناد لجنة التحقيق البريطانية برئاسة السفير البريطاني في السعودية جون جنكينز، إلى ما سماه بتأييد قيادات مقربة من جماعة "الإخوان" للعمليات التي سمتها بالانتحارية التي تقوم بها حركة "حماس" ضد إسرائيل، كدليل على تورط الجماعة في أعمال عنف، يقول الباحث في الشأن الفلسطيني، حمزة أبو شنب، "إن محاولة ربط حركة المقاومة الفلسطينية بالموضوع تأتي فقط من باب تقديم المبررات لمخرجات التقرير"، مضيفاً أن "ما قدمته لجنة التحقيق يتنافى مع السياسة البريطانية التي تقوم بالأساس على الاتصال الدائم بحركة حماس، وجماعة الإخوان المسلمين".

ويوضح أبو شنب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بريطانيا تجري اتصالات دائمة بحركة حماس، وهذه الاتصالات لا تتوقف وهي منذ زمن، وقد مرت أحداث مثل مؤتمر شرم الشيخ 1996، وأحداث 2001، ولم تغير بريطانيا طبيعة اتصالاتها مع الحركة، فكيف لها أن تدّعي اليوم بأن تأييد الإخوان لحماس يأتي ضمن أدلة تورط الجماعة في أعمال عنف"؟

ويشير إلى أن "تقرير لجنة التحقيق البريطانية فشل في إيجاد دليل مباشر على الجماعة فلجأ لأسلوب الأنظمة العربية في التعريج على حماس لكونها تمتلك جناحاً مسلحاً موجّهاً فقط ضد قوات الاحتلال"، لافتاً إلى أن كافة المنظمات التابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" في أوروبا وتحديداً في لندن تخضع لرقابة شديدة للغاية من السلطات هناك لضمان عدم توجيه أي "سنت" إلى أنشطة مسلحة لحماس.

اقرأ أيضاً: بريطانيا: "تقرير جنكينز" حول "الإخوان" يدينهم ولا يحظرهم

من جهته، يشدد وزير التعاون الدولي الأسبق، وعضو المكتب التنفيذي لحزب "الحرية والعدالة" التابع لـ"الإخوان" عمرو دراج، على أن التقرير يُقدّم خدمة للأنظمة المستبدة التي تنتهك حقوق الإنسان. ويؤكد، في بيانٍ له، أن التقرير يُقدّم خدمة للتنظيمات المتطرفة الحقيقية في تجنيد واستقطاب أعداد كبيرة من الشباب، خصوصاً في ظل تصديرهم أن نهج السبل الديمقراطية يتساوى بغيرهم ولا يؤدي إلى نتيجة.

في مقابل ذلك، تقول مصادر دبلوماسية بريطانية إن أهمية هذا التقرير تأتي بسبب مكانة الدولة التي أصدرته، فهي دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما يعني أن التقرير سيكون بمثابة أرضية جديدة لأي مناقشات متعلقة بجماعة "الإخوان المسلمين" وأي من فروعها وفي مقدمتها حركة "حماس".

إلا أن المصادر تؤكد أن التقرير الصادر ليس تقريراً نهائياً، ولكن ستتم إعادة النظر فيه على فترات متفاوتة، خصوصاً أن حركة التغييرات والتطوّر داخل الجماعة متسارعة. وعلى الرغم من ذلك تعتبر المصادر التقرير "هزيمة وقتية للإخوان"، مؤكدة في الوقت ذاته أن لجنة التحقيق كانت حريصة على صياغة التقرير عبر مصطلحات قانونية بحتة، حيث ظهر في صورة "جامدة" بعيدة عن الأسلوب الخطابي أو الإنشائي، وذلك لتيقّن الحكومة أن الإخوان سيلجؤون للقضاء فور اعتماد التقرير من قِبل مجلس العموم.

من جهته، يقلل الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد بان، من أهمية التقرير، قائلاً: "إن الحكومة البريطانية أرادت إمساك العصا من المنتصف"، مؤكداً "أن التقرير لم يقدّم إجراءات تتعلق بحظر الجماعة أو فرض قيود واضحة على حركة أفرادها، أو سياستها، أو تجميد أموالها، أو حل مؤسساتها في بريطانيا".

ويلفت إلى أن التقرير استخدم مصطلحات دقيقة للغاية حينما أشار إلى أن "أقلية إخوانية في مصر اشتركت في أعمال عنف بمعاونة إسلاميين آخرين"، وهو ما يوضح أن الأمر ليس نهجاً تنتهجه الجماعة. ويرى أن التقرير حمل إشارات واضحة من جانب مُعدّيه، "تؤكد أن حكومة كاميرون سننتظر حتى يحسم فريق من المتصارعين على إدارة الجماعة حالياً الصراع على قيادة الجماعة لصالحه"، مضيفاً: "فإذا نجح الفريق القديم المتواجد في بريطانيا والذي تجيد لندن التعامل معه وتربطها به علاقات جيدة، وفي مقدمته نائب المرشد إبراهيم منير، فقد تتحسن شروطهم في بريطانيا وقد تتراجع عن اتهام الجماعة بالعنف وتحظى بالحدود نفسها والهامش المتاح لها".

ويتابع: "أما في حالة انتصار المجموعة الجديدة الأكثر تمسكاً ببعض النصوص في أدبيات الجماعة المتعلقة بالمنهج الذي يميل للعنف أكثر من الأساليب السياسية، فربما تتطور الإجراءات إلى ما هو أكثر قسوة على الجماعة.

في المقابل، يقول خبير سياسي إن التقرير على الرغم من رؤية البعض له على أنه يحمل تطوراً كبيراً ليس في صالح الجماعة، إلا أن القراءة المتأنية فيه تؤكد أنه حمل بين سطوره، أدلة براءة كثيرة للجماعة، أولها، أن عدم صدور قرار بحظر أنشطة "الإخوان"، يحمل براءة كاملة من تهمة الإرهاب أو كونهم منظمة إرهابية، لأن القانون البريطاني والقواعد البريطانية شديدة القسوة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، ولو ثبت وحتى بشكل ضعيف أن مناهج الجماعة الحالية المعتمدة داخلها تحث على الإرهاب، لكان أول قرار ينتج عن التقرير هو حظرها فوراً، ومصادرة مقراتها وأنشطتها في لندن.

ويتابع الخبير السياسي أن "التقرير عمد في أكثر من موضع به على ذكر حركة حماس، ودعم الجماعة لها كحركة مقاومة، تسعى لتحرير أرضها، وهذا إن صحت قراءته إنما هو دليل دعاية للإخوان وليس دليلا يشينها، لأن القوميين العرب، والعديد من القوى المدنية تدعم حركات المقاومة الفلسطينية في معركتها لتحرير الأرض العربية".

اقرأ أيضاً: مواقف وردود فعل شاجبة لاتهام بريطانيا "الإخوان" بالتطرف