القدس العتيقة تحت الحصار: حين تحول دخولها حلماً لسكانها

القدس العتيقة تحت الحصار: حين تحول دخولها حلماً لسكانها

06 أكتوبر 2015
الدخول إلى المدينة بالنسبة للمقدسيين بات رحلة آلام(العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن أمام التاجر المقدسي، عبد دنديس، وهو صاحب محل تجاري في مدخل باب العمود في القدس المحتلة، من خيار سوى أن يبرز مستندات ووثائق تثبت أنه يملك محلاً في البلدة القديمة حتى يمكنه الوصول إليه، علماً أنه يقطن في شارع الواد الشريان الرئيسي للبلدة القديمة، لكن حين طبّق الاحتلال قرار الإغلاق وفرض الحصار على البلدة القديمة كان في زيارة عائلية لشقيقته المقيمة في الخليل جنوبي الضفة الغربية.

بالنسبة للمقدسيين، فإنّ الدخول إلى مدينتهم والصلاة في مساجدها وكنائسها بات رحلة آلام أخرى تذكرهم برحلة آلام المسيح ومعاناته كما يقول المواطن جورج شبيطة، وهو من سكان حارة النصارى في البلدة القديمة. يروي شبيطة لـ "العربي الجديد"، كيف اضطر إلى سلوك طرق عدة داخل أسوار المدينة حتى وصل إلى منزله.
شبيطة ودنديس تجاوزا عقدهما الخامس، وعاشا على مدى سنوات العمر في البلدة القديمة من القدس، ولم يحدث منذ احتلالها أن أغلقت البلدة القديمة وحوصرت ومنع غير سكانها من دخولها.

اقرا أيضاً: تصاعد الغليان الفلسطيني... الخيارات مفتوحة

وبعد أن بات الوصول إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه أمنية لدى كثر من المرابطين والمرابطات، يخشى المقدسيون أن تتحول البلدة القديمة في القدس إلى حلم اشتياق آخر لهم، بعد أن منعت سلطات الاحتلال غير سكانها من الدخول إليها، واقتصر ذلك فقط على المستوطنين والسياح الأجانب.

وألزم جنود الاحتلال قاطني البلدة القديمة بالولوج إليها عبر باب واحد فقط هو باب الأسباط، وحظر على السكان المرور في شارع الواد وحيث تقع منازلهم. وطلب منهم سلوك طريق آخر، عبر سوق خان الزيت وعقبة التوت أو طريق الآلام.
في اليوم الثاني من حصار البلدة القديمة، وكذلك اليوم التاسع على حصار المسجد الأقصى، بدت أبواب القدس مفتوحة ومشرعة للمستوطنين والسياح الأجانب، وعلى الحواجز الحديدية اصطفت أعداد كبيرة من الفلسطينيين تحاول الدخول لكن عبثاً.
كان مشهد منع الفلسطينيين ممتعاً ويثير الغبطة في نفوس عدد من المستوطنين الذين راقهم المشهد، وهم يرون بأم أعينهم كيف يُعامِل جنود الاحتلال أصحاب الأرض على أبواب قدسهم المحاصرة، والتي ارتقى فيها، وتحديداً قريباً من بوابة دمشق أو ما يعرف بباب العمود، الشهيد فادي علون من بلدة العيسوية، بعد أن فرّ من المستوطنين وأعدمه جنود الاحتلال برصاصاتهم.
وبدت مجموعة من السياح الأجانب مندهشة ومستغربة مما يحدث. كان السياح ينظرون إلى فريقين من الناس، الأول يتمتع بكامل الحرية في اجتياز الحواجز، والآخر تزدحم به الطوابير.
بعض هؤلاء السياح بادر إلى توثيق المشهد بالصور وبعضهم تساءل عما يجري، قبل أن يتدخل صاحب محل تجاري هو أيمن السلفيتي، ليشرح لهم كيف يتصرف الإسرائيليون المحتلون في ما يزعمون أنها عاصمة دولتهم الموحدة، قائلاً "نعم هي موحدة بقوتهم البوليسية، وبعنصريتهم التي تمنعنا من الوصول إلى بيوتنا ومحلاتنا التجارية".
عند باب الساهرة تكرر المشهد نفسه. حشد ضخم من جنود الاحتلال وحواجز عسكرية وجموع تصطف تحاول الوصول إلى القدس العتيقة، لكنها ممنوعة. الشاب سري النشاشيبي منع من الوصول إلى الأقصى للصلاة على جثمان عمه الذي توفي قبل ذلك بيوم، وكان من المقرر أن يدفن في مقبرة تتاخم الأقصى، وكاد الاحتلال أن يعتقله بعد مشادة بينه وبين أفراد شرطة إسرائيليين يتحدثون العربية بطلاقة.


أوضاع قابلة للانفجار


كان الإضراب التجاري سيد الموقف في القدس. كما كان الحزن بادياً على وجوه المقدسيين عقب استشهاد فادي علون ومهند حلبي. حزن ممزوج بالغضب الشديد بينما تصبح الأوضاع قابلة الانفجار أكثر من أي وقت مضى.
الشاب عبد أبو صبيح، من سكان شارع الواد، يؤكد أنه لن ينسى ما رآه من تنكيل بجثة الشهيد مهند حلبي، في ما كانت بعض الرضوض تغطي وجهه والصعق بالكهرباء بادياً على يديه بعد تعرضه للضرب الوحشي من قبل أفراد الوحدات الخاصة الذين لم يتركوا عابر سبيل فلسطينيا بعد عملية الطعن التي نفذها الشهيد إلا وانهالوا عليه ضرباً.
من جهته، وقف مهند إسعيد، وهو صاحب محل تجاري في سوق المصرارة في المكان نفسه الذي أعدمت فيه شرطة الاحتلال الشاب فادي علون، قبل أن يعيد روايات آخرين عن لحظات ما قبل الاستشهاد. روايات تحدثوا فيها عن المطاردة الساخنة والمتوحشة للشهيد علون من قبل المستوطنين.

اقرأ أيضاً: قوات الاحتلال تقتحم الأقصى ومواجهات بالضفة المحتلة

استياء من التجاهل

الشعور السائد لدى السواد الأعظم من سكان المدينة الفلسطينيين، هو أن "العالم كله تخلى عنهم، وليس قادراً على تأمين الحد الأدنى من الحماية لهم"، بحسب ما يقول المواطن وائل الرشق، والذي انضم إليه في هذا الرأي ابن عمه عامر، وكذلك عدد من تجار البلدة القديمة، ممن افترشوا منطقة الحاجز المقام على مدخل باب العمود.
الشعور بالغضب يسود أيضاً حيال ما يقول المقدسيون إنه عجز من السلطة الفلسطينية عن حمايتهم. يقول أحدهم باستياء، وقد فضل عدم ذكر اسمه، "كيف تحمينا وهي لا تزال تتغنى بالتنسيق الأمني، لا تهمنا تصريحات (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس و(أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب) عريقات، ما يهمنا هو ماذا باستطاعتهم أن يقدموا لأهالي القدس، فليوقفوا التنسيق على الأقل".
أما حركة "فتح"، وهي فصيل فاعل وناشط على نطاق واسع في المدينة ويقود أبناؤها ومؤيدوها المواجهة اليومية مع الاحتلال، فترى أنها قادرة على المواجهة والتصدي للاحتلال وإفشال مخططاته.
يؤكد أمين سر الحركة في القدس، عدنان غيث، أنّ "حركته لن تسمح باستمرار الاعتداءات على المواطنين المقدسيين من قبل المستوطنين وجنود الاحتلال"، فيما بات عناصرها أكثر قناعة بأن المفاوضات ليست البديل الوحيد في التعامل مع الاحتلال. يقول أحد النشطاء، الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ(ث.ف)، لـ"العربي الجديد" "لا بد من تفعيل كل وسائل المقاومة الشعبية، عدونا لا يفهم سوى لغة القوة".

اقرأ أيضاً: حلبي وعلون... شهيدان على درب الانتفاضة

المساهمون