إسرائيل ترعى مشاريع لتحويل العلمانيين إلى الدين

إسرائيل ترعى مشاريع لتحويل العلمانيين إلى الدين

04 يناير 2015
فرض برامج تعليمية للتأثير على قناعات الطلاب (Getty)
+ الخط -

في أوضح مؤشر على التحولات التي تشهدها العلاقة بين الدين والدولة، أقدمت إسرائيل على تدشين مؤسسات والسير ببرامج تهدف بشكل خاص إلى إقناع العلمانيين اليهود بالتحول إلى متديّنين. فقبل ستة أشهر، أعلن وزير الأديان والاقتصاد، نفتالي بنات، عن تأسيس "إدارة الهوية اليهودية" التي تعمل بشكل خاص في صفوف العلمانيين، خصوصاً طلاب المدارس بهدف تغيير أنماط تفكيرهم عن الدين وصولاً إلى تحويلهم إلى متدينين.

بنات، الذي يتزعم حزب "البيت اليهودي"، ممثل اليمين الديني، عيّن المقرّب منه الحاخام الجنرال احتياط أفيحاي رونتسكي، الذي شغل في الماضي منصب الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي، رئيساً لمؤسسة "إدارة الهوية اليهودية".

وفي مقابلة أجرتها معه مجلة "عولام كتان"، التي تُعبّر عن التيار الديني الصهيوني، في عددها الأخير، قال رونتسكي إن "الإدارة"، التي يقودها، شرعت بالعمل فعلاً في أوساط المدارس التي يرتادها بشكل خاص الطلاب العلمانيون. وتحدّث رونتسكي بانفعال عن حجم "تفاعل" الطلاب مع الأنشطة التي تنظّمها الإدارة، مشيراً إلى أن الإقبال على المشاركة في هذه الأنشطة يفوق قدرة "الإدارة" على الاستيعاب.

وزعم رونتسكي أن مدراء المدارس، وجميعهم علمانيون، يطالبون بتكثيف أنشطة الإدارة في مدارسهم، بل إن منهم مَن يبادر إلى المطالبة بتعميم أنشطة "الإدارة" التي تحتضنها مدارسهم في جميع المدارس في أرجاء إسرائيل. وقد أعلنت وزارة الأديان، أخيراً، أن رغبة الطلاب المتعاظمة في التعرّف على الدين وميلهم لتعزيز الهوية اليهودية لديهم، يفرض التوسّع في أنشطة وبرامج "إدارة الهوية اليهودية".

من جهتها، ذكرت صحيفة "هآرتس"، في عددها الصادر الاثنين الماضي، أن وزارة الأديان اقتطعت جزءاً من موازنتها وحوّلتها لـ"إدارة الهوية اليهودية" من أجل تمويل بناء عدد من المعاهد الدينية داخل المدارس التي يرتادها الطلاب العلمانيون بشكل خاص بغية استقطاب المزيد منهم نحو الدين، ولتشجيعهم على أداء الصلوات والطقوس اليهودية داخل حرم المدرسة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من أجل تعزيز ميول الطلاب العلمانيين للإقبال على الدراسات الدينية، فقد قررت الوزارة تخصيص منح دراسية للطلاب المعنيين بالإقدام على هذا النوع من الدراسات، إذ تقرر أن يتم منح مبلغ 4 آلاف شيكل (حوالي ألف دولار أميركي) لكل طالب يبدي استعداداً لخوض هذه التجربة. وحسب معطيات الوزارة، فإنه في غضون وقت قصير انتظم 8 آلاف شخص في برامج للدراسات الدينية.

لكن مهمة تخطيط وتنفيذ البرامج الهادفة إلى تحويل العلمانيين إلى متدينين، لا تقتصر فقط على "إدارة الهوية اليهودية" ووزارة الأديان التي تشرف على أنشطتها نخب متدينة، بل إن وزارة التعليم فرضت خطوات تعليمية وقررت برامج غير منهجية تساعد على التأثير على قناعات طلاب المدارس الابتدائية الذين ولدوا في عائلات علمانية بهدف تقريبهم من الدين.

فمن المفارقات أن وزير التعليم السابق، شاي بيرون، الذي ينتمي إلى حزب "ييش عتيد"، ويُقدّم نفسه كحامٍ للعلمانية في إسرائيل، هو تحديداً الذي أمر بفرض سياق تعليمي جديد يرمي إلى التأثير على توجّهات الطلاب من الدين.

وحسب تعليمات بيرون، فقد تقرّر فرض برنامج جديد يُطلق عليه "ثقافة إسرائيلية يهودية"، ويهدف بشكل أساس إلى التأثير على توجّهات الطلاب نحو الدين. وقد ألزمت المدارس بتدريس هذا البرنامج لطلاب المدارس من الصف الأول وحتى الصف السادس الابتدائي.

كما خصصت الوزارة أيضاً مبلغ 45 مليون شيكل (15 مليون دولار)، لتمويل مشروع "مطاح"، الهادف أيضاً إلى تعزيز العلاقة بين طلاب المدارس العلمانيين والدين اليهودي، ناهيك عن تطبيق مشروع "رحلة إسرائيلية"، الذي يهدف إلى تحقيق النتيجة نفسها.

وقد أكدت صحيفة "هآرتس"، في افتتاحيتها الثلاثاء الماضي، أن الأنشطة والبرامج التي تشجّعها حكومة بنيامين نتنياهو تمثّل مرحلة متقدمة في استراتيجيتها الهادفة لتغليب الطابع اليهودي على الطابع الديمقراطي، علاوة على تكريس الفروق الواضحة بين "مواطني الدولة" اليهود وغير اليهود.

في الوقت ذاته، فإن هناك حاخامات ومرجعيات دينية لا تعمل في الأطر الحكومية، وتُعتبر متخصصة في ما يُعرف بالعبرية "حزرا بتشوفا"، أي "دعوة العلمانيين للتوبة والتعلّق بأهداب الدين". ويُعتبر الحاخام الشرقي إيلي آلبز "نجماً" في كل ما يتعلق بالنجاحات في إقناع العلمانيين بالتحوّل نحو الدين. وقد ذكرت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية، أخيراً، أن آلبز ينجح سنوياً في إقناع مئات العلمانيين بالتحوّل نحو الدين.

اللافت أن هناك ما يدل على أن بعض المشاريع الهادفة لتحويل العلمانيين إلى متدينين تهدف، بشكل غير مباشر، لتعزيز حضور وحظوظ اليمين الديني. فعلى سبيل المثال، يتنافس رونتسكي، الذي يعلب دوراً مركزياً في تنفيذ هذه المشاريع حالياً، على قائمة مرشحي حزب "البيت اليهودي" في الانتخابات المقبلة، وهو معروف بمواقفه الأيديولوجية التي تصل في تطرفها إلى حد الهذيان. فعندما كان حاخاماً أكبر للجيش أثناء حرب غزة الأولى في العام 2008، حرص على إصدار عدد كبير من الفتاوى التي تجيز استهداف المدنيين الفلسطينيين.

المساهمون