جنرالات الجزائر في قبضة القضاء: تصفية حسابات سياسية؟

جنرالات الجزائر في قبضة القضاء: تصفية حسابات سياسية؟

30 نوفمبر 2015
متابعون يرون المحاكمات تحذيراً من المسّ بالرئاسة(فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -

بعد عقود ظل فيها قادة الجيش والاستخبارات فوق المحاكمات في الجزائر، يجد عدد من هؤلاء اليوم أنفسهم أمام المحاكم وفي السجون، بعد صدور حكم بالسجن خمس سنوات مع النفاذ على القائد السابق لفرع مكافحة الإرهاب الجنرال حسان، واسمه الحقيقي عبد القادر آيت واعرابي، في محاكمة اعتبرها معارضو الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة تحمل صبغة سياسية.

ولم يُخفِ قائد أركان الجيش ووزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، صدمته من الحكم الذي أصدرته محكمة عسكرية في حق الجنرال حسان، المعتقل منذ أغسطس/آب الماضي بتهم مخالفة تعليمات عسكرية وإتلاف وثائق عسكرية. وانتقد نزار هذا الحكم ووصفه بـ"الجريمة"، واعتبر أن المحاكمة غير مشروعة، لافتاً إلى أن "التُهم ضد مسؤول سابق في الاستخبارات اخترق صفوف الإرهابيين، ما كان ينبغي أن تأخذ طابعاً جزائياً، بحجة أن مخالفة تعليمات المسؤولين في الجيش، لها جانب تأديبي يُعالج داخل المؤسسة العسكرية". وكشف وزير الدفاع السابق أن مدير الاستخبارات المعزول في سبتمبر/أيلول الماضي، الجنرال محمد مدين المدعو توفيق، كان قد وجّه رسالة إلى الرئيس الجزائري، أعلن فيها أنه يتحمّل كامل المسؤولية عن التهم التي تنسبها النيابة العسكرية إلى الجنرال حسان.

هذه التهم ترفض السلطات الكشف عن تفاصيلها، غير أن تقارير أكدت أنها تتصل بتسليح الجنرال حسان لمسلحين في منطقة الصحراء بهدف تنفيذ اختراق المجموعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة وعلى الحدود مع مناطق شمال مالي، وهو أسلوب اعتمدته الاستخبارات الجزائرية منذ التسعينات في محاربة الإرهاب والمجموعات المسلحة التي كانت تنشط في شمال البلاد، ونجحت من خلاله في تفكيك عدد كبير من هذه المجموعات والخلايا التابعة لها، لكن هذا الأسلوب فتح في الوقت نفسه الباب أمام تُهم وُجّهت إلى المؤسسة الأمنية والعسكرية بالمسؤولية عن بعض الأعمال والتجاوزات التي ارتُكبت باسم مكافحة الإرهاب.

وكيل الجنرال حسان، المحامي مقران آيت العربي، وضع قضية موكله في سياق محاكمات سياسية وتُذكّر بمحاكمة العقيد شعباني أحد أبرز قيادات "جيش التحرير" في الجزائر، والذي تقرر إعدامه في الثالث من سبتمبر/أيلول 1964 بسبب خلافات سياسية مع السلطة الحاكمة في البلاد حينها وتحديداً الرئيس أحمد بن بلة. وانتقد آيت العربي انتهاك المحكمة لحقوق الدفاع خلال محاكمة الجنرال حسان "ابتداء من إلقاء القبض عليه في منزله خارج القانون، إلى النطق بالحكم في جلسة سرية". وانتقد رفض المحكمة استدعاء قائد جهاز الاستخبارات السابق الفريق توفيق، بصفته الرئيس المباشر للمتهم كشاهد أساسي، وكشف أن "المحكمة العسكرية استدعت شاهدين ضد الجنرال حسان. الأول مُهرّب كبير، والثاني ضابط أحاله المتهم على التقاعد"، مشيراً إلى أن الجنرال المدان "قضى في الجيش 51 عاماً، ويبلغ من العمر 68 عاماً ومصاب بأربعة أمراض مزمنة، ومن حقه وقف تنفيذ الحكم لتمكينه من العلاج في مستشفى متخصص".

كما كشف أن التُهم التي يحاكم على أساسها الجنرال حسان، كانت محل إشادة في شهر يوليو/تموز 2011 من قِبل قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صابح، "بعد إبطال مكيدة إرهابية خبيثة، تمثّلت في القيام باعتداء إرهابي انتحاري، والحفاظ بذلك على أرواح العديد من عناصر قوات الأمن والمواطنين".

اقرأ أيضاً: بوتفليقة:التغييرات بجهاز المخابرات تأتي ضمن هيكل تنظيمي تمّ وضعه

ولم تتوقف ردود الفعل عند مواقف القيادات العسكرية، ذلك أن شخصيات سياسية فاعلة رأت في محاكمة جنرالات الجيش بداية لتطهير سياسي أكثر منه محاسبة جدية عادلة، أبرز هذه الشخصيات رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، المنافس الأبرز لبوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان 2014. وحذر بن فليس من توظيف العدالة والقضاء في محاكمات لها صبغة سياسية، لافتاً خلال تجمّع سياسي عقده غربي الجزائري، إلى أنه لا يستغرب "أن تكون هذه القضية وجهاً من أوجه عملية التطهير السياسي الجارية في البلد، والتي تستهدف أطرافاً وأشخاصاً بتهمة اللاموالاة (للحكم)"، مشيراً إلى أن "إحاطة السلطات لمحاكمة الجنرال حسان بالتعتيم والسرية وغياب المعلومات الرسمية، يؤديان إلى استنتاج وجود خلفيات غير معلنة، ونوايا خفية، وتوظيفات لهذا الملف".

ليس الجنرال حسان وحده من وجد نفسه في مواجهة السجن، بل إن جنرالاً آخر هو حسين بن حديد، لا يزال معتقلاً أيضاً منذ ما يقارب الشهرين بسبب تصريحات سياسية انتقد فيها سياسات بوتفليقة، ودعا الجيش إلى التدخّل لإنقاذ البلد، متهماً الرئيس الجزائري بالانتقام من كوادر المؤسسة العسكرية بسبب مواقفهم ورفضهم لترشحه لولاية رئاسية رابعة.

كما يقبع عدد من قيادات الجيش والاستخبارات في بيوتهم تحت الرقابة القضائية والمنع من السفر، منذ تنحيتهم عن مناصبهم في سياق حملة تغييرات أجراها بوتفليقة، خصوصاً في جهاز الاستخبارات، رداً على محاولة قيادات من الجهاز منعه من الترشح لولاية رئاسية رابعة في الانتخابات الأخيرة. لكن متابعين لعلاقة بوتفليقة بالمؤسسة العسكرية، يؤكدون أنه بصدد تنفيذ أفكار تتصل بإبعاد الجيش عن القرار السياسي، بعد عقود هيمن فيها العسكر على صناعة القرار، مشيرين إلى أن المحاكمات الأخيرة مجرد تهديد من قِبل بوتفليقة لمجموعة من القيادات العسكرية العاملة أو المتقاعدة من أي خطوة تستهدف المس بالرئاسة أو الاستمرار في قواعد اللعبة السياسية السابقة. وفي عودة إلى تاريخ العلاقة المتشنجة بين بوتفليقة والمؤسسة الأمنية والعسكرية، يظهر أنه منذ مجيء بوتفليقة إلى سدة الحكم، كان واضحاً بنبرته الحادة تجاه الجنرالات وحديثه عن الجنرالات الـ15 الذين يسيطرون على الاقتصاد الجزائري.

اقرأ أيضاً: الفساد يضرب قطاع الدفاع الجزائري

المساهمون