إسرائيل والسرقة الكبرى: فلسطين "أراضي دولة"

إسرائيل والسرقة الكبرى: فلسطين "أراضي دولة"

03 سبتمبر 2014
الاحتلال يسطو دوماً على الأراضي بحجج كثيرة(عصام ريماوي/الأناضول/Getty)
+ الخط -

فجأة، ملأ القهر خمس عائلات فلسطينية، بعد فرح الانتصار في غزة. أصبحت أرضهم في صوريف شمالي الخليل، وقريتي الجبعة وواد فوكين جنوب غربي بيت لحم، "أرض دولة"، وسيصادرها الاحتلال. لن ينفع مئات الفلسطينيين المنتمين لهذه البلدات، اجتهادهم في التدقيق والبحث عن كل قصاصات الورق أو الصور لـ"كواشين" (أوراق ملكية) تثبت ملكيتهم لأراض توارثوها عن أبائهم وأجدادهم منذ عشرات السنين، أي قبل أن تولد إسرائيل.

الأرض التي هي جزء من تكوينهم وليس من ممتلكاتهم فحسب، أصبحت بحاجة إلى ما يثبت نسبها لهم، بعد أن حضر ضباط الإدارة المدنية الإسرائيلية قبل يومين، وسلموا الأهالي إخطارات بمصادرة قرابة 3800 دونم من أراضيها الزراعية، بذريعة أنها "أراضي دولة"، ووفقاً للقانون الإسرائيلي، يحق للاحتلال الاستيلاء عليها.

شهر واحد فقط يفصل عائلات غنيمات، القاضي، الهور، الحميدات، والحيح، عن موسم قطاف الزيتون، لكن زيت هذا العام سيكون مراً على غير العادة، فهو مهدد بالمصادرة، والجرف لتقام عليه واحدة من مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي. حتى الان، لم يتصل أحد من المؤسسات الرسمية للسلطة الفلسطينية بالعائلات، التي تبحث عن منقذ لها من فقدان أرضها.

من جهته، يقول رئيس بلدية صوريف، محمد غنيمات، لـ"العربي الجديد"، إن "البلدية كثفت من اتصالاتها ومراسلاتها للجهات الحكومية والرسمية بخصوص اخطار قوات الاحتلال الاسرائيلي".

ويشير إلى أن "البلدية باشرت بخطوات عملية، ودعت أهالي البلدة لاجتماع فوري يضم أصحاب الأراضي من أجل التشاور في الخطوات العملية التي من الممكن القيام بها لمواجه قرار الاستيلاء على الأراضي، وطلبوا من المزارعين احضار أوراق ثبوتية الملكية".

كان يمكن أن تشكل مصادرة الإحتلال الإسرائيلي لأربعة آلاف دونم من أراضي محافظتي بيت لحم والخليل، قبل يومين، ثورة قانونية حقيقية لدى السلطة الفلسطينية، سيما أن قرار المصادرة هو الأكبر منذ فترة طويلة، لكنه لم يواجه بأكثر من بيانات إدانة ورسائل من وزارة الخارجية الفلسطينية لبعض دول العالم تطالبها بإتخاذ موقف.

لكن الموقف الحقيقي الذي تم اتخاذه كان هناك في مقر الإدارة المدنية للاحتلال الإٍسرائيلي الموجودة في قلب رام الله ويعرفها الفلسطينيون نسبة للمستوطنة المقامة هناك (بيت أيل).

وحده الحاكم العسكري الإسرائيلي في "بيت أيل" يستطيع أن يتخذ قرارات وينفذها على الأرض، من دون رسائل أو مناشدات، ويستطيع بتوقيع واحد أن يصادر آلاف الدونمات تحت أي ذريعة يريد. والذريعة هذه المرة ليست جديدة أو مبتكرة، حيث أبلغ ضباط الإدارة المدنية أهالي بيت لحم والخليل المصادرة أراضيهم، أن المصادرة تمت باعتباره أراضيهم "أراضي دولة". يلخص الخبير في شؤون الاستيطان، خليل التفكجي، المشهد بقوله إن "الحاكم بأمر الله في (بيت أيل) هو من يحكم".

يعمل التفكجي في حقل الأراضي وخبيراً للاستيطان منذ عام 1988، لكنه اليوم هو أكثر تشاؤماً من أي وقت مضى. يقول لـ"العربي الجديد" إن "الحق من دون قوة لا ينفع".

ويتابع أنه "يجب أن نذهب للأمم المتحدة، ونطالب بتنفيذ قراراتها الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة مثل 242 و338". ويضيف أن "هناك معضلة كبيرة في عدم استكمال القرارات الدولية مثل ما حصل في قرار بناء جدار الفصل العنصري، أو في نتائج تحقيق في (لجنة غولدستون). هناك أمور تحتاج إلى توضيح أمام الشعب الفلسطيني، لماذا حتى الآن لا يوجد استراتيجية وطنية ضد الإستيطان، وكل ما يحصل ليس أكثر من ردة فعل؟". وأشار التفكجي إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي يخطط وينفذ أفعاله على الأرض، أما نحن الفلسطينيين فكل ما نقوم به لا يتعدى ردة الفعل".

تعود مخططات الاحتلال المتعلقة بالاستيطان في الضفة الغربية إلى العام 1979، وتقضي بتوطين مليون مستوطن في الضفة. نجحت حتى الآن في توطين أكثر من نصف هذا العدد، أما القسم الثاني من هذه الاستراتيجية فيتعلق بالقدس الشرقية حيث وضعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مخططاً لبناء 58 ألف وحدة استيطانية على أراضي المواطنين الفلسطينيين، تم حتى الآن بناء أكثر من نصف عدد هذه الوحدات، ويقطنها حالياً قرابة ربع مليون مستوطن.

ويهدف النشاط الإستيطاني الإسرائيلي الذي لم ينقطع يوماً منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، إلى إزالة الخط الأخضر، وإقامة مدن استيطانية داخل الضفة الغربية يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.

لم يحد الهدف الإسرائيلي عن مساره طيلة السنوات الماضية، بل إنه كان يشهد طفرة في النشاط في كل مفاوضات كانت تجري بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي. 

رد الفعل الرسمي

في الأثناء، أدانت الرئاسة الفلسطينية بأشد العبارات الممكنة، إقدام الاحتلال على مصادرة الأربعة آلاف دونم في بيت لحم والخليل، وأصدرت بياناتها بهذا الصدد. وكذلك فعلت وزارة الخارجية الفلسطينية التي اعتبرت في بيانها قرار المصادرة "مخالفة واضحة للقانون الدولي وهي جريمة حرب جديدة ستفرض أمام القيادة الفلسطينية إستحقاق التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية".

لكن هل من خطوات عملية بعد أكبر عملية مصادرة للأراضي منذ 20 عاماً دفعة واحدة؟

يجيب وكيل وزارة الخارجية، تيسير جرادات، بأنه "الآن لا يوجد أي خطوات عملية، ونقوم بالمتابعة على شكل إرسال رسائل لدول العالم ومطالبتها بإتخاذ مواقف".

ويضيف أن "أي خطوة بأي اتجاه قانوني دولي، يجب أن تكون بتنسيق مع الرئاسة الفلسطينية، وأي خطوة لمعاقبة إسرائيل قانونية يجب أن تكون عبر تعليمات رئاسية". 

حلول قضائية وقانونية

يقدم المزارع الفلسطيني في كل مرة، يتم إخطاره بقرار مصادرة أراضيه، طلب اعتراض على تنفيذ الحكم، يستغرق في حده الأقصى 45 يوما. وبعد ذلك يذهب في جولة طويلة في المحاكم الإسرائيلية، يكون خصمه فيها ضابط الإدارة المدنية المجهزة بوثائق وخرائط لا تملك السلطة الفلسطينية مثلها. ثم يأتي قرار المحكمة متناسقاً مع العقلية الأمنية الإسرائيلية التي تكون قد لوت كل القوانين و"أسرلتها" حفاظاً على الدولة اليهودية ضد المزارع الفلسطيني.

المفارقة أن المؤسسات الرسمية في السلطة الفلسطينية لا تعترف بالمحاكم الإسرائيلية، ومع ذلك تقوم بدفع جميع مصاريف تقديم الاعتراضات ونفقات المحامين، وتوفر له كل الدعم القانوني الذي غالباً ما يخسر في نهاية المشوار رغم أنه يدافع عن حق أصيل كفلته جميع القوانين والشرائع.

ويؤكد مسؤول ملف الجدار والاستيطان في الحكومة الفلسطينية، محمد الياس، لـ"العربي الجديد"، أن "الأفراد هم من يرفعون القضايا في المحاكم الإسرائيلية وليس مؤسسات السلطة الرسمية".

لكن استاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت، ياسر العموري، يرى أن هناك قنوات قضائية وقانونية دولية مضمونة تجرم إسرائيل، بينما لا يوجد "إرادة سياسية فلسطينية لخوض هذه القنوات".

ويقول العموري، لـ"العربي الجديد"، إن "الخطيئة التي يقوم بها السياسيون الفلسطينيون هي أنهم لا يقرنون الفعل السياسي القائم مع الإحتلال الإسرائيلي سواء المباشر أو غير المباشر، بوضع إستراتيجية قانونية". ويشدد أنه "يجب على السياسي الفلسطيني معرفة أن المسار السياسي يجب ألا يلغي المسار القانوني لأن الأخير يتعلق بحقوق شعب بأكمله".

ويرى أن "المستوى السياسي الفلسطيني يفتقر لوجود إرادة سياسية للإشتباك القانوني مع دولة الإحتلال، فضلاً عن افتقاره لخطة واستراتيجية وطنية تقوم على أسس قانونية من أجل مواجهة الاستيطان استناداً للقانون الدولي".

ويستعرض العموري العديد من الآليات القانونية التي إذا امتلكت السلطة إرادة لفعلها، فإنها ستؤدي إلى محاسبة نحو ثلثي قادة إسرائيل على جرائم الإستيطان كمجرمي حرب.

ويوضح أن انضمام دولة فلسطين إلى نظام روما المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية، يعتبر الحلقة الأولى في معاقبة إسرائيل، لأن الاستيطان جريمة مستمرة حسب تعريف القانون الدولي لها، فيمكن محاسبة قادة إسرائيل على الإستيطان بأثر رجعي.

أما الحلقة الثانية، فتكون عبر ملاحقة قادة إسرائيل الذي يشيدون المستوطنات في الدول التي تمتلك الإختصاص العالمي، أو الولاية الجزائية الدولية. وأكبر دليل على ذلك أن بريطانيا، هرّبت وزير العدل الإسرائيلية، تسيفي ليفني، من مطارها بعد العدوان على غزة عام 2008، خوفاً من محاكمتها هناك، وكذلك فرار وزير الامن الإسرائيلي الأسبق، بنيامين اليعازر، من مطار اسبانيا. ثم تتبعها الخطوة الثالثة، عبر اللجوء إلى المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس حقوق الانسان لمساءلة دولة الاحتلال.

ولأن التجربة الفلسطينية مريرة دوماً في مجلس الأمن، إذ يتربص "الفيتو" (حق النقض) الأميركي بأي قرار فلسطيني ضد إسرائيل، يرى العموري أنه يمكن اللجوء إلى الجمعية العامة على أن تنعقد تحت عنوان "الإتحاد من أجل السلام" وبذلك تملك جميع صلاحيات وآليات مجلس الأمن في إصدار القرار وإدانة إسرائيل.

ذرائع مصادرة الأراضي

تتعدد الذرائع الإسرائيلية لسرقة الأراضي الفلسطينية، وتستخدم إسرائيل العقلية الاستعمارية، فتارة تعمد إلى القوانين العثمانية والبريطانية الأردنية والعسكرية، بما يختص بتعريف "أراضي دولة"، أو مصادرة لأغراض عسكرية. وتارة أخرى تعمد للسطو على الأرض في وضح النهار مدعمة بآلياتها العسكرية وجنودها المدججين بالسلاح، وهذه الذريعة عادة ما تكون مدعمة بمخططات هيكلية، والهدف منها توسيع المستوطنات. وأصدرت حكومة الإحتلال منذ بداية العام الحالي نحو 10 مخططات هيكلية لتوسيع المسوطنات، وهناك ذريعة أخرى لا تقل خطورة وهي تزوير وثائق شراء عبر شركات ومحامين مشبوهين أو مزيفين.

ويقول التفكجي إن "الاحتلال صادر نحو مليون ونصف المليون دونم من أراضي الضفة الغربية بذريعة أنها أراضي دولة. وأخضعت مناطق شاسعة للمصادرة بحجة الإغلاق لأسباب عسكرية كما هو الحال مع غور الأردن الذي تعتبره إسرائيل منطقة عسكرية مغلقة وتبلغ مساحته نحو 27 في المئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية".

ومن الذرائع الأخرى التي يتم تحت عناوينها سرقة الأراضي الفلسطينية، ما تسميه إسرائيل بـ"المحميات الطبيعية" حيث صادرت نصف مليون دونم من أراضي الضفة تحت هذه الذريعة.

أما الذريعة الرابعة، فهي "أملاك الغائبين"، حيث لا تستطيع جهة فلسطينية إعطاء رقم دقيق حيالها، لأنها تناهز مئات الآلاف من الدونمات، وفي منطقة واحدة مثل الجفتلك في الأغوار، حيث صادرت إسرائيل 30 ألف دونم بحجة أنها "أملاك غائبين".

لكن الذريعة الأفدح والأكثر رواجاً لدى الاحتلال الإسرائيلي هي "أراضي دولة"، حيث تطلق هذه التسمية على الأراضي غير المسكونة أو المزروعة، لنحو ثلاث سنوات. ويقول الياس، إن ثلث أراضي الضفة الغربية مصنفة على أنها "أراضي دولة".

ويؤكد أن "عقلية الاحتلال تقوم على تجيير القوانين وابتكار أخرى لخدمة الاحتلال، والمأساة أن الجهاز القانوني والقضائي الإسرائيلي هو جزء من الإحتلال، وبالتالي ابتكر الجهاز القانوني سوابق قضائية تتيح سرقة أراضي الفلسطينيين".

ويتابع أنه "حسب القوانين المتوارثة في فلسطين وهي العثمانية، الأردنية، والبريطانية فإن (أراضي الدولة) هي الأراضي غير المزروعة وغير المسكونة، وبالتالي يمكن للدولة أن تضع يدها عليها للمصلحة العامة. لكن القانون الإسرائيلي خلق سوابق تفيد بأنه إذا كان 50 في المئة من الأرضي صخرية فيمكن اعتبارها (أراضي دولة)".

وهنا يقول التفكجي إنه "بما أن السلطة الفلسطينية أصبحت دولة بإعتراف الأمم المتحدة، فهي الوحيدة المخولة بوضع يدها على أراضي الدولة ومصادرتها للمصلحة العامة، وليست حكومة الاحتلال".

المساهمون