قضية الشورابي والقطاري للضغط على تونس

قضية الشورابي والقطاري للضغط على تونس

10 يناير 2015
حالة من الغضب إثر أنباء عن إعدام الصحافيين(فرانس برس)
+ الخط -

عاش التونسيون حالة ارتباك شديدة إثر رواج خبر إعدام الصحافيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري على يد خاطفيهما في ليبيا. فالخبر ورد بصيغة ملتبسة، لا توحي بالجزم والقطع، ولكنها جاءت مباغتة وتوحي بإمكانية تصديق احتمال تصفية الصحافيين اللذين فُقدا منذ أربعة أشهر.

فقد تبين بعد ليلة سادها الغموض، أن الخبر لا يزال أقرب إلى الخدعة والمناورة، أكثر من كونه حقيقة مؤكدة، وظهر ذلك خصوصاً بعد أن قام الموقع غير المعروف الذي نشر الخبر بدعمه بصورة جثتين تبيّن أنها لشخصين قُتلا في سورية قبل سنتين، وهو ما كشف عن وجود جهة مجهولة كانت تقف وراء هذه المناورة، يصعب حالياً تحديد هويتها، لكن يمكن التساؤل حول هدفها وعن أسباب التوقيت الذي اختارته للقيام بذلك.

عندما تم اقتحام مبنى صحيفة "شارلي إيبدو" في باريس وقتل 12 صحافياً وموظفاً، تساءل العديد في تونس حول هوية الفاعلين، هل من بينهم تونسيون أو هل تربطهم علاقة ما بالجماعات الإرهابية التونسية؟ هو تساؤل طبيعي، نظراً لتعدد الشبكات وتقاطعها، وخصوصاً أن الكثير ممن أصبحوا قادة للشباب السلفي الجهادي عاشوا خارج تونس، وتدربوا في أماكن عديدة، وقد استقطب الكثير منهم من صلب الجالية العربية في العديد من الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا.

وقد بدأ الحديث الآن عن أن أحد المهاجمين للصحيفة يُحتمل أن يكون قد زار تونس في فترة سابقة بعد الثورة، وقد تكون له صلة بالقيادي في جماعة "أنصار الشريعة" أبو بكر الحكيم الذي كان مقيماً في فرنسا، وهو وجه معروف لدى الاستخبارات الفرنسية.

لم يختلف عموم التونسيين، وخصوصاً نخبهم السياسية والثقافية، في إدانة عملية باريس، وقد فاجأتهم الحرفية العالية التي تم بها قتل الصحافيين الفرنسيين من دون أن تتمكن الاستخبارات الفرنسية من استباق الهجوم أو التدخل في الوقت المناسب. وقد كانت رسالة تحدٍ تتجاوز كثيراً حدود فرنسا، لتلقي بظلالها في معظم دول شمال أفريقيا.

في هذا السياق جاءت الرسالة من داخل ليبيا، حيث تم استغلال الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" والضجّة التي خلّفتها، ليتم استعمال ورقة الصحافيين التونسيين المخطوفين، والإيهام بتصفيتهما. وقد أراد الذين وقفوا وراء ذلك توجيه أكثر من رسالة.

أولاها تأليب التونسيين، وخصوصاً الإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني وبعض السياسيين، ضد الحكومة الحالية، ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، من خلال اتهامهم بالتقصير في الدفاع عن الصحافيين، وعدم التفاوض بجدية من أجل إنقاذهما. وهذا ما حصل عملياً، إذ طالب البعض بعودة عاجلة لرئيس الحكومة المنتهية ولايته مهدي جمعة ووزير الخارجية منجي الحامدي، اللذين يقومان حالياً بجولة خارجية لكسب الدعم لتونس.

كما اتُهمت خلية الأزمة الرسمية التي تتولى متابعة ملف الشورابي والقطاري، بالتقصير في القيام بدورها. وعلى الرغم من ألا خلاف في أن الطرف التونسي مُطالب ببذل مزيد من الجهود ووضع هذا الملف ضمن الأولويات العاجلة، لكن لا يجب أن يؤدي ذلك إلى التقليل من الجهود التي بُذلت حتى الآن، والصعوبات الكبيرة التي تقف من دون التعرف على مصير الصحافيين، وخصوصاً أن أي مجموعة مسلحة لم تعلن حتى الآن تبنّيها مسؤولية الاختطاف، أو تم تحديد المكان الذي يوجدان فيه حالياً.

ثاني الرسائل أن يكون الذين روّجوا لخبر الإعدام، أرادوا ممارسة ضغوط على الجهات الرسمية التونسية لمحاولة ابتزازها، وجرّها نحو تقديم تنازلات من خلال الإشعار بقدرتها على أن تؤذي التونسيين بأشكال مختلفة. وقد يكون من مظاهر الابتزاز التأثير على الدبلوماسية التونسية في مرحلة دقيقة تتصاعد فيها المؤشرات بقرب تشكيل تحالف إقليمي ودولي للتدخل في ليبيا.

وفي هذا المجال، تتعالى أصوات في تونس تدعو إلى ضرورة تغيير الموقف الرسمي والشعبي تجاه الملف الليبي، إذ يعتقد سياسيون وإعلاميون بأن موقف الحياد تجاه أطراف الصراع داخل ليبيا لم يعد مفيداً لتونس، ويرون بناء على ذلك أن المصلحة الوطنية تقتضي اليوم اتخاذ قرارات أكثر حزماً وقوة، مثل إغلاق الحدود في وجه الليبيين كما فعلت مصر وغيرها من الدول المجاورة لليبيا.

كما أن هؤلاء يرددون بأن تحالف "فجر ليبيا" يمثّل قوة معادية لتونس، وبالتالي يجب العمل على مواجهته بصفة مباشرة. وهي أصوات لا تزال حتى الآن تمثّل أصحابها، فالدبلوماسية التونسية تتمسّك بموقفها الثابت على صعيدين، وذلك من خلال الاعتقاد بضرورة الوقوف على الحياد الإيجابي تجاه الأزمة الليبية، ومن جهة ثانية الإصرار على أن المعالجة العسكرية الإقليمية والدولية ليست حلاً للمشكلة وإنما ستزيد من تعقيدها.

بناء عليه، لا يُعرف حتى الآن إذا كان السبسي بما له من صلاحيات على صعيد السياسة الخارجية، والحكومة التونسية الجديدة، سيعيدان النظر في أسلوب التعامل مع الملف الليبي أم لا. لكن المؤكد، أنه من المستبعد في هذا السياق أن تُتخذ إجراءات من شأنها المس بأوضاع الليبيين المقيمين في تونس، أو القادمين من داخل ليبيا، بمن فيهم الجرحى المصابون من المعارك الدائرة سواء من جماعة اللواء المتقاعد خليفة حفتر أو من كوادر "فجر ليبيا"، وسيكون من المستبعد أيضاً أن يتغير ذلك بشكل فجائي على الرغم مما ستشهده الساحة الليبية من تطورات خطيرة.

المساهمون