قراءة إسرائيلية لاعتداءات باريس: تطوّر طبيعي لنشاط "داعش"

قراءة إسرائيلية لاعتداءات باريس: تطوّر طبيعي لنشاط "داعش"

30 نوفمبر 2015
اعتداءات باريس تؤكد مسعى التنظيم لنقل المعركة للغرب(فرانس برس)
+ الخط -

في الوقت الذي اعتبر فيه عدد كبير من المراقبين أن اعتداءات باريس التي نفذها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تشكّل نقطة تحوّل استراتيجي في خطط ونشاطات "داعش"، وأنها جاءت إثر الضربات التي تلقاها التنظيم أخيراً في سورية، فإن ورقة تقدير موقف أعدها مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، ذهبت إلى القول إن الاعتداءات تُشكّل تطوراً طبيعياً لمسار التنظيم، وإنها تمّت وفق رؤيا وتخطيط مسبق قام على أحد الأسس، التي قام عليها تنظيم "داعش"، وهو استخدام وتوظيف النشطاء الغربيين من المسلمين الذين انضموا للتنظيم وجاؤوا من الدول الأوروبية.

ويرى مُعدّ الورقة، يورام شفايتسر، في هذا السياق، خطأ النظرة التقليدية للتنظيم التي اعتبرت أنه يعمل بشكل مخالف لتنظيم "القاعدة"، وبالتالي فقد جاءت اعتداءات باريس بمثابة مفاجأة لمن وضعوا هذا التمييز الفاصل بين نشاط "القاعدة" ونشاط "داعش". ويعتبر شفايتسر أن استيعاب "داعش" لمئات وآلاف المتطوعين من أصول أوروبية وغربية، وحتى من جاؤوا من الصين في السنوات الثلاث الأخيرة، لم يكن فقط لاعتبارهم جنوداً انتحاريين في المعارك الدائرة في سورية والعراق، وإنما كقوة احتياط يمكن إرسالها وتفعيلها لاحقاً في بلدانهم الأصلية، وإن كانت الحرب في سورية والعراق هي معركة "داعش" الأساسية لكنها ليست الوحيدة.

وفي ما يبدو كتماهٍ تام مع الدعاية الإسرائيلية، وتحديداً تلك التي يبثها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن إرهاب "داعش" سيمتد إلى البلدان الأوروبية، وبالتالي فإن التنظيم لا يختلف عن باقي الجماعات الإرهابية، في محاولة لإلصاق تهمة الإرهاب بالمقاومة الفلسطينية وتشويه حقيقتها، بما يخدم المصالح الإسرائيلية، يرى الكاتب أن أشرطة الفيديو المختلفة التي بثّها التنظيم وما حوته من صور فظيعة لجرائمه، تهدف في نهاية المطاف ليس فقط لبث الرعب في قلوب الغربيين، بل هي أيضاً بمثابة إعلان نوايا لأهداف التنظيم لاحقاً.

اقرأ أيضاً: هجمات باريس لم تغير موقف أوباما بشأن سورية

وبحسب شفايتسر، فإنه كان على الغرب أن يقرأ هذه الرسائل ببُعدها الاستراتيجي أيضاً، خصوصاً على ضوء تجربة متطوعي تنظيم "القاعدة" وشركائه، باعتبار أن التنظيمين، "داعش" و"القاعدة"، ينتميان فكرياً إلى التيار الأصولي نفسه، وبالتالي كان واضحاً أن جمهور المتطوعين الغربيين من عرب ومسلمين من أصول غربية سيشكلون احتياطاً للتنظيم في حربه المقبلة، أو مرحلته المقبلة في ضرب الغرب في ميادين مختلفة داخل الغرب. وتُشكّل اعتداءات باريس في هذا السياق دليلاً واضحاً على نوايا تنظيم "داعش" في نقل ونسخ ثقافة القتل، التي اتّبعها ووثقها في أشرطته على مواقع الشبكات الاجتماعية إلى قلب الحضارة الغربية.

ويرى الكاتب أن حدة الخطر الذي يمثّله "داعش"، وفق الاعتداءات الأخيرة في باريس، وإسقاط الطائرة الروسية في سيناء، تلزم مختلف الدول التي تحارب داعش، وعلى رأسها الدول الغربية والدول العربية، بالاستعداد لمعركة مكثّفة ومتواصلة ضد التنظيم على الأراضي السورية وعلى "قاعدة الخلافة في الرقة". ومثل هذه المعركة يجب أن تقوم ليس فقط على أدوات وأسلحة متطورة وذكية، وإنما أيضاً أن تعتمد على "تجنيد" السكان المحليين أنفسهم ومنع استغلالهم في الحرب من قِبل "داعش"، وبالتالي وبموازاة ذلك اتخاذ التدابير اللازمة لمنع أو تقليل الإصابات في صفوف المدنيين.

وفي الطرف الآخر من ميادين القتال والمواجهة، فإن الكاتب يشير إلى الدور الخاص والمهم للتعاون "الاستخباراتي" بين مختلف الأجهزة للدول الأوروبية والدول الأخرى (الدول العربية والإسلامية) مثل المغرب، وهو تعاون بعضه ظاهر على الملأ وبعضه خفي، ويشكل أساساً للنجاح في المعركة على "داعش" وعلى الإرهاب الجهادي.

ويرى شفايتسر أن التطورات والأحداث الأخيرة في مالي، وتحديداً الهجوم على فندق في العاصمة المالية، تُشكّل إنذاراً وتذكيراً بأنه على الرغم من النشاط المحموم في الدول الغربية في مواجهة "داعش"، فإن أحداث مالي جاءت لتلفت الأنظار إلى أن ميادين الحرب ليست مقتصرة على مناطق "الدولة الإسلامية" والقارة الأوروبية.

ويخلص الكاتب إلى القول إن العبرة التي يفترض استخلاصها من هذه العملية في مالي، أن الحرب ضد الإرهاب الجهادي في الوقت الراهن يجب أن تشمل ضربة جوهرية لتنظيم "داعش" وشركائه، وأيضاً ضرب شبكة التحالفات التابعة لتنظيم "القاعدة" على الرغم من المنافسة بين التنظيمين على قيادة معسكر الجهاد العالمي، إذ يتشاطر التنظيمان الكراهية للغرب والرغبة في ضربه وهدمه، ناهيك عن احتمال عودة التنظيمين إلى التعاون فيما بينهما مستقبلاً لتحقيق حلم بسط سيطرة وحكم الفكر السلفي الجهادي في العالم كله.

اقرأ أيضاً: الوصفة الفرنسية لمحاربة التطرف: "مناصحة" على الطريقة الغربية

المساهمون