"ورقة الإصلاحات" تحسم مصير بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي

"ورقة الإصلاحات" تحسم مصير بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي

10 نوفمبر 2015
طالب كاميرون الاتحاد بالمزيد من المرونة (ليون نيال/فرانس برس)
+ الخط -
يتجدد الحديث عن مصير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما بعد تسريبات صحافية كشفت أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يفضّل إجراء استفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في يونيو/ حزيران المقبل. ولعل فشل الاتحاد الأوروبي في التعامل مع أزمة اللاجئين، والتباين الكبير بين الدول الأوروبية في مواقفها من الأزمة، هو ما دفع رئيس الحكومة البريطانية الى التلويح بإجراء الاستفتاء في العام المقبل بدلاً من العام 2017.
وذكرت صحف بريطانية، في اليومين الماضيين، أن كاميرون يرسل اليوم الثلاثاء، رسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، يدعوه فيها إلى تنفيذ عدد من الإصلاحات والتغييرات في الاتحاد التي تصرّ بريطانيا على إجرائها، مُحذراً من أن عدم التوصل إلى اتفاق يمكن أن يدعم خروج بريطانيا من الاتحاد. وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن رسالة كاميرون تتضمن حرفياً القول إنه "إذا لم نتمكن من التوصل الى اتفاق حول الإصلاحات، وإذا قوبلت مطالب بريطانيا بآذان صماء، وهو ما لا أعتقد أنه سيحصل، عندئذ يتوجب علينا التفكير ثانية فيما إذا كان الاتحاد الأوروبي يناسبنا بالفعل".

وفي السياق نفسه، أكد كاميرون، أمس الإثنين، أنّ على الاتحاد الأوروبي أن يبدي مزيداً من المرونة لإقناع الشعب البريطاني بالتصويت لصالح الاستمرار في عضوية الاتحاد. وقال كاميرون، أمام عدد من قيادات قطاع الأعمال، "يمكنكم أن تختصروا كل مفاوضاتي في كلمة واحدة: المرونة. هل هذه المنظمة مرنة بما يكفي لضمان أن تتمكن الدول الموجودة داخل منطقة اليورو من النمو والنجاح وأن تتمكن الدول خارج منطقة اليورو مثل بريطانيا من أن تجد ما تحتاج إليه أيضاً". وأضاف "إذا أبدى (الاتحاد) مرونة كافية فسنبقى. وإذا لم يكن مرناً بما يكفي فسيكون علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً عميقاً جداً وهو هل هذه المنظمة مناسبة لنا؟".

وكان كاميرون قد أعلن في خطاب موجّه للأوروبيين منذ عامين، رغبته في إعادة التفاوض على شروط وضع بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وطرح نتائج هذا التفاوض في استفتاء عام على البقاء في الاتحاد أو الخروج منه قبل نهاية العام 2017. ويرى كاميرون أن الاتحاد أصبح أكثر تدخلاً وتقييداً لحياة الأوروبيين، وأن سلطات مؤسسات الاتحاد تغولت على السلطات الوطنية لمؤسسات الدول الأعضاء.
ويُطالب رئيس حزب المحافظين باستعادة بعض السلطات التي تخلت عنها بريطانيا للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قوانين تنقل الأفراد بين دول الاتحاد، والاتفاقيات المتعلقة بالجوانب الأمنية وتبادل المجرمين والهجرة.

اقرأ أيضاً: دبلوماسيون يحذّرون من سياسة بريطانيا الخارجية

وإن كانت الدول الأوروبية لا تفضل خروج بريطانيا من الاتحاد، إلا أن لا أحد من زعماء أوروبا يرغب في مراجعة معاهدات الاتحاد الأوروبي بما يلبي الإصلاحات التي تطالب بها الحكومة البريطانية. وقد عبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن ذلك صراحة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما حذرت رئيس الوزراء البريطاني بالقول "إنها تفضل رؤية المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي على المساومة على مبدأ حرية تنقل الأفراد الأوروبيين داخل حدود الاتحاد".
ويعتبر معظم قادة دول الاتحاد الأوروبي أن فتح باب المفاوضات مع بريطانيا ينطوي على مخاطر قد تهدد الصرح الأوروبي كله، وبالتالي لا ينصحون كاميرون بالمناورة أو محاولة ابتزاز الاتحاد الأوروبي بـ"فزاعة الاستفتاء" لإجبارهم على إعادة التفاوض بشأن علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي.
وبعيداً عن لغة التهديد التي يتوجه بها كاميرون لدول الاتحاد الأوروبي، فإنه يُؤكد في خطابه الداخلي على أهمية بقاء بريطانيا في الاتحاد، ويرى أن خروج بريطانيا من المجموعة الأوروبية ينطوي على نتائج سلبية على الاقتصاد الوطني ومخاطر جدية على الأمن البريطاني، وأن البقاء ضمن الاتحاد لا يوفر لبريطانيا الأمن الاقتصادي وحسب، بل والأمن القومي كذلك. وعلى الرغم من تعالي الأصوات اليمينية المطالبة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا أن جماعات الضغط المالية والاقتصادية، الأكثر تأثيراً، والأقرب من ديفيد كاميرون، ترى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يمكن أن يضرّ بمكانة لندن بوصفها مركزا مالياً وتجارياً عالمياً.

في المقابل، يقول معارضو الاتحاد الأوروبي إن خروج بريطانيا من الاتحاد يجعلها أكثر قدرة وانفتاحاً على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي. ويروّج بعض المتشكّكين في أهمية بقاء بريطانيا إلى إمكانية الاقتداء بنموذجي النرويج وسويسرا، إذ بقي البلدان خارج الاتحاد من دون أن يحرمهما ذلك من توقيع اتفاقيات خاصة تضمن لهما حرية التجارة مع السوق الأوروبية الموحدة. وتساهم النرويج في ميزانية الاتحاد بنحو 90 في المائة من مساهمة بريطانيا بالمقارنة مع عدد سكان البلدين، كما أنها تخضع لكل القواعد المنظمة للإنتاج والتجارة في الاتحاد لكي تضمن دخول سلعها إلى السوق الأوروبية. كما تخضع سويسرا لكثير من الالتزامات الأوروبية لكي تضمن حرية التبادل التجاري مع الاتحاد في عدد من القطاعات.
ولا يوافق أنصار بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي على تبني أي من النموذجين، لأن ذلك يُفقد بريطانيا، من وجهة نظرهم، دورها القيادي في أوروبا ويخرجها من "المركز" إلى "الهامش"، وسيؤدي إلى منح المزيد من القوة للدور الألماني.
ويعد حزب الاسقلال البريطاني، الوحيد الذي يدعو بشكل قاطع إلى انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في المقابل، ينتقد حزبا العمال والأحرار الديمقراطي الاستفتاء الذي تعهد به كاميرون، مؤكدين أن لا مبرر لاستفتاء شعبي إلا في حالة طلب الاتحاد الأوروبي من حكومة المملكة المتحدة التخلي عن المزيد من سلطاتها الوطنية لصالح توسيع سلطات الاتحاد.

اقرأ أيضاً: ملامح تشدّد بريطاني إضافي في ملف الهجرة

المساهمون