الجيش الأفغاني وتحديات النهوض بعد الدمار

الجيش الأفغاني وتحديات النهوض بعد الدمار

17 أكتوبر 2015
الجيش الأفغاني يفتقر إلى سلاح الجو (هارون صاباوون/الأناضول)
+ الخط -
بعدما كانت الإدارة الأميركية تروج للانسحاب الكامل من أفغانستان، وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه، أول من أمس، مجبراً على الإعلان عن التراجع عن القيام بهذه الخطوة، كاشفاً أنّ الالاف من الجنود الأميركيين لن يغادروا أفغانستان إلى ما بعد العام 2016. أما سبب هذا القرار فعزاه إلى أن هذا "التواجد ضروري لمساعدة القوات الأفغانية التي لا تزال ضعيفة"، في الوقت الذي تتهم فيه الولايات المتحدة بالتباطؤ في تقديم الدعم اللازم له لتطويره طوال السنوات الماضية.
وعلى الرغم من أن الجيش الأفغاني كان أحد الجيوش القوية في المنطقة فيما مضى، من حيث العنصر البشري والعتاد، لكن تحديات عدة تحول دون استعادته قوته. مع الغزو السوفياتي للبلاد أولاً، ثم مع وصول المجاهدين إلى الحكم ثانياً، أُبيدت قوة هذا الجيش بالكامل، وأصبحت أفغانستان في يد أمراء الحرب والمليشيات، إلى أن وصلت حركة "طالبان" إلى الحكم. عندها قضت الحركة على المليشيات وأمراء الحرب ليحل محلها المقاتلون من داخل البلاد وخارجها.

اقرأ أيضاً: الجيش الأفغاني يصد هجوماً كبيراً لـ"طالبان"

بعد سقوط حكومة "طالبان" في عام 2001، قام الرئيس الأفغاني حامد قرضاي، بتأسيس جيش مستقل للبلاد، ووعد المجتمع الدولي والدول المشاركة في الحلف الدولي الذي أطاح "طالبان"، عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بتجهيز الجيش الأفغاني وتدريبه. 

لم يكن التدريب هو الحاجة الأساسية لجنود الجيش، كونهم عاشوا عشرات السنين في جو من الحرب، إلا أن تجهيزه كان النقطة الأساسية التي تباطأ فيها المجتمع الدولي، وفي المقدّمة الولايات المتحدة، التي تترأس الحلف المناوئ للإرهاب، وتجمعها مع أفغانستان اتفاقية استراتيجية تنص على تقديم واشنطن جميع أنواع الدعم للجيش الأفغاني.

عند انسحاب القوات الدولية من أفغانستان نهاية العام الماضي، كانت أنظار العالم عامة، وأنظار الأفغان خصوصاً، ترتكز على تعامل الجيش مع المعضلة الأمنية، إذ إن مستقبل البلاد كان مرهوناً بأدائه. وبينما توقع البعض انهياره، على غرار ما حصل في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية منها، فإن الجيش كان يشدّد على أنه على الأهبة الكاملة لتحمل المسؤولية، والحفاظ على النظام الذي جاء بعد حملة عسكرية دولية في البلاد استمرت لنحو ثلاثة عشر عاماً. 

تولى الرئيس الأفغاني محمد أشرف غني زمام الحكم في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، ووعد في خطابه الأول بالتعامل مع الملف الأمني، وكان تجهيز الجيش من أهم وأصعب المهام التي تنتظره. وكان غني يعرف جيداً مدى قدرة الجيش لمجابهة زحف "طالبان"، إذ إنه كان مشرفاً على مراحل عملية نقل المسؤولية العسكرية من القوات الدولية إلى القوات الأفغانية. وشدّد الرئيس آنذاك على أنّ العام 2015 الجاري يشكّل فترة مفصلية لأفغانستان، وأنّ الوضع الأمني قد يتدهور خلافاً لما تتوقعه أفغانستان وحلفاؤها. وهو ما حصل فعلاً خلال الأشهر الماضية، وحادث قندوز الأخير خير دليل على ذلك. 

افتقار الجيش لسلاح الجوّ

الجيش الأفغاني، الذي يخوض معارك مع "طالبان" والجماعات المسلّحة في جنوب البلاد وشمالها، كان ولا يزال يواجه تحديات جمة، عملت الحكومة خلال العام الماضي على إيجاد حلول لبعض تلك التحديات وفي مقدّمتها افتقاره إلى سلاح الجو، الذي لم تعمل القوات الدولية على تطويره كما ينبغي طيلة الفترة الماضية. بالإضافة إلى عدم وجود التنسيق بين الجيش الأفغاني والمؤسسات الأمنية الأخرى كجهاز الاستخبارات ووزارة الداخلية، علاوة على ثغرات أخرى كالهجمات الداخلية ونفوذ "طالبان" والجماعات المسلحة الموالية لها داخل صفوف الجيش. 

وكان الرئيس الأفغاني قد أشار إلى هذه التحديات وغيرها في خطاب له أمام جمع من علماء الدين وشيوخ القبائل في اليوم الثالث من عيد الأضحى قائلاً "قلت لكم قبل عام إن جيشنا يواجه تحديات كبيرة وإن العام الجاري هو الفترة المفصلية، وقلت وقتئذ إن الحرب قد تتمدد إلى العديد من الأقاليم، لذا ركزنا كثيراً على أداء الجيش وما يحتاج إليه خلال العام الماضي".

وأشاد الرئيس بأداء الجيش رغم هشاشة إمكانياته، وأضاف أنه أثبت على حد قوله، قدرته على الحافظ على سيادة الوطن وأمن الدولة، وأن العام الأول من حكومته ركز على تطوير مهارات الجيش، وخلق جو ملائم فيه لمواجهة التحديات الأمنية المتعاظمة.

اهتمام الحكومة

وأول ما فعلته الحكومة إزاء الجيش كان دفع الرواتب إلى أفراده وفي الوقت المحدد لها، وإنشاء مستشفيات خاصة لهم. كما أعلنت عن مكافآت مالية بين حين وآخر للمتميزين من ضباط وأفراد الجيش. على سبيل المثال، قدم الرئيس الأفغاني مفاتيح منزل سكني للطيار قلندر شاه قلندر، بعدما كبد المسلحين خسائر فادحة، وتصدى لهجوم كبير لهم في إقليم غور، غربي البلاد. 

وساهم اهتمام الحكومة بالجيش الأفغاني بارتفاع عدد المقبلين بنسبة تسعة في المائة، بحسب الإحصائيات الرسمية. كما ارتفع عدد المتقدمين للجيش في إقليم قندهار، معقل "طالبان" بنسبة 13 في المائة خلال العام الجاري، بينما كان إقليم قندهار أقل الأقاليم مشاركة في الجيش خلال حكومة قرضاي. 

ومن أجل خلق جو من التنسيق والتعاون بين الجيش الأفغاني والاستخبارات والداخلية، بغرض الاستجابة الفورية لحالة الطوارئ، تم تأسيس مركز كارنيوزن للجيش في العاصمة الأفغانية كابول. ويعمل المركز على تأهيل المسؤولين في الجيش والاستخبارات والشرطة، لمراقبة الوضع على مستوى البلاد، والتجاوب مع المستجدات الأمنية. 

من جهة ثانية، وضع الجيش شروطاً صعبة للالتحاق به، هدفها الحدّ من نفوذ "طالبان" داخل صفوفه، وبالتالي وضع حد للهجمات الداخلية التي ينفذها مؤيدو الحركة من الجنود. وساهمت هذه الخطوة في خفض عدد تلك الهجمات، رغم أنها لم تقض عليها نهائياً بعد. 

تجهيز الجيش

كما حاولت الحكومة الأفغانية الحصول على دعم لوجستي للجيش من أكثر من دولة من دول المنطقة، وفي المقدّمة روسيا وتركيا والصين والهند، بعدما كانت الحكومة السابقة ترتكز في الأساس على دعم الولايات المتحدة أو الهند. 

وقد وعدت تلك الدول بتقديم الدعم، وقدمت بعض المساندة في العتاد للجيش الأفغاني. وفي هذا الشأن، يقول أحد ضباط الجيش وهو العميد محمد عارف لـ"العربي الجديد": "حصل الجيش على تجهيزات ومعدات عسكرية مهمة في الآونة الأخيرة، بعدما كنا نعاني من قلة شديدة في العتاد والأجهزة. والأحوال الآن قد تغيرت بفضل الجهود التي بذلت".

وما زالت الحكومة تسعى لإيجاد حلول وطرق لما يحتاج إليه الجيش الأفغاني من العتاد من خلال إبرام صفقات مع دول المنطقة كروسيا والهند وتركيا، ولكنها في الوقت نفسه تعمل جاهدة للحصول على ما قطعته القوات الدولية والأميركية العاملة في أفغانستان من الوعود إزاء تجهيز الجيش الأفغاني. وقررت الولايات المتحدة أخيراً، وبعد نقاشات طويلة دارت بين كابول وواشنطن، تسليم 55 مدرعة مهاجمة للجيش الأفغاني في منتصف العام المقبل. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي أنها عقدت صفقة مع شركة أميركية بهذا  الشأن، مؤكدة أن قيمة هذه المدرعات تصل إلى 56 مليون دولار أميركي.

وفي ظل افتقاره للتجهيز والإعداد، كان الجيش الأفغاني بحاجة إلى القضاء على الفساد المالي والإداري، إذ كان أمراء الحرب يستولون على معظم المناصب المهمة. وكان الرئيس الأفغاني منذ توليه المنصب قد أجرى تغييرات كثيرة في الجيش، بعدما كانت المناصب المهمة والترفيعات العسكرية في الجيش توزع مقابل المال. لكن في الأشهر الأخيرة، تغيرت الأحوال ولو نسبياً، إذ أكد الرئيس الأفغاني أكثر من مرة، ومن خلال اجتماعات ضباط الجيش، أن زمن توزيع المهام على أساس ومعايير سوى الأداء قد ولى. وتكللت جهود الحكومة إلى حد ما بالنجاح في هذا الشأن، كما يقول عارف.

في المقابل، ورغم افتقار الجيش لسلاح الجو، فقد أحرز بعض التطور بجهود فردية، بحيث عمل على تركيب السلاح على مروحيات النقل الروسية من طراز إيم أي 17 العام الماضي، وقام باستخدامها ضد المسلحين في المناطق الجبلية، كجبال إقليم كنر وغيرها. بعد ذلك حصل الجيش على مروحيات قتالية من إيم دي530 وإيم أي 17 ليستخدمها ضدّ المسلحين، في جنوب البلاد وشمالها، وهي تلعب دورًا كبيراً في المعارك مع المسلحين، الأمر الذي اعترفت به القوات الدولية والأميركية.

كما ينتظر الجيش الأفغاني أن يتسلم من حلف شمال الأطلسي 20 طائرة حربية من طراز أي 29 سوبر، ما يعزز سلاح الجو الأفغاني، لأن معظم الطائرات الموجودة عنده لأغراض النقل.

وتشير الإحصائيات إلى أن الجيش الأفغاني يخسر كل أسبوع نحو 100 من جنوده خلال المعارك مع المسلحين، وأن تطوير سلاح الجو يساهم إلى حد كبير في الحد من الخسائر البشرية في صفوفه.

اقرأ أيضاً: سقوط قندوز بيد طالبان: ضرب للنفوذ الصيني بالشمال الأفغاني؟

المساهمون