عين فرنسا على داعش سورية... وعقلها في ليبيا

عين فرنسا على داعش سورية... وعقلها في ليبيا

24 نوفمبر 2015
استمرار القتال يهدد بتعزيز قوة "داعش" (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
يعود الموضوع الليبي إلى جدول أعمال الحكومة الفرنسية، بعد أيام من اعتداءات باريس. وعلى إثر حشد فرنسا قواتها الجوية نحو سورية، التفتت غرباً إلى طرابلس، حيث يراوح المشهد السياسي مكانه، وتبقى الأزمة على حالها، أمام قوى دولية تراقب المشهد من دون أن تفعل شيئاً يُذكر لحلحلة الوضع الساكن. غير أن اعتداءات باريس نبّهت فرنسا إلى أن أعداءها المحتملين موجودون، أيضاً، في ليبيا، وتزداد قوتهم يوماً بعد يوم، ويهددون أوروبا بشكل مباشر، وقد سبق أن أعلنوا ذلك صراحة عندما وجّهوا تهديدات مباشرة إلى إيطاليا منذ أشهر.

وجاءت تصريحات وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، أمس الأول الأحد، لتضع ليبيا، أيضاً، على رأس أولويات فرنسا الجديدة، عندما قال لإذاعة "أوروبا 1": "ينبغي التوصّل إلى اتفاق ليبي بين الطرفين المتحاربين وإلا فإن ذلك سيؤدي إلى انتصار داعش"، مشيراً إلى أن "الوضع يتطلب تحركاً عاجلاً، لأن داعش يسيطر على أراضٍ انطلاقاً من سرت ويعمل على التوجّه نحو حقول النفط".

ودعا الدول المعنية بشكل مباشر بالوضع في ليبيا، إلى تنظيم قمة دولية "بأسرع وقت ممكن، للتوصل إلى اتفاق ما في ليبيا، بدعم من منظمات دولية ومن الأمم المتحدة". ولفت إلى أن الفصائل المسلّحة الرئيسية في ليبيا تحكم على نفسها بالانتحار إذا لم تتوقف عن قتال بعضها بعضاً وتتفرغ لمواجهة تنظيم داعش الذي يتنامى وجوده في البلاد. وأوضح أن "التنظيم موجود في ليبيا لأنه قادر على استغلال المشاحنات الداخلية، وإذا تم توحيد قوى الداخل الليبي فلن يكون لهذا التنظيم وجود". وأكد لو دريان انخراط بلاده في الجهود الدولية لمحاربة تنظيم داعش، مشيراً إلى أنه جرى نشر حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في شرق البحر المتوسط لدعم مشاركة فرنسا في الضربات الجوية في العراق وسورية.

قراءة وزير الدفاع الفرنسي تظهر أن ليبيا أصبحت تشكّل القاعدة الخلفية لـ"داعش" وفق النظرية الفرنسية، وهو ما يفرض التدخّل العاجل، خصوصاً أن بعض المسؤولين الليبيين أكدوا، منذ أيام، أن "داعش" وجّه نداءً لكل أنصاره الجدد بالتوجه إلى ليبيا، بعد التدخّل الروسي في سورية، لافتين إلى أن التنظيم يضم حوالي 5 آلاف مقاتل في ليبيا، ما بين سوداني وتونسي ويمني وليبي.

غير أن موقف وزير الدفاع الفرنسي لا يبدو جديداً، فقد كان له الموقف نفسه منذ عام، وإن كان أقل حماسة من الآن، وهو دعا في سبتمبر/أيلول 2014 إلى تحوّل القوات الفرنسية الموجودة في أفريقيا الغربية في إطار عملية "بارخان"، إلى الحدود الليبية بتنسيق مع الجزائر.

اقرأ أيضاً: الجزائر تستنفر الجيش على الحدود وتحذر من "داعش" بليبيا

ويبدو أن هذه الحماسة الفرنسية تلاقي حماسة إيطاليا، التي كانت قد أعلنت، منذ عام، أن "الحرب في ليبيا باتت ضرورية"، على الرغم من تردد رئيس حكومتها، ماتيو رينزي، الذي كبح جماح وزيرة دفاعه روبرتا بينوتي، التي عبّرت في فبراير/شباط الماضي عن رغبتها في قيادة "تحالف أوروبي في ليبيا تشارك فيه دول شمال أفريقيا، لإيقاف تمدد داعش، الذي لا يبعد أكثر من 350 كيلومتراً عن إيطاليا".

ويستند وزير الدفاع الفرنسي، في الوقت ذاته، إلى آراء فرنسية كثيرة تؤيد ضرب "داعش" في ليبيا، ومنها رأي الباحث في معهد الدراسات الدولية، دومينيك مويزي، الذي كان يعتقد في الفترة نفسها أن "تدخّلاً في ليبيا مسألة ضرورية بالتأكيد، لأن الخطر يقترب شيئاً فشيئاً من أوروبا، ولا يمكن الفشل مرة أخرى في معادلة الرغبة في التغيير وإقرار الاستقرار والنظام". ولعل الأحداث الباريسية المؤلمة ستزيد من صلابة هذا الرأي.

كما أن الدبلوماسي الفرنسي السابق في ليبيا، باتريك هيمزاده، أشار في تصريح لمجلة "إكس برس"، إلى أن "ليبيا اليوم بلد متكسر يتخفى فيه المواطنون وراء هويتهم الأصلية، القبلية والمناطقية، في حلقة مدمرة هي حرب كل ضد الكل، استطاع داعش أن ينمو على أنقاضها".

وهي قراءة وزير الدفاع نفسها بعد أشهر من هذه التصريحات، ما قد يقود إلى الاعتقاد، أن ما كان يسمى "التراخي الفرنسي" قد يتغيّر بعد أحداث باريس، خصوصاً أن كثيراً من النخب الفرنسية انتقدت "هروب المجتمع الدولي من ليبيا" بعد الثورة وترك الليبيين أمام مصيرهم الذي سيطرت عليه رغبات وصراعات متباينة، ما أوجد الفرصة لبروز مليشيات متعددة في كل مدينة، وسادت الفوضى في بلد غني جداً، لا يمكن أن تُترك ثرواته في أيدي العابثين، وتهدد كل دول الجوار باستمرار.

وقد تجد فرنسا نفسها، اليوم، مجبرة على مغادرة الجنوب الليبي، حيث كانت تعتقد أن قربها من قبائل "الطوارق" يكفي لحماية مصالحها في مالي، التي تعاني من "داعش" و"بوكو حرام"، والنيجر حيث مصالحها الكبيرة، أي مناجم اليورانيوم. غير أن الفرنسيين الذين سيدفعون بكل قواهم في اتجاه إقناع الجميع بضرورة القيام بدور حاسم في دعم الحكومة الليبية الجديدة المقترحة من المبعوث الأممي السابق، برناردينو ليون، سيكون عليهم بالتأكيد الإنصات جيداً هذه المرة للعارفين بما يحدث في ليبيا، وعلى رأسهم تونس والجزائر غير المتحمستين لأي تدخّل عسكري في ليبيا.

ولكن يبقى التأكد إذا ما كان موقف وزير الدفاع الفرنسي يعبّر عن موقف الحكومة الفرنسية، التي اتسمت بالتردد دائماً في أكثر من ملف، وإذا ما كان هذا الموقف متناسقاً مع الرؤية الأميركية للمنطقة عموماً وليبيا بشكل خاص، خصوصاً أن اللاعب الأميركي أظهر في الآونة الاخيرة رغبة معلنة في الاضطلاع بدور في شمال أفريقيا. وفي الوقت نفسه، سيتعّين على القوّتين معاً (فرنسا والولايات المتحدة) توحيد موقف دول الجوار، تونس والجزائر ومصر وإيطاليا، ومالي والتشاد أيضاً، حيث برزت اختلافات جديدة حول الملف الليبي، كل هذا في صراع مع الوقت تستغله المجموعات الإرهابية لصالحها، وتتلاشى فيه الجهود الدولية لتشكيل حكومة ليبية جديدة.

اقرأ أيضاً: التعاون الفرنسي مع شمال أفريقيا... المغرب أولاً