الحماية الدولية للفلسطينيين... تجارب وتعقيدات

الحماية الدولية للفلسطينيين... تجارب وتعقيدات

25 أكتوبر 2015
مطلب الحماية الدولية من الاحتلال قابل للتنفيذ(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
ترتفع وتيرة الدعوات الفلسطينية لتقديم حماية دولية للشعب الفلسطيني استناداً إلى تجارب دولية أثبتت نجاحها بالرغم من التعقيدات التي رافقتها. ففي غضون الأسابيع الأخيرة، طالب ثلاثة ساسة فلسطينيين، من على منابر الأمم المتحدة في نيويورك، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، المجتمع الدولي بتقديم الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967. هؤلاء كانوا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أمام الجمعية العامة في اجتماعها الأخير أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وكل من وزير الخارجية رياض المالكي وسفير فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، في كلمات قدمها كل منهما أمام مجلس الأمن في اجتماعات مختلفة.

لا يعد حديث الفلسطينيين عن الحاجة إلى حماية دولية في الآونة الأخيرة أمراً غير مسبوق، إذ كان عباس قد قدم طلباً رسمياً للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بهذا الشأن خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة العام الماضي.
لكن الأمين العام للأمم المتحدة لم يقدم حتى الآن أي توصيات في هذا الشأن لمجلس الأمن، وهو ما دفع السفير الروسي للأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، خلال جلسة مجلس الأمن الطارئة حول فلسطين بداية الأسبوع الحالي، إلى مطالبة بان بتقديم تقريره للمجلس وتوصياته في هذا الشأن كي يكون الطلب الفلسطيني موضع نقاش.

اقرأ أيضاً: نقاش "تدويل الأقصى"...حماية الفلسطينيين والعودة إلى ما قبل 2000 

لم يقدم الجانب الفلسطيني في تصريحاته في نيويورك تصورات واضحة لشكل الحماية الدولية المطلوبة وتفاصيلها، إلا أنه، من الناحية النظرية، من المفترض أن تتضمن أي حماية الوجود المدني/ الإداري، إضافة إلى الوجود العسكري عبر قوات شرطة دولية تمنع وتراقب التجاوزات العسكرية، وتحمي الفلسطينيين وأراضيهم. كما تعمل هذه الحماية على منع قوات الاحتلال من التصرف بالموارد الطبيعية كالمياه ومصادرة الأراضي، وضمها إلى المستوطنات وغيرها من الخطوات والمهام التي تأتي مع حماية من هذا القبيل.

وتهدف الحماية الدولية عادة إلى إدارة شؤون البلد لمرحلة انتقالية تؤدي في ما بعد إلى تسليمه زمام الأمور وتمكينه من الاستقلال. وتفيد تجارب في بقع عدة من العالم كتيمور الشرقية وكوسوفو والبوسنة، وغيرها أن هذه الإمكانية موجودة وقابلة للتنفيذ، إذا اجتمعت الإرادة الدولية أولاً والمحلية ثانياً، الكافية لتحقيق ذلك من قبل جميع الأطراف المعنية.
على سبيل المثال، حصلت تيمور الشرقية على استقلالها في أيار/مايو العام 2002، بعد قرون من الاستعمار وعقود من الاحتلال والقتال، أودت بحياة مئات الآلاف من سكانها.
كانت إندونيسيا قد احتلت تيمور الشرقية عقب أشهر قليلة من انتهاء الاستعمار البرتغالي فيها؛ والذي استمر من وسط القرن السادس عشر إلى العام 1975. وضمت إندونيسيا في حينه تيمور الشرقية لأراضيها، وعاش سكان تلك البلاد 27 عاماً من الاحتلال الذي جاء معه الدمار والقتل والأمراض والحروب الداخلية، تركت خلفها حوالى 200 ألف قتيل، أي ما يعادل ربع سكان البلد الصغير آنذاك، في غضون ثلاثة عقود تقريباً.
وبعد ضغوط دولية بما فيها أميركية، ولأسباب عدة منها العدد الهائل للضحايا، وافقت إندونيسيا على إجراء استفتاء لتقرير المصير، اختار أغلب سكان تيمور الشرقية بموجبه في عام 1999 الاستقلال عن إندونيسيا. وبموجب قرارات لمجلس الأمن وتفويض منه، تولت قوات دولية عسكرية بقيادة أستراليا إدارة شؤون البلاد، إضافة إلى بعثة الإدارة الانتقالية التابعة للأمم المتحدة. وبعد سنة استبدلت القوات الدولية بقيادة أسترالية بقوة من الشرطة الدولية. استمر الحكم الانتقالي لبعثة الإدارة الانتقالية لثلاث سنوات، أثبتت نجاعتها. كما تشكلت قوة للتحقيق بالجرائم والفظائع المزعومة التي شهدتها البلاد.

وإلى جانب تيمور الشرقية، تبرز أيضاً تجربة كوسوفو. في عام 1999، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1244، الذي يكلّف الأمين العام للأمم المتحدة بإنشاء وجود مدني دولي في كوسوفو، عرف تحت اسم "بعثة الإدارة الانتقالية في كوسوفو". كانت بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو غير مسبوقة من ناحية تعقيد مهامها والمجالات التي قامت بإدارتها، إذ قام مجلس الأمن بتخويلها بسلطة على إقليم وشعب كوسوفو، وما يتضمن ذلك من سلطات تشريعية وتنفيذية وإدارة القضاء.
وجاء قرار إنشاء البعثة الدولية عقب انسحاب منظمة حلف شمال الأطلسي من كوسوفو، بعدما ارتكبت السلطات الصربية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق الألبانيين، بما في ذلك عمليات ترحيل جماعي لألبان كوسوفو.
تمكنت البعثة الدولية، بمساعدة الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إضافة إلى مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، من إنشاء ودعم مؤسسات حكم ذاتي في كوسوفو. وعلى الرغم من أن الوضع في كوسوفو لم يحلّ بشكل نهائي لأسباب عدة، من بينها رفض صربيا الاعتراف باستقلال كوسوفو، الذي أعلنته في عام 2008، لاعتبارها كجزء من أراضي صربيا غير قابلة للتصرف، إلا أن التقدم الذي أحرز لا يستهان به. وبموجب إعلان كوسوفو استقلالها، أجرت بعثة الأمم المتحدة تعديلات مختلفة على مهامها وأعيد تشكليها. وفي العام 2010، فأصدرت محكمة العدل الدولية حكماً يقضي بأن اعلان كوسوفو استقلالها لا ينتهك القانون الدولي.

أما في ما يتعلق بفلسطين نفسها، أصدر مجلس الأمن الدولي في شهر مارس/آذار للعام 1994 القرار رقم 904، الذي مهّد إلى إرسال قوات مراقبة دولية إلى الخليل، بعد أن تضمن في أحد بنوده الدعوة "إلى اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة تشمل، في جملة الأمور، توفير وجود دولي أو أجنبي مؤقت؛ وهو الأمر المنصوص عليه في اعلان المبادئ S/26560) وذلك في سياق عملية السلام الجارية".
جاء القرار بعد حوالي الشهر من وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي في رمضان من العام نفسه، والتي قتل فيها أكثر من 50 فلسطينياً داخل الحرم وجرح المئات. كما نص القرار يومها على الطلب "من إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، مواصلة اتخاذ وتنفيذ تدابير من بينها مصادرة الأسلحة بهدف منع أعمال العنف غير المشروع من جانب المستوطنين الإسرائيليين".
في هذا السياق اتفق ممثلون عن منظمة التحرير الفلسطينية وسلطة الاحتلال حول إنشاء مهمة "تواجد دولي مؤقت في الخليل" (TIPH) وهي اختصار لـ" Temporary International Presence in Hebron"
باشر المراقبون مهامهم في شهر مايو/أيار لنفس العام وكانوا من الدنمارك وإيطاليا والنرويج، إلا أنهم انسحبوا بعد ثلاثة أشهر. عادت البعثة من جديد في العام 1997، بعد توقيع اتفاقية "أوسلو 2"، حيث وقع الاتفاق حول التواجد الدولي المؤقت في المدينة. وهذه المرة أوكلت مهمة تشكيل اللجنة لست دول؛ وهي إيطاليا والدنمارك والسويد وسويسرا وتركيا والنرويج، ويتم التجديد لها كل ستة أشهر.

لكن هذه البعثة التي بالكاد يسمع أحد عن أي نتائج لعملها، كتبت بحسب أرقامها الرسمية، أكثر من 20 ألف تقرير منذ عام 1997، حول خروقات حقوق الإنسان وتوثيق الأحداث اليومية من خلال دوريات المراقبة، وكذلك ما يتم الشكوى منه من قبل السكان في الخليل. لكن التقارير التي تكتب، وعلى الرغم من أهميتها، لا تنشر لأن نشرها محظور ويتم فقط مشاركتها مع كل من الجانب الفلسطيني، المتمثل بالسلطة والجانب الإسرائيلي والدول الست المشاركة في البعثة.
أما مع تجدد الحديث عن طلب حماية دولية للفلسطينيين، فإنه يتعين أولاً أن يحدد الطرف الفلسطيني، الممثل هنا بالسلطة، رؤية واضحة لحيثيات مطالبه.
كما تطرح تساؤلات عدة حيال إمكانية المضي في اعتماد الحماية الدولية من قبل المجتمع الدولي، وتحديداً إلى أي مدى يمكن تنفيذ الخطوة الأولى وهي اصدار قرار في مجلس الأمن بهذا الشأن. ومن بين التساؤلات أيضاً كيف لمجلس الأمن أن يصدر قراراً يرسل بموجبه قوات حماية وإدارة مدنية في وقت لا يستطيع فيه أن يصدر بياناً صحافياً لشجب ممارسات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين أو حتى ممارسات المستوطنين.
وعلى الرغم من هذه التعقيدات، إلا أن الانتفاضة التي تشهدها فلسطين حالياً، إضافة إلى حركات المقاطعة العالمية المتعددة المجالات (الفنية والأكاديمية والاقتصادية)، قد تشكل مجتمعة، مع دعم دولي شعبي، سبباً يجعل السلطات الإسرائيلية مجبرة على الخضوع والاستجابة لطلب من هذا القبيل والموافقة على تواجد قوات دولية وحكم انتقالي على الأراضي المحتلة عام 1967 تحت إدارة دولية.
وهنا تحديداً يبقى حديث السلطة الفلسطينية عن توفير الحماية حديثاً ناقصاً، ليس فقط لأنه يفتقد إلى خطة من أجل توفير الظروف لاستخراج قرار من مجلس الأمن لدعمها، بل لأن السلطة لا تتحدث عن حماية جميع أبناء الشعب الفلسطيني، بل فقط الذين يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1967، أي تستثني اللاجئين في المنفى ودول الشتات والفلسطينيين في الأراضي المحتلة في العام 1948. وهو ما يجعل أحد مخاطر إرسال قوة دولية يكمن في أن تؤدي هذه القوة لترسيخ قوة الاحتلال، عن غير قصد أو بقصد، وبطريقة ما ترسيخ وحماية سلطة السلطة الفلسطينية بدلاً من حماية الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: "الحماية الدولية"... مطلب فلسطيني ومماطلة دولية