سجون "الحشد" في العراق: مراكز للخطف والقتل والابتزاز

سجون "الحشد" في العراق: مراكز للخطف والقتل والابتزاز

22 نوفمبر 2015
سجون "الحشد" منتشرة في عدة محافظات عراقية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
على غرار سجون تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في المدن الشمالية والغربية من العراق التي يسيطر عليها منذ ما يقارب العامين، أخذت ظاهرة سجون المليشيات تتسع في العراق بشكل كبير، على مرأى من القوات النظامية وحكومة حيدر العبادي، لتصل إلى 24 سجناً في بغداد وبابل وكربلاء والبصرة وذي قار وديالى، تديرها فصائل مختلفة من مليشيات مسلّحة تنضوي تحت مسمى "الحشد الشعبي".

اقرأ أيضاً: العراق: داعش تعذب معتقلين حتى الموت

هذا الرقم أعلنه أخيراً تقرير صادر عن منظمة حقوقية عراقية، أكدت فيه وجود ما لا يقل عن 24 سجناً تابعاً للمليشيات، قضى بداخلها العشرات من المعتقلين جراء "التعذيب، وجميعهم من مكون طائفي واحد، يجري اعتقالهم بحملات المليشيات على المدن والبلدات المختلفة أو خلال عمليات تحرير المدن من سيطرة داعش". فيما تؤكد تقارير محلية عراقية وجود نحو 30 سجناً لتنظيم "داعش" يمارس بداخله جرائم تعذيب وانتهاك بحق نفس المكون الطائفي الذي يدعي أنه يدافع عنه بتهم مختلفة مثل التجسس والعمالة والانتماء لجماعة "الإخوان المسلمين" أو الحركات السياسية الأخرى، والعمل بالأجهزة الأمنية سابقاً أو لمخالفتهم تعليمات شرعية للتنظيم. 

وبحسب مصادر أمن عراقية وبرلمانيين التقت بهم "العربي الجديد" تلجأ المليشيات إلى تمويل نفسها من خلال تلك السجون عبر ما بات يعرف بمصطلح "الفدية"، بحيث يدفع ذوو المعتقل لدى المليشيات مبلغاً مالياً، يتراوح عادة ما بين 10 إلى 100 ألف دولار، لإطلاق سراحه، وفي حال الامتناع، يعثر عليه جثة هامدة في مكبات النفايات أو الساحات العامة، وسط عجز واضح لشرطة المحلية عن وضع حد للظاهرة التي أخذت بالاتساع بشكل مخيف في بغداد.

وانتشرت في الآونة الأخيرة، داخل المساجد والجامعات والأحياء السكنية حملات جمع التبرعات التي يطلقها ذوو المخطوف لجمع المبلغ الذي تطلبه المليشيات لقاء إطلاق سراح أبنائهم. واعتبر القيادي في جبهة الحراك العراقية محمد الخالدي إطلاق صفة السرية على سجون المليشيات بالخاطئ، كونها باتت معروفة للحكومة والشارع العراقيين. وأضاف لـ"العربي الجديد" "باتت السجون معروفة؛ فعن أي سرية نتحدث؟ كسياسي وليس رجل أمن، من الممكن أن أتحدث لكم عن سجن المشتل وسجن حي أور وسجن الشعب وسجن الحسينية وسجن الشعلة، وفي ديالى عن سجني الخالص وبعقوبة، وفي بابل سجن طويريج (مسقط رأس رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي) هذه كلها تتبع المليشيات ويقبع فيها مئات العراقيين دون مذكرة اعتقال، ودون وجه حق لا قانوني ولا أخلاقي. وأعتقد أن تلك السجون التابعة للمليشيات هي من تصنع الإرهاب".

وتابع الخالدي "تحدثنا مع الرجل (رئيس الوزراء حيدر العبادي) مطولاً حول الموضوع، وهو لا يخفي عجزه عن معالجة إرث سلفه نوري المالكي في سلة واحدة، كما أنه يخشى فتح جبهة إضافية عليه مع المليشيات المدعومة من إيران".

وأصدر رجل الدين البارز مقتدى الصدر أخيراً بياناً هاجم فيه ما وصفه بتصرفات المليشيات الوقحة في ديالى، وأمر بطرد عدد من قيادات التيار الصدري على خلفية اكتشاف سجن صغير يديره عناصر من مليشيا السلام التابعة له في منطقة التحرير غرب بعقوبة، تقوم باعتقال مواطنين بداخله وتبتز ذويهم بحسب ما أكد ضابط برتبة عقيد بشرطة محافظة ديالى شرق العراق، لـ"العربي الجديد"، مبيناً أن هذا هو سبب الهجوم والبيان الناري للصدر الذي صدر الأسبوع الماضي عن مكتبه في النجف.

اقرأ أيضاً: العراق: مقتدى الصدر يُجمّد عمل مليشياته في ديالى

وبحسب منظمة "السلام" العراقية لحقوق الإنسان، وهي إحدى المنظمات الناشطة في العراق وتتخذ من أربيل مقرّاً لها، فإن ما بين أربعة إلى سبعة آلاف معتقل عراقي يقبعون بتلك السجون المنتشرة في العراق ليضاهي عددهم عدد ضحايا السجون لدى تنظيم "داعش".

ويقول رئيس المنظمة محمد علي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات الخطف لدى المليشيات باتت غير خافية، وخير دليل عملية اختطاف العمال والمهندسين الأتراك، وقبلهم وكيل وزارة العدل ونائب بالبرلمان، وهذا يؤكد أن عملية خطف المواطنين ورميهم بالسجون من قبل تلك المليشيات أمر سهل". ويضيف أن "محاولات للصليب الأحمر الدولي في تحرير الضحايا تبوء بالفشل في بلاد يحكمها قانون الأقوى".

ويشير إلى أن "تلك السجون عبارة عن مبانٍ حكومية قديمة أو قواعد عسكرية سابقة للجيش أو مزارع خاصة، ومنازل كبيرة، وعادة لا يبقى الضحية بداخلها أكثر من شهرين أو ثلاثة؛ فإما أن يطلق سراحه أو ينتهي الحال به جثة هامدة". ويبيّن أن قيادات مليشيات "الحشد الشعبي" هي من تشرف على تلك السجون، وغالبية من فيها من مكون معين، وبات "داعش" يستغلها في خطاباته الأسبوعية لترهيب السنة الذين يرفضونه ويهربون من مناطقه، بقوله "البقاء في أرض الخلافة خير من الموت بسجون المليشيات"، واصفاً تلك السجون بأنها "محرك جديد لتفريخ العنف والانتقام وتهديد التعايش الأهلي بين العراقيين".

من جهته، يقول النائب العراقي أحمد السلماني إن "حالات الخطف تتزايد بشكل لا يمكن السكوت عنه أكثر في مناطق سيطرة الدولة". ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه "منذ ما يقارب الشهر يتعرض الشباب إلى حالات خطف في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالأنبار. كما أن هناك حالات خطف تمت في منطقة الثرثار"، مشيراً إلى أنه "خلال هذه الفترة لا تزال مجموعات مسلحة تقدم على خطف المدنيين أثناء قدومهم من مدن الأنبار إلى بغداد أو عودتهم". ويضيف "لقد تجاوز عدد المخطوفين حتى اليوم 1200 مختطف".

وطالب السلماني رئيس الوزراء والوزراء الأمنيين والقادة الميدانيين بـ"الكشف عن الجهات التي تنفذ عمليات خطف المدنيين واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لمنع اختطاف المدنيين والكشف عن مصير المدنيين الآخرين ممن تم اختطافهم أخيراً".

وفي السياق، يؤكّد عضو لجنة الأمن البرلمانيّة، رعد الدهلكي، أنّ "أعمال الخطف تتصاعد بشكل مستمر، خصوصاً في محافظة ديالى". ويقول لـ"العربي الجديد" إن "المليشيات تنتشر بمناطق كثيرة من العراق وتنفّذ أعمال الخطف، بلا رادع تنفيذاً لأجنداتها بالتغيير الديموغرافي"، مبيناً أنّ "القوات الأمنيّة والأجهزة الحكومية تقف عاجزة عن إيجاد حل للمليشيات". وحذّر "من خطورة استمرار الوضع الأمني على ما هو عليه، وعدم اتخاذ قرارات أو تدابير حكوميّة رادعة بحق تلك المليشيات"، مؤكّداً أنّ "السكوت على هذه الحالة سيفاقم ويعقّد المشهد الأمني في البلاد، ويأزّم الوضع المتأزم أصلا"ً.

ويخلص إلى أنّ "المسؤوليّة الأخلاقيّة والقانونيّة تحتّم على الحكومة، بل وعلى الرئاسات الثلاث (الحكومة والجمهورية والبرلمان) الوقوف بحزم وقوة تجاه تلك الانتهاكات التي تضرب النسيج العراقي، وإيجاد حلول ناجعة وجذريّة، وفقاً للقانون الذي يجب أن يطبق على الجميع، وخصوصاً المجرمين الذي تسببوا بأعمال العنف".

المساهمون