ورشة تركيّة للتخلص من التبعية لـ"الأطلسي" في الدفاع الجوّي

ورشة تركيّة للتخلص من التبعية لـ"الأطلسي" في الدفاع الجوّي

19 أكتوبر 2015
بطارية باتريوت الأميركية في غازي عنتاب (بولينت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
يعود الحديث عن قدرات تركيا الدفاعية ضد الصواريخ مرة أخرى، في ظلّ عودة أجواء الحرب الباردة، إثر التدخل الروسي في الحرب السورية، وما رافقه من اختراقات متعددة للأجواء التركية من قبل الطائرات الروسية، وما تتعرض له الطائرات التركية من مضايقات من منظومة صواريخ إس 300، التي يبدو، أنّ الروس وضعوها لحماية قاعدتهم الجوية التي تم العمل عليها في مطار حميميم في مدينة اللاذقية. ويأتي ذلك، بعدما أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا، أنهما ستقومان بسحب بطاريات باتريوت التابعة لهما، العاملة في الأراضي التركية، في وقت سابق من العام الحالي، لانتفاء الخطر.

في هذا السياق، يؤكد الضابط السابق، الأستاذ في الكلية الحربية التركية، مسعود حقي جاشن، لـ"العربي الجديد"، أنّ صواريخ سكود أظهرت تفوّقاً مهماً للدول المحيطة بتركيا، والتي كانت محسوبة على الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة، موضحاً أنّ "مدى فعالية صواريخ سكود التي أنتجها الاتحاد السوفياتي، لم يكن مداها يتجاوز الـ300 كيلومتر، لكن قامت بعض دول الكتلة الشرقية، مثل كوريا الشمالية بتطوير نماذج أخرى للصاروخ، وباعت منها إلى كل من سورية وإيران، إذ تمتلك سورية صواريخ سكود يبلغ مداها 500 كيلومتر. كما استطاعت إيران تطوير صواريخ سكود يصل مداها إلى 2500 كيلومتر". ويضيف جاشن أن "الصواريخ السورية قادرة على إصابة أهداف في جزء كبير من الأراضي التركية، بما فيها العاصمة أنقرة. أما الصواريخ الإيرانية، فتستطيع ضرب أهداف على كامل الأراضي التركية".

وفي مواجهة هذه التهديدات، تبقى تركيا من دون أي نظام دفاع ضد الصواريخ، وتعتمد بشكل كامل على حلف شمال الأطلسي لتأمين أراضيها، عبر منظومة صواريخ باتريوت التي طوّرها الأميركيون لمواجهة صواريخ سكود، والتي تستطيع أن تضرب هدفها في محيط يتراوح بين 20 و80 كيلومتراً. ويلفت حقي جاشن إلى أن صواريخ الباتريوت "لا تؤمن حماية كاملة ضد صواريخ سكود، الأمر الذي أثبتته تجارب كل من حرب الخليج 1991، وغزو العراق عام 2003".

ويعتبر جاشن أنّ "تركيا تقع تحت رحمة الأطلسي، لتأمين أراضيها ضد التهديدات الصاروخية، إذ قام الحلف بإرسال بطاريات باتريوت إلى تركيا مرتين؛ الأولى في حرب الخليج 1991، والثانية عام 2013. لكن تأخُّر قدوم بطاريات الباتريوت إلى تركيا في حرب الخليج 1991، تلاه عدم إرسال الحلف بطاريات الباتريوت لحماية تركيا، لرفضها الغزو الأميركي عام 2003، وأخيراً، سحب كل من ألمانيا والولايات المتحدة لبطاريات باتريوت في جنوب البلاد، كلّها أدلّة تشير إلى أنّ تركيا قد تبقى وحيدة في أي وقت في مواجهة التهديدات الصاروخية، على الرغم من الحديث الآن، عن إمكانية استبدال البطاريات الألمانية والأميركية ببطاريات فرنسية وإيطالية".

لكن تركيا استبقت كل هذه التطورات، وقرّرت عام 2006، صناعة نظام الدفاع الصاروخي الخاص بها، إلّا أنّ العملية تجري ببطء، على الرغم من انطلاقها عام 2008. وحصلت الشركات الدفاعية التركية على المناقصة، بعدما وقّعت كل من شركة أصلسان وروكيتسان العقد مع الحكومة في شهر يونيو/حزيران 2011، لإنتاج الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وكانت التجربة الأولى، في يوليو/تموز 2014، للنموذج الأوّل، في ولاية أكساراي التركية، إذ تستطيع المنظومة التركية ضرب أهداف مختلفة، كالطائرات والحوّامات والصواريخ والطائرات من دون طيار وصواريخ جو ــ أرض على ارتفاع يصل إلى 10 آلاف متر. وتمت تجربة صواريخ قصيرة المدى عام 2013، في منطقة بحيرة توزلو، التي يبلغ مداها 10 كيلومترات، ويصل ارتفاعها إلى 5 آلاف متر.

اقرأ أيضاً روسيا تركيا الأطلسي: هل تعيد سورية زمن الحرب؟

وعلى الرغم من هذه المشاريع الصاروخية التركية، فإنها تبقى غير قادرة على مواجهة الصواريخ البالستية، ما دفع تركيا إلى فتح مناقصة عام 2013، لإنتاج نظام دفاع صاروخي ضد الصواريخ البالستية، مشترطة أن يُصنّع 50 في المائة منه في الأراضي التركية، مع نقل التكنولوجيا. وتقدّمت شركات عدّة للحصول على المناقصة، ومنها الأميركية بنظام باتريوت، والروسية لتصنيع منظومة أس 300-400، وشركة يوروسام الإيطالية الفرنسية بمنظومة سامب تي، لكن شركة CPMIEC الصينية، هي التي نجحت في الحصول على المناقصة، لرخص الأسعار المقدّمة والموافقة على الشروط التركية.

أثارت المناقصة التركية، غضباً واسعاً لدى حلفائها في "الأطلسي"، وتحديداً واشنطن، التي تضع الشركة الصينية على قائمة الشركات المعاقبة، لقيامها ببيع أسلحة لإيران، لتتوقف العملية وتلغى المناقصة بعد تأكيد الحلف أنّه لن يكون هناك أي إمكانية لدمج المنظومة الصينية بمنظومته، خوفاً على سرّيتها، وبذلك بقيت تركيا تحت خطر تهديدات الصواريخ السورية والإيرانية.

الصواريخ السورية

تتميز القدرات الصاروخية السورية سواء أرض أرض أو أرض جو، باعتبارها منظومة سوفياتية بالكامل. وقد خضعت للعديد من التطويرات، حتى بعد الحرب الباردة. ومع اندلاع الحرب السورية، أصبحت هذه المنظومة تتمتع بواحدة من أقوى منظومات الدفاع الجوي الموجودة في الشرق الأوسط.

وبحسب التقارير التي قدّمها المحلّل العسكري الأميركي، سيان أوكونور، خريج الكلية العسكرية الأميركية، والذي عمل فترات طويلة مع المخابرات الأميركية في الشرق الأوسط، فإنه ولغاية العام 2014، لا تزال سورية تتمتع بواحدة من أقوى أنظمة صواريخ أرض جو في المنطقة. ووفقاً لتقرير نشره موقع "غلوبال سيكيوريتي"، فإن نظام الدفاع الجوي السوري، يعتمد على 22 رادار إنذار مبكر موزّعة على الجغرافية السورية، إضافة إلى الصواريخ التي تتمركز في كل من حمص ودمشق والساحل والحدود السورية مع الجولان، والتي تتكوّن من 131 بطارية صواريخ. وعلى الرغم من أنّ جزءاً كبيراً من هذه المنظومة قديم وغير قادر على مواجهة التهديدات الحديثة، فإنه لا يزال قادراً على توجيه ضربات إلى داخل أراضي الدول المجاورة، ومنها تركيا والأردن، بحسب ما ذكر الموقع.

ويمتلك النظام السوري كلا من المنظومات التالية؛ S75، التي يبلغ مداها 45 كيلومتراً، وتصل إلى ارتفاع 25 ألف متر، وتتمركز هذه الصواريخ بجزء كبير منها، في محافظة اللاذقية. أمّا S125، فتتميز بقدرتها على ضرب أربعة أهداف في الوقت عينه، ومن البطارية ذاتها. ويبلغ مداها 14 كيلومتراً، ونسبة الخطأ منخفضة جداً، وبقدرات أعلى على المناورة، إذ لا تشكّل هذه الصواريخ أي تهديد على تركيا.

اقرأ أيضاً: أردوغان يحذّر روسيا من إمكانية خسارتها لصداقة تركيا

S200، تعتبر من أكثر الصواريخ تطوراً التي أنتجها الاتحاد السوفياتي، وتستطيع أيضاً ضرب أربعة أهداف في الوقت ذاته، ويصل مداها إلى 400 كيلومترا، أما الارتفاع، فيصل إلى 40 ألف متر، ونسبة الخطأ أقل من 1 في المائة. ويتمركز جزء كبير منها على الحدود الإسرائيلية، لكن يوجد بعض البطاريات في محافظة حماة، والتي تستطيع أن تصيب أهدافاً في جنوب الأناضول وشرقه، بدءا من ولاية ملاطيا مروراً بقايسري، وصولاً إلى حدود ولاية أنطاليا غرباً، وولاية ماردين شرقاً.

K122، تستطيع رادات هذه المنظومة رصد أهداف بدائرة نصف قطرها 50 كيلومتراً. لكن هذه الصواريخ محدودة المدى، ولا تتجاوز الـ24 كيلومتراً، وتوجد بشكل أكبر في المناطق القريبة من الجولان المحتل ولبنان. أمّا سكود، فقد حصلت سورية على صواريخ سكود بي، التي يبلغ مداها 320 كيلومتراً عام 1974 من الاتحاد السوفياتي، الذي نقل هذه التكنولوجيا إلى سورية، والتي تشير التقارير إلى أنها قادرة على تصنيع صواريخها الخاصة. وحتى بدء الحرب، كانت تمتلك سورية أكثر من 200 صاروخ من هذا النوع، وبعضها قادر على حمل رؤوس كيماوية. وإلى جانب ذلك، حصلت سورية على صواريخ سكود سي، التي يبلغ مداها 600 كيلومتر من كوريا الشمالية. وتستطيع هذه المنظومة إصابة أهداف في العاصمة التركية أنقرة بسهولة.

الصواريخ الإيرانية

بحسب معهد السلم الأميركي، فإن إيران تمتلك أكبر عدد من الصواريخ البالستية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنّ إسرائيل تمتلك صواريخ بالستية أكثر قوة وأبعد مدى، لكنها لا تمتلك التشكيلة والعدد الذي تمتلكه طهران. وبعدما كانت إيران في عهد الشاه صاحبة أكبر وأقوى سلاح جو في المنطقة، فإنه وبعد إعلان الدولة الإسلامية عام 1979، تراجعت قوة إيران الجوية بسبب نقص قطع الغيار ونقص التكنولوجيا والعقوبات، لتقوم بتطوير منظومتها الصاروخية الخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية، معتمدة على نظام صواريخ سكود الذي حصلت عليه من الاتحاد السوفياتي واستخدمته للمرّة الأولى، في حربها ضد العراق عام 1985.

وتمتلك إيران، صاروخ شهاب 1، الذي تم تطويره من صاروخ سكود بي السوفياتي، ويصل مداه إلى 300 كيلومتر. وشهاب 2، الذي تم تطويره من منظومة سكود سي، ويصل مداه إلى 500 كيلومتر. وتشير التقديرات إلى أن إيران تمتلك ما يقارب 300 صاروخ من كل من شهاب 1 وشهاب 2.

أمّا شهاب 3، فقد تمّ تطويره من منظومة صواريخ نو دونغ الكورية الشمالية، والذي يصل مداه إلى ألفي كيلومتر، ويستطيع حمل رأس يبلغ وزنه 800 كيلوغرام، بالإضافة إلى صاروخ غادر الذي تم تطويره من صاروخ شهاب 3، بعد رفع قدراته على المناورة.

أمّا سجيل، فيتمتع بالقدرة على استخدامه خلال دقائق، ويعتبر الصاروخ الإيراني المصنّع محلياً بالكامل، ويبلغ مداه ألفي كيلومتر، وتم اختباره للمرة الأولى عام 2008، كما تم تطوير نسخة أخرى منه، وهو سجيل 2، الذي تم اختباره عام 2009. ودخل فجر 3 الخدمة عام 2006، ويصل مداه أيضاً إلى 2000 كيلومتر، وتم تطوير نسخة أخرى منه لكن بمدى أقصر، ويمتلك منها كل من حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية "حماس".

اقرأ أيضاً: هل يبقى الاقتصاد بمنأى عن التوترات بين موسكو وأنقرة؟