التورط الفرنسي في المستنقع الإفريقي.. مناداة خطر "الشباب" الصوماليين

التورط الفرنسي في المستنقع الإفريقي.. مناداة خطر "الشباب" الصوماليين

16 سبتمبر 2014
فرنسا تستعيد حضورها القديم في أفريقيا (ألين جوغارد/فرانس برس)
+ الخط -

كان بالإمكان أن يظل أمر التعاون الاستخباري بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، في قضية تصفية زعيم حركة "الشباب المجاهدين" المناهضة للنظام الصومالي، سريّاً، لولا أن مصلحة الرئيس فرانسوا هولاند، اقتضت تعويض انهيار شعبيته بشكل غير مسبوق، وفشله في استرجاع رهينة فرنسي اختطفته الحركة، بهذا "الانتصار"، خصوصاً أنه لم يُظهر الحزم إلا في الشؤون الخارجية، فيما بدا متردّداً في حسم الشؤون الداخلية، وهو ما دفعه إلى تغيير حكومته مرتين.

ويعترف الفرنسيون المنهمكون في حروب عديدة في أفريقيا، أن الأميركيين ساعدوا الفرنسيين كثيراً، وأمدّوهم بمساعدات استخباراتية ولوجستية، في حرب مالي، وفي "المستنقع الفرنسي" في أفريقيا الوسطى؛ التورّط الفرنسي في القارة السمراء يستعيد الدور الفرنسي القديم كـ "شرطي" أفريقيا، ويكذّب، بالتالي، حدوث أي "قطيعة" مع السياسات التي طبعت علاقات فرنسا، القوة الاستعمارية الكبرى، مع الكثير من مستعمراتها، والتي وعد بها أكثر من مرشح رئاسي فرنسي، ولكنها لم تطبق أبداً.

وعلى الرغم من أن الأميركيين لا يريدون انخراطاً مباشراً في القارة الأفريقية، خصوصاً بعد كارثة مقديشيو، التي شهدت سحل جنود أميركيين من قبل مقاتلين صوماليين، غير أن طائراتهم الحربية والطائرات من دون طيار تنشط في اليمن والصومال، من حين إلى آخر، حاصدة أرواحاً كثيرة من عسكريين ومدنيين.

وفي يناير/كانون الثاني 2013، قرّرت فرنسا شنّ عملية خاطفة في الصومال من أجل تحرير دونيس أليكس، وهو عميل فرنسي، كانت حركة "الشباب المجاهدين" تحتجزه منذ 2009، وانتهت العملية بفشل مدوّ، إذ قُتل الرهينة الفرنسي، على الأرجح، ومعه جنديان آخران من قوات التدخل التابع للإدارة العامة للأمن الخارجي.

فيما انكفأ الباقي إلى قواعدهم في جيبوتي. تطلبت العملية في حينه مشاركة خمسين عسكرياً وما لا يقل عن خمس مروحيات، وقد تسبّبت العملية في مقتل الكثير من المدنيين الصوماليين.

وقبل يومين، جاء الاعتراف الفرنسي بالتعاون مع الولايات المتحدة في عمليتها العسكرية التي أسفرت عن مقتل زعيم "الشباب المجاهدين" أحمد عبدي غودان (37 عاماً)، ليشكّل دليلاً إضافياً على التورط الفرنسي والأميركي بشكل مباشر ومتزايد، بعد سنوات طويلة من الاحتراس المتبادل.

غير أنّ المصدر الفرنسي المقرب من الرئاسة الذي سرّب خبر الدعم الفرنسي، أصرّ على أنّ الأمر لا يتعلق بـ"عملية فرنسية على الأرض"، لأنّ فرنسا لم تكن حاضرة في العملية، وإنما بدور استخباري.

ليست فرنسا وحدها من يقدّم المعلومات للأميركيين في أفريقيا، فالحكومة الصومالية لا تبخل عليهم في هذا الشأن، وكذلك شأن الحكومات الكينية والأثيوبية والأوغندية والجيبوتية، حيث تتواجد قواعد عسكرية مهمة لفرنسا والولايات المتحدة.

وبحسب مجلة "لوبوان" الأسبوعية، التي كانت أول من أشار إلى هذا التعاون المحتمل، فإن المساهمة الفرنسية تمثلت في تحديد نوعية السيارة التي كان يتواجد فيها زعيم "الشباب"، والطريق التي سلكها.

ولا يمكن النظر إلى هذا "التعاون" الاستخباري بين الحلفاء، من دون الانتباه إلى دور "أحمد عبدي غودان" في اختطاف عميلين للإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي، مارك أوبريير، الذي نجح في الإفلات في ظروف غامضة، ودونيس أليكس. وكان الاثنان يتواجدان في الصومال باعتبارهما صحافيين. حادثة اعتُبرت، في حينها، إهانةً من قبل السطات الفرنسية لدور الصحافة وتعريضاً مباشراً لهم للخطر.

ويُنظَر إلى هذا الزعيم وحركته، التي بايعت تنظيم "القاعدة"، بعين الخطر على المصالح الغربية، وأيضاً كتهديد لأنظمة موالية للغرب ككينيا والصومال وأثيوبيا وجيبوتي، بل ويمثلان خطر على الملاحة البحرية وتدفق النفط.

وإذا كان "الشباب" قد اعترفوا بمقتل زعيمهم وعيّنوا خليفة له، هو أحمد عمر أبو عبيدة، فقد أعلنوا، أيضاً، أنهم سينتقمون لهذا الاعتداء الأميركي. وهو ما لم تتأخر إرهاصاته حين أعلن الأميركيون عن إفشال هجوم كبير في أوغندا.

ولا يقتصر نشاط حركة "الشباب المجاهدين" على الصومال، بل تحدوها رغبة، وقد فعلت، في مقارعة كل الدول المتحالفة ضدّها مع النظام الحالي في مقديشيو، المدعوم عربياً ودولياً، في عقر دارها.

وقد جربت الأمر بعض دول الجوار ككينيا، حيث كانت الضربات قوية ومثيرة، وأثّرت كثيراً على السياحة في هذا البلد الفقير، وأيضاً في أوغندا وحتى جيبوتي، رغم أن الضربات في هذا الأخير لم تكن قوية.

وإذا كان الفرنسيون فرحين لاغتيال هذا القائد الصومالي، فهم في الوقت نفسه قلقون من تبعات هذه العملية ودورهم المفترض فيها.

وتظهر الخشية من احتمال استهداف "الشباب المجاهدين" المصالح الفرنسية المنتشرة في المنطقة، بدءاً من جيبوتي، البلد الاستراتيجي والحليف التاريخي لفرنسا، القريب من الصومال. ولعل التواجد الاستخباري الفرنسي السرّي في الصومال نابع من التهديد الذي يشكله هذا الفصيل الصومالي، الذي لم يُخْفِ في بداياته طموحَهُ في توحيد الصومال الكبير، بما فيه جيبوتي وأطراف من أثيوبيا، على مصالح فرنسا "التاريخية" في جيبوتي.

كما أن "الشباب المجاهدين" قادرون، نظرياً، وبسبب القرب الجغرافي، على ضرب المصالح الفرنسية في اليمن.

ورغم أنه لا يوجد تنسيق سياسي واستراتيجي بين حركة "الشباب المجاهدين" و"بوكو حرام" النيجيرية والتنظيمات الأخرى في مالي والجزائر، ولكن هذه المجموعات أعلنت، بطريقة أو بأخرى، قربها من تنظيم "القاعدة"، وهو ما يجعل التآزر فيما بينها وارداً.

ولا يُستبعد أن يقوم فصيل ما بعملية عسكرية ويتحمل مسؤوليتها فصيل آخر. كما أن تنسيق العمل الاستخباري والعسكري بين الدول الغربية وحلفائها الأفارقة المحليين، يجعل من التنسيق بين مختلف هذه الفصائل المعارضة مسألة ضرورية وأكثر من واردة.

ولهذا، فإن فرنسا الغارقة في مغامرات عسكرية في أفريقيا، وضعت نفسها في عين العاصفة، ليس فقط بسبب تداعيات هذا "الإسهام" الاستخباري الجدي، بل وأيضاً لأن حركة "الشباب المجاهدين" وعدت أنها ستنتقم للمدنيين الصوماليين الذي قتلوا أثناء الغارة الفرنسية الفاشلة. هذه الغارة، لم يحرّك فشلها الكبير كثيراً من اللغط في باريس، بسبب "نشوة انتصار" الجيش الفرنسي، على عدوّ "إسلامي" ضخّمت الآلة الإعلامية الفرنسية والغربية من قوته وخطورته.

دلالات