اسكتلندا... هل تولد الدولة من خاصرة بريطانيا؟

اسكتلندا... هل تولد الدولة من خاصرة بريطانيا؟

16 سبتمبر 2014
في 18 الحالي يُحسم مصير اسكتلندا (مات كاردي/Getty)
+ الخط -
تقف المملكة المتحدة اليوم على قدم واحدة، تتمنى لو أن الزمن يقفز عن يوم الخميس المقبل، وتحبس الأنفاس بانتظار يوم الجمعة المقبل، موعد إعلان النتيجة التي سوف يسفر عنها الاستفتاء المصيري حول استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة. لا أحد يعلم بعد، ماذا سيكون مصير اسكتلندا، أو إلى ماذا ستؤول بريطانيا العظمى. إنه بحق مخاض ولادة من الخاصرة يؤسس ليوم جديد في جغرافيا وتاريخ ومستقبل المملكة المتحدة.

هل ستنفصل اسكتلندا عن المملكة المتحدة وتؤسس دولة مستقلة لطالما حلم بها القوميون الاسكتلنديون؟ وكيف سيكون شكل واقتصاد هذه الدولة؟ وأي ثقل سياسي سيكون لها؟ هل ستنجح الدولة الوليدة في الحصول على مقعد في الاتحاد الأوروبي، وآخر في حلف شمال الأطلسي؟ أم أنها ستكون دولة هامشية أوروبياً ودولياً مثل إسبانيا، ولكن من دون شمس، على حد تعبير أحد المعلقين الإنجليز؟ أم أن الأغلبية من السكان سيختارون البقاء مع إنجلترا وشمال إيرلندا وويلز، مستظلين جميعاً بعظمة المملكة المتحدة وثقلها الدولي؟

في المقابل، ماذا سيكون حال بريطانيا العظمى إذا ما فقدت ثلث مساحتها الجغرافية وأكثر من خمسة ملايين نسمة من سكانها؟ هل ستبقى "عظمى"؟ وهل سيظل لها نفوذ أو ثقل على المسرح الدولي؟ هل ستقدر على الاحتفاظ بمقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي؟ وهل ستقدر على فرض أي من شروطها القائمة على الاتحاد الأوروبي؟ أم أنها ستصبح دولة بمساحة تونس جغرافياً، وثقل الدنمارك سياسياً؟ وماذا سيحل باقتصادها بعد خسارة نفط اسكتلندا وخيراتها؟ أو ماذا سيكون مصير قدراتها الدفاعية وغواصاتها النووية الراسية في الموانئ الاسكتلندية؟

"العربي الجديد" تعرض في ثلاث حلقات يومية، كل ما يتعلق باستفتاء اسكتلندا المصيري، يوم الثامن عشر من الشهر الحالي، منذ الإرهاصات الانفصالية لاسكتلندا، وحتى السيناريوهات المتوقعة، وانتهاءً بالتداعيات المترتبة عن أي نتيجة يفرزها الاستفتاء.

تستعرض الحلقة الأولى، من هذا الملف، العلاقة التاريخية بين اسكتلندا وبريطانيا، وتطور النزعة الانفصالية عند القوميين الاسكتلنديين، وصولاً إلى المفاوضات التي حددت موعد وشكل الاستفتاء، مع تقديم صورة شخصية لكل من الزعيم القومي الاسكتلندي أليكس سالموند، بوصفه "زعيم الاستقلال"، إذا ما تحقق الاستقلال، وشخصية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بوصفه "زعيم الاتحاد" إذا ما ظل هناك اتحاد.


إرهاصات الانفصال

يجمع التاج البريطاني بين اسكتلندا وإنجلترا منذ عام 1603، ويحكمهما برلمان واحد في لندن منذ عام 1707. ورغم هذا التاريخ الطويل والمشترك، إلا أن جذور الرغبات الانفصالية الاسكتلندية عن المملكة المتحدة تضرب عميقاً في التاريخ أيضاً. يرتبط تنامي النزعة الانفصالية في اسكتلندا مع ظهور الحركة القومية الاسكتلندية في عشرينيات القرن الماضي، عندما تشكلت العصبة القومية الاسكتلندية في لندن، وطالبت باستقلال اسكتلندا متأثرة بأفكار حركة "الشين فين" الإيرلندية. أسست العصبة في عام 1926 صحيفة "سكوتش إندبندنت" التي كانت تعمل على بثّ روح الاستقلال وأدبياته في نفوس الاسكتلنديين.

في عام 1928 دعت جمعية القوميين الاسكتلنديين في جامعة غلاسكو إلى تأسيس الحزب القومي الاسكتلندي الذي كان يطالب بتأسيس دولة مستقلة. وقد عزز اكتشاف النفط في إقليم اسكتلندا في الستينيات من القرن الماضي الدعوات الانفصالية. وفي إطار الجدل الذي دار منذ ذلك الوقت لتبرير الاستقلال من الناحية الاقتصادية، رفع الحزب القومي الاسكتلندي في عام 1979 شعار "إنه نفط اسكتلندا"، قائلاً إن عوائد النفط لن تفيد اسكتلندا كثيرا، إذا بقيت الأخيرة تابعة لبريطانيا.
واستعمل الحزب ذلك الشعار بشكل واسع في الانتخابات العامة التي أجريت في فبراير/شباط 1974 والانتخابات التكميلية في أكتوبر/تشرين الأول 1974. ففي الانتخابات الأولى حصد الحزب سبعة مقاعد في مجلس العموم و22 في المائة من أصوات الناخبين الاسكتلنديين، وارتفع عدد المقاعد إلى 11 مقعداً في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول التكميلية.
وساهمت السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومات البريطانية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولاسيما حكم رئيسة الوزراء البريطانية في حينه مارغريت تاتشر، في تنامي النزعة الانفصالية لدى الاسكتلنديين الذين كانوا أكثر ميلاً للأفكار اليسارية أو الاشتراكية المناقضة للنهج "التاتشري" الذي قضى على النهضة الصناعية التي كانت تشهدها الأقاليم الشمالية من بريطانيا، ومنها اسكتلندا.

نجح الاسكتلنديون في عام 1999، بعد استفتاء شعبي، في انتخاب أول برلمان اسكتلندي منذ عام 1707 يتمتع بصلاحيات التشريع في مجالات التربية والصحة والبيئة والعدل، بينما ظلت التشريعات المتعلقة بالشؤون الخارجية والطاقة والضرائب والدفاع من صلاحية البرلمان البريطاني في لندن.
في عام 2007 طرح الحزب القومي الاسكتلندي "وثيقة استقلال" للنقاش العام، واعتُبرت تلك الوثيقة بمثابة الإعلان الرسمي الأول الذي أسس لصدور تشريع عن البرلمان الاسكتلندي في عام 2009 خاص بتنظيم الاستفتاء.
وفي الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2012، نجح الاسكتلنديون القوميون في تحقيق خطوة أخرى نحو الاستقلال، عندما وقّع كاميرون وسالموند اتفاقاً نصّ على أن يكون موعد الاستفتاء على الاستقلال هو الثامن عشر من سبتمبر/أيلول الحالي.

مفاوضات تنظيم الاستفتاء

خاضت حكومة بريطانيا والحزب القومي الاسكتلندي بين عامي 2011 و2012 مفاوضات شاقة حول تفاصيل الاستفتاء، واختلف الطرفان على كل التفاصيل تقريباً. كانت حكومة لندن تصرّ على أن تقتصر المشاركة في الاستفتاء على الأشخاص الذين بلغوا سن الثامنة عشرة وما فوق، وقد نجح القوميون في تخفيض سن المشاركة ليشمل الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 سنة.
كان رئيس الحزب القومي الاسكتلندي يقترح أن تتضمن بطاقات الاستفتاء ثلاثة خيارات، هي: أن تبقى اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة. أن تبقى اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة مع صلاحيات ذاتية أوسع. أن تستقل اسكتلندا عن المملكة المتحدة تماماً. وقد نجحت حكومة لندن في أن تفرض رأيها في هذه المسألة، واقتصرت خيارات الاستفتاء على سؤال وجوابين: هل ينبغي أن تستقل اسكتلندا عن المملكة المتحدة؟ نعم أو لا.

سيناريوهات محتملة

يشارك في استفتاء يوم الثامن عشر من سبتمبر/أيلول الحالي نحو 4.29 مليون شخص من الاسكتلنديين وغيرهم من المقيمين الحاصلين على حق التصويت بما في ذلك نحو نصف مليون شخص مقيمين في اسكتلندا وينحدرون من إنجلترا، شمال إيرلندا، وويلز. ويتوقع أن تتجاوز نسبة الإقبال على صناديق الاقتراع 97 في المائة من المقترعين المسجلين.

وتنحصر السيناريوهات المحتملة التي قد تنتهي إليها قضية اسكتلندا، وعلاقتها بالاتحاد البريطاني، باحتمالين لا ثالث لهما: الأول أن تنجح حملة "نعم للاستقلال"، وبالتالي يكون الجمهور الاسكتلندي قد حسم أمره باتجاه الاستقلال وتأسيس دولة مستقلة. وفي حال تحقق هذا الاحتمال فإن على اسكتلندا الجديدة أن تؤسس لعلاقات جديدة مع المملكة المتحدة ومع أوروبا وباقي دول العالم.
السيناريو الثاني، هو أن ينجح أنصار "لا للاستقلال" في مساعيهم للحفاظ على اسكتلندا ضمن المملكة المتحدة. وفي هذه الحالة يتعين على حكومة لندن أن تلتزم بوعودها التي قطعتها خلال الأسابيع الماضية والتي تتلخص أساساً باعطاء اسكتلندا ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية المزيد من السلطات الذاتية في مجالات الضرائب، النفقات، والرفاه الاجتماعي.

 

اسكتلندا في سطور:
يشكّل سكان اسكتلندا 8 في المائة من مجموع سكان المملكة المتحدة، وقد أظهر آخر إحصاء سكاني أجري في العام 2013 أن سكان اسكتلندا بلغ 5.3 مليون نسمة، في حين بلغ مجموع سكان بريطانيا 64.1 مليون نسمة. وتمتد شبه جزيرة اسكتلندا على مساحة 78.7 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 32 في المائة من إجمالي مساحة بريطانيا. وبهذا الحجم من السكان والمساحة تُشكل اسكتلندا ثاني أكبر إقليم في الاتحاد البريطاني بعد إنجلترا وقبل ويلز وشمال إيرلندا.
وتمتلك اسكتلندا ثروات طبيعية هائلة من النفط والغاز والحديد والفحم إضافة إلى الثروات الحيوانية والسمكية، وتشتهر مدينة أبردين الاسكتلندية بكونها عاصمة النفط الأوروبية.
أما على صعيد عمل المؤسسات التشريعية والسياسية، تتولى حكومة اسكتلندا تسيير الشؤون المحلية في الإقليم، فيما يتقاسم البرلمان في اسكتلندا مع البرلمان البريطاني في لندن صلاحيات التشريع في الشؤون المحلية في مجالات التعليم والبيئة والصحة والإسكان والشرطة والرياضة والفنون. بينما يظل التشريع في شؤون الدفاع والسياسة الخارجية والتشغيل والهجرة والمسائل الدستورية من اختصاصات البرلمان في لندن.