السيسي مشرّعاً حتى الرمق الأخير: تهميش البرلمان خلال ولادته

السيسي مشرّعاً حتى الرمق الأخير: تهميش البرلمان خلال ولادته

19 نوفمبر 2015
أصدر السيسي أكثر من 270 قانوناً (كينزو تريبولارد/فرانس برس)
+ الخط -
يثير إصدار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قراراً بقانون جديد يقضي بمضاعفة المبالغ المالية المخصصة لصندوق نظام تأمين الأسرة، لتصل إلى 100 جنيه (12 دولاراً) عن كل حالة زواج أو طلاق بدلاً من 50 جنيهاً (6 دولارات)، سخرية واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي. بعض المتابعين لم يكونوا على علم بأنّ المأذونين وموثّقي الزواج والطلاق يتقاضون نصف هذا المبلغ على كل وثيقة يقيّدونها، بينما وجد آخرون أن القانون دليل جديد على رغبة الدولة في جباية أية أموال لمحاولة سدّ عجزها وتردّي أوضاعها الاقتصادية وضعف المساعدات الخارجية للنظام.

إلا أن هذا القانون وعدداً من سابقيه في الآونة الأخيرة، يفيد بما لا يترك مجالاً للشك بأنّ السيسي يستخف بمجلس النواب الذي يجري انتخابه حالياً، على الرغم من أن الرجل ونظامه يروجان في الداخل والخارج لأهميته المرتقبة كسلطة تشريعية منتخبة، هي الأولى منذ يونيو/حزيران 2012، والتي ستكون قادرة على وضع قوانين ولوائح، ومباشرة تولي سلطات البرلمان، بعد أكثر من عامين استأثر فيهما السيسي وسلفه عدلي منصور بممارسة سلطة التشريع منفردَين.

وخلافاً للأعراف والتقاليد الدستورية والتشريعية التي تُجمع على وقف الأعمال التشريعية خلال فترة انتخاب البرلمان، تحسباً لإلغائها أو تعديلها، وإعلاءً لقيمته وسلطاته، يواصل السيسي استخدام سلطته التشريعية المؤقتة حتى الرمق الأخير. لم يكتفِ الرئيس المصري بإصدار أكثر من 270 قانوناً في عام ونصف العام فقط، بل يبدو أنه مُصرّ على الاستمرار في إصدار القوانين "غير الضرورية" حتى انعقاد البرلمان، وفقاً للمراقبين.

ومنذ فتحت اللجنة العليا للانتخابات باب الترشح للبرلمان، أصدر السيسي مجموعة من التشريعات غير الضرورية لدرجة أنها تفتقر للأهمية في مطلقها أيضاً، مثل تغليظ عقوبات التعدي على نهر النيل والترع والجسور والمصارف، وتغليظ عقوبة الغش في الامتحانات الدراسية، وتعديلات مختلفة على قانون السجون، وتعديلات على قانون حماية البيئة، وأخيراً تعديلات على قانون صندوق نظام تأمين الأسرة.

يطرح المتابعون علامات استفهام عدّة حول إصدار هذا العدد من التشريعات، في الوقت الذي يجب أن يبدأ مجلس النواب ممارسة سلطته التشريعية "الأصلية" خلال أقل من شهر، في ظل انعدام الحاجة العاجلة إليها، وكذلك استحالة وقوف البرلمان عائقاً أمام إصدارها، في ظل سيطرة أغلبية مؤيدة للسيسي على البرلمان، بقيادة تيار "في حب مصر" المؤلف من أحزاب ومستقلين يتفقون على دعم السيسي، وكان عدد كبير منهم ينتمي لنظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك.

اقرأ أيضاً تحدّيات البرلمان المصري المقبل: مناقشة 350 قانوناً أصدرها السيسي

ويطرح مراقبون قانونيون سؤالَين مهمَّين؛ الأول حول ما إذا كان السيسي أو الحكومة يقلقون من احتمال عرقلة هذه القوانين وغيرها، فيسارعون إلى إصدارها قبل انعقاد البرلمان. والثاني، يكمن في مدى ضمان السيسي أنّ البرلمان المقبل لن يلغي أو يعدم أو يعدّل عدداً من القوانين التي أصدرها على مدار فترة حكمه، في ظل المادة 156 من الدستور التي تنص على انعدام أثر القوانين التي صدرت في غيبة البرلمان إذا لم يناقشها مجلس النواب أو إذا عرضها ولم يقرّها خلال 15 يوماً فقط من انعقاده.

تجيب مصادر حكومية في حديث لـ"العربي الجديد" علن السؤال الأول، مشيرة إلى أنّ "الوزارات المختلفة تسيطر عليها فكرة أنها ستعجز عن تمرير القوانين التي تريدها في الوقت الذي تفضّله، أياً كانت تشكيلة مجلس النواب الجديد. المسألة لا تتعلق باحتمالية رفض القوانين التي يقترحها النظام، بل بالوقت الطويل الذي سيستغرقه المجلس في دراسة المشاريع المقترحة عليه، وهو ما جعل بعض الوزراء يفكرون في أن ما لم تستطع تمريره الآن لن تستطيع تمريره غداً".

وتضيف المصادر أنّ هناك عدداً من القوانين صدرت على نحو عاجل كما صدرت لوائحها التنفيذية بسرعة استثنائية غير معتادة لمعرفة النظام مسبقاً باستحالة تمريرها في البرلمان، في مقدمتها قانون الخدمة المدنية، وكذلك جميع القوانين التي ترفع تعريفات مالية وضرائب ورسوما وغرامات.

وردّاً على السؤال الثاني، تؤكد المصادر الحكومية، أنّ النظام لا يزال في حيرة بشأن كيفية مراجعة عشرات التعديلات التشريعية التي أصدرها منصور والسيسي في 15 يوماً فقط، إذ يروّج قانونيون محسوبون على النظام لفكرة عدم مراجعتها وتجاهُل النص الدستوري تماماً، والاكتفاء بإصدار قانون واحد من مجلس النواب يقر في سطر واحد جميع ما أصدره الرئيسان من قرارات بقوانين، وهو ما يعتبر، بامتياز، التفافاً على الدستور وتفريغ مضمونه، ويهدد بإصدار أحكام لاحقة ببطلان القوانين بأثر رجعي، كما ينصّ الدستور، وهو ما قد يتسبب في حالة من عدم الاستقرار يستحيل تداركها.

تؤكّد هذه العوامل مجتمعة، أنّ أحد الأسباب التي تجعل السيسي مصرّاً على تعيين عدلي منصور في البرلمان ثم تصعيده رئيساً له، هو استمالة المحكمة الدستورية التي يرأسها منصور الآن، والتأكد من عدم إبطالها أي إجراء يتخذ بشأن القوانين الصادرة في الفترة الانتقالية التي دخلت الآن أيامها الأخيرة، على حدّ تعبير المصادر الحكومية.

اقرأ أيضاً: "قوانين الضرورة" سهلت الفساد وأهدرت الحقوق والحريات بمصر

المساهمون