لبنان: مئة يوم بلا رئيس

لبنان: مئة يوم بلا رئيس

01 سبتمبر 2014
لبنانيات يتضامَنَّ مع الجيش في معركته بعرسال (أنور عمرو/Getty)
+ الخط -
مئة يوم مرّت، ولبنان بلا رئيسٍ للجمهورية. يقول علماء الفيزياء إن الطبيعة تأبى الفراغ. مئة يوم فراغ، أبرز ما حصل فيها، انتقال النار السورية إلى الداخل اللبناني.
مئة يومٍ بلا رئيس، لأن مجلس النواب اللبناني يفشل في الاجتماع. فنواب تكتّل "التغيير والإصلاح"، الذي يرأسه ميشال عون، ونواب "حزب الله"، يمتنعون عن الحضور "حتى الاتفاق على رئيس توافق". والمقصود بالعبارة الأخيرة، انتخاب عون نفسه رئيساً. أثبتت أحداث أيام الفراغ هذه، أن عون براغماتي إلى درجة كبيرة، وأن الرجل على استعداد للقيام بأي شيء في سبيل الحفاظ على مصالحه. تُثبت اللقاءات المتتالية مع رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، وفريقه السياسي، والتي هدفت إلى التوافق على إدارة ملف الغاز وتقديم عون كمرشح توافقي، هذا الأمر، رغم أن العونيين سبق أن أصدروا كتاب "الإبراء المستحيل" الذي اتهموا فيه "تيار المستقبل" بالفساد.
حتى اليوم، لا إشارات إلى إجراء انتخابات في القريب العاجل.
 
دخل لبنان، خلال هذه الفترة، في الحرب السورية بقوة، عبر اشتباكات بين الجيش اللبناني ومقاتلين تابعين لتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" في بلدة عرسال عند الحدود اللبنانية ـ السورية. إذ احتل مقاتلو هذين التنظيمين بلدة لبنانيّة خلال ساعات قليلة، واحتجزوا عدداً من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي واستخدموهم في لعبة التحريض المذهبي في لبنان. وتحوّلت عرسال إلى ما يُشبه "داعش لاند"، مع تحوّلها إلى نقطة استنزاف للجيش اللبناني، ولتبادل الرسائل الدموية. وأعاد لبنان افتتاح عهد قطع الرؤوس، وهو الذي عاش هذه التجربة خلال الحرب الأهليّة، لكن من دون هواتف ذكية ولا وسائل تواصل اجتماعي.
ولا يُمكن أن نتجاوز أن "حزب الله" نعى، في هذه الفترة، أحد قياديه الذي قتل خلال مشاركته في الأعمال العسكرية في العراق إلى جانب الميليشيات العراقية، ليُعلن بذلك تمدّده كقوة عسكرية إلى ما بعد سورية.
وشهدت الأيام المئة عودة سعد الحريري إلى لبنان، بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات. عاد الحريري تحت عنوان "محاربة الإرهاب" ومحمّلاً بمليار دولارٍ من المساعدات السعوديّة إلى القوى العسكرية والأمنية اللبنانيّة. أمضى الحريري أقل من أسبوع في لبنان. أشرف على انتخاب مفتٍ للجمهوريّة اللبنانيّة لا يحظى بإجماع لدى رجال الدين. أعلن، بين قيادات تياره، عن حربين، الأولى على الجماعة الإسلاميّة، كونها الفرع اللبناني لـ"الإخوان المسلمين"، وهيئة العلماء المسلمين الذي يتهمها بقربها من قطر. لكن مع ذلك، يُريد الحريري "محاربة الإرهاب". لم يظهر أي شيء من خطة الحريري. لا "نفضة" في مؤسساته الإعلامية، لتستعيد جمهورها، ولا إعادة هيكلة للجسم التنظيمي لمحاربة الترهّل الحزبي، وبطبيعة الحال، عدم وضع آلية تنسيق بين وزراء تياره، وبينهم والجسم الحزبي. أراد الحريري أن يُحارب "الإرهاب" ببضع لقاءات أجراها في بيت الوسط، وببعض الملايين من الدولارات التي أعلن عن نية توزيعها.
 
ولا يُمكن أن ننسى أنه، خلال هذه الأيام، قدّم وزير "الكسارات والمقالع"، نقولا فتوش، اقتراحاً إلى مجلس النواب لتمديد ولايته مرة ثانيّة، بعد التمديد الأول الذي حصل بناءً على اقتراح فتوش نفسه في يونيو/ حزيران 2013. وخلالها أيضاً، أقدم وزير التربية والتعليم العالي، إلياس بوصعب، على اتخاذ قرار بإعطاء طلاب الشهادات الرسمية شهادات نجاح لمَن قدّم امتحاناته لا على نتائج هذه الامتحانات، كرد على إضراب الأساتذة وامتناعهم عن تصحيح الامتحانات كوسيلة ضغط لإقرار سلسلة الرتب والرواتب. لم يعتمد بوصعب على نتائج المدارس حتى، واتخذ قراراً لم يُتخذ إلا خلال الحرب الأهليّة، كما قال بوصعب نفسه خلال مؤتمر صحافي. خطوتا بوصعب وفتوش لم تحصلا إلا خلال الحرب الأهليّة.
وفي هذه الأيام المئة، نسي اللبنانيّون أن تمام سلام هو رئيس حكومتهم. وأكّد النائب وليد جنبلاط على رغبته الدائمة في التحرك مع الرياح الغربية، إذ وضع موقفه من النظام السوري و"حزب الله" على الرف، وصبّ كل غضبه على "داعش".
وفي نهاية هذه الأيام، استعاد اللبنانيون صراعاً اعتقدوا للحظة أنهم تجاوزوه، فعاد الانقسام إسلامياً ـ مسيحياً على خلفيّة إحراق راية، البعض يعتبرها راية الإسلام، والبعض الآخر يراها راية "داعش".
ما لم يحصل في هذه الأيام، هو حوار حقيقي بين اللبنانيين، ومراجعة "حزب الله" لقراره بالمشاركة في القتال في سورية إلى جانب النظام، وإعادة الاحترام للدولة والدستور. الأمر الذي أكّده هذا الفراغ، هو أن لبنان يعيش أزمة دستوريّة حقيقيّة، وعلى أبنائه النقاش حولها ما دام صراعهم بارداً، قبل أن يضطروا إلى إجراء هذا النقاش على وقع أصوات الرصاص.