"داعش" وتغيير قواعد اللعبة: نقل الحرب لساحة "العدو البعيدة"

"داعش" وتغيير قواعد اللعبة: نقل الحرب لساحة "العدو البعيدة"

16 نوفمبر 2015
استهدف "داعش" ضاحية بيروت قبيل باريس (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
قبل يوم واحد فقط من هجمات باريس، كانت بيروت تئن من اعتداءات مماثلة، من تخطيط وتنفيذ عناصر ذات الجهة الفاعلة، من دون أن يوليها الإعلام والسياسيون الغربيون الاهتمام المطلوب. ولم يقتطع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، جزءاً من وقت راحته ليعلن للعالم أن اعتداءات بيروت اعتداء على القيم البشرية، مثلما فعل مع باريس.

كانت الساعات الفاصلة بين تفجيرات بيروت وهجمات باريس، عبارة عن فترة استراحة بين استراتيجية قديمة في اختيار ساحة المعركة، يتبناها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، واستراتيجية جديدة لم يسبق للتنظيم أن تبناها من قبل فأفزعت العالم واستنفرت الشبكات الإعلامية الكبرى.
وجاء إعلان (داعش) المسؤولية عن هجمات باريس، ليضع استخبارات الدول الغربية جميعها أمام تحد جديد، هو "تغيير قواعد اللعبة"؛ فبعدما كانت استراتيجية "داعش" تحصر ساحات المواجهة في أراض إسلامية يعتبرها التنظيم جزءاً من أرض الخلافة، أصبحت، الآن، عواصم الغرب ومدنه الكبرى، ساحة معركة باعتبارها أرض "العدو البعيدة"، بحسب التعبير الجهادي. 

وكان هذا التغيير متوقعاً على ما يبدو لأغراض دعائية، ولكن صدمة باريس أثبتت أن صناع القرار الغربيين، وإن كانوا يتوقعون هجمات فردية من أشخاص متأثرين بأيديولوجية "داعش"، إلا أنهم لم يكونوا جادين في توقعاتهم، أن يتجه "داعش" إليهم في عقر دارهم بهجمات منسقة بحرفية عالية؛ وأكثر من ذلك، ذهب التنظيم إلى التهديد بشنّ هجمات أخرى واصفاً ما حصل أنه "أول الغيث".

وتتبين استراتيجية التنظيم الجديدة في الانتقال من ساحة "العدو القريب" إلى ساحة "العدو البعيد"، من خلال أبرز العمليات المنسوبة للتنظيم قبيل هجمات باريس.

عملية بيروت

تفجيران انتحاريان وقعا، الخميس الماضي، في شارع الحسينية في برج البراجنة بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، بيروت. وأسفرا عن قتل 43 لبنانياً وجرح العشرات. وصل الانتحاريان مشياً على الأقدام. وأعلن تنظيم "داعش" المسؤولية عن التفجيرين في بيان على موقع "تويتر". جاء في البيان "تمكن جنود الخلافة من ركن دراجة مفخخة وتفجيرها على تجمع للرافضة المشركين، في ما يعرف بشارع الحسينية في منطقة برج البراجنة الواقعة في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب اللات (في إشارة إلى حزب الله) الرافضي، وبعد تجمع المرتدين في مكان التفجيرين فجر أحد فرسان الشهادة ـ تقبله الله – حزامه الناسف في وسطهم ليوقع فيهم ما يزيد على أربعين قتيلاً ومائتي جريح ولله الحمد. وليعلم الرافضة المرتدون أنه لن يهدأ لنا بال حتى نثأر لعرض النبي".
ويفهم من البيان أن المبرر في اختيار مكان التفجير أن قاطنيه من الشيعة الذين يعتبرهم تنظيم "داعش" من المرتدين عن الإسلام ويتجاوز بذلك تطرف تنظيم "القاعدة" نفسه الذي كان يتجنب قتالهم.

اقرأ أيضاً: "داعش" في الضاحية الجنوبية: قتلى وفتنة ورسائل أمنية 

تفجيرات تركيا

تعددت التفجيرات في تركيا وكان آخرها هجوم انتحاري مزدوج في أنقرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأسفر عن سقوط 128 قتيلاً و508 جرحى. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث لكن السلطات التركية اتهمت "داعش" بالمسؤولية عن هذا الهجوم الانتحاري. وقبل تفجير أنقرة، وقع تفجير سوروج في 20 يوليو/تموز الماضي، وأدى إلى مقتل 33 شخصاً، ودفع أنقرة إلى بدء حرب ضد الإرهاب، متمثلاً، بحسب رأيها، في حزب "العمال الكردستاني" وتنظيم "داعش".

الطائرة الروسية

وقع الحادث في الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث سقطت طائرة ركاب "إير باص" روسية 321، في سيناء، من على ارتفاع 31 ألف قدم. وذهبت معظم التحليلات الاستخبارية إلى أنها أُسقطت بقنبلة موقوتة وضعت على متنها.

وأعلن تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش" مسؤوليته عن العملية، في بيان أشار فيه إلى إسقاطه "طائرة روسية وهلاك ما يزيد على 220 صليبيّاً روسيّاً كانوا على متنها". ولكن العديد من المحللين شككوا في صحة البيان لأن التنظيم نشر كذلك فيديو شخص يوجه قذيفة لطائرة في الجو، وهو أمر مستحيل عملياً لطائرة تحلق في ارتفاع عال، وتم حذف الفيديو لاحقاً واستبداله بـ تسجيل صوتي على موقع "يوتيوب" تحت عنوان "نحن من أسقطها، فموتوا بغيظكم".

مع العلم أن تنظيم "ولاية سيناء" (أنصار بيت المقدس سابقاً) يحارب الجيش المصري في شبه الجزيرة، منذ ما يزيد عن العامين. وشنّ العديد من الهجمات راح ضحيتها العشرات.

إضافة إلى العراق وسورية، حيث مقرّ عمليات التنظيم، وحيث يحتل مناطق واسعة، ينشط "داعش" أيضاً في كل من اليمن وليبيا. وكان قد تبنى تفجيرات عدن في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي استهدفت فندقاً يقيم فيه رئيس الحكومة المؤقتة خالد بحاح، وهو ما اضطره لمغادرة عدن والعودة إلى الرياض. وجرى تنفيذ العملية بسيارة مفخخة اقتحمت بوابة الفندق وأحدثت انفجاراً خلف وراءه عدداً من القتلى بينهم جنود إماراتيون.

وفي ليبيا، فإن معظم الهجمات التي وقعت في ليبيا، العام الماضي، تبناها التنظيم، وكان أبرزها تلك التي أسقطت ما لا يقل عن 45 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً في ثلاثة انفجارات متزامنة بسيارات مفخخة استهدفت، صباح 20 فبراير/شباط الماضي، مدينة القبة شرق ليبيا، وكان من بين الأهداف منزل رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح عيسى.

وعلى الرغم من أن الهجمات السابقة، ليست في سورية والعراق، لكن جميعها جرى تنفيذها في مناطق تابعة لما يعتبره تنظيم "داعش" جزءاً من أرض الخلافة، وهو أمر مختلف عما جرى في باريس التي يقرّ التنظيم أنها ليست إسلامية. صحيح أن هجمات باريس ليست الأولى من نوعها، بل سبقها اعتداءات "شارلي إيبدو"، غير أنّها المرّة الأولى التي يحسم تنظيم "داعش" تبنيها، فيما جاء تبني "شارلي إيبدو" من تنظيم "القاعدة".

اقرأ أيضاً: فشل فرنسي باستباق الهجمات الإرهابية... ومطالبات بإجراءات أمنية أشد 

المساهمون