القضاء المصري في عام... ذراع الانقلاب

القضاء المصري في عام... ذراع الانقلاب

03 يوليو 2014
لم تقتصر أحكام السجن على مناصري "الاخوان" (الأناضول)
+ الخط -

نجح الحكم العسكري في مصر، في تدمير المقولة الشهيرة بأن "القضاء معصوب العينين"، وأصبح القضاء المصري، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، أداة سياسية "بحتة" في يده، يبطش من خلالها وينكل بأي فصيل معارض، بدءاً من جماعة "الإخوان المسلمين"، مروراً برفاقهم من ناشطي الميادين، وأخيراً بكل ما يتعلق بثورة 25 يناير، برموزها والمشاركين فيها، في الوقت الذي يوزع فيه "صكوك" البراءة على جميع رموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

مبارك ونظامه ومهرجان "البراءة للجميع"

أحدث البراءات لنظام مبارك، كان الحكم الصادر يوم الخميس في 12 يونيو/حزيران 2014، القاضي ببراءة وزير الداخلية الأسبق، اللواء حبيب العادلي، آخر وزير داخلية في عهد مبارك، على خلفية اتهامه بالتربح وغسل الأموال بما قيمته نحو 5 ملايين جنيه.

وجاء قرار البراءة "نهائياً"، رغم أنه سبق إدانته في مايو/ايار 2011، ومعاقبته بالسجن المشدد لمدة 12 عاماً، وإلزامه برد مبلغ 4 ملايين و853 ألف جنيه، مع إلزامه برد مبلغ مساوٍ له وذلك عن تهمة التربح، مع تغريمه مبلغ 9 ملايين و26 ألف جنيه على أن تتم مصادرة المبلغ المضبوط موضوع تهمة غسل الأموال، البالغة قيمته 4 ملايين و513 ألف جنيه.

سلسلة البراءات لرموز مبارك بدأت منذ نجاح ثورة 25 يناير، وتأكدت بأحكام نهائية في عهد ما بعد الانقلاب العسكري، إذ لم يحصل أي ضابط بأية رتبة أو مجند أو شرطي، على أي أحكام بالإدانة، بل حصلوا جميعاً على أحكام بالبراءة من تهمة قتل المتظاهرين.

وكان آخر هذه الأحكام الخاصة بالأمنيين، قرارات البراءة للضباط المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً باسم "سيارة ترحيلات أبو زعبل"، والمتهمين فيها بقتل 37 من رافضي الانقلاب العسكري، والمؤيدين للرئيس المعزول محمد مرسي، وإصابة 8 آخرين داخل سيارة الترحيلات في سجن أبو زعبل، عقب الانقلاب العسكري، وفض اعتصامي رابعة والنهضة، رغم اعتراف عدد من المجندين الحاضرين للواقعة ضد ضباط الشرطة في تحقيقات النيابة.

كما قضى الانقلاب ببراءة رموز مبارك، في أحداث "موقعة الجمل"، والتي اتهم فيها رئيس مجلس الشعب الأسبق فتحي سرور، ورئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف، ووزيرة القوى العاملة السابقة، عائشة عبد الهادي، ورئيس نادي الزمالك الحالي والمرشح المنسحب من سباق رئاسة الجمهورية الأخيرة، مرتضى منصور، ورئيس اتحاد العمال حسين مجاور، ورجل الأعمال وعضو الهيئة العليا للحزب الوطني الديمقراطي إبراهيم كامل، وآخرون من رجال نظامه، رغم اتهامهم بالتحريض والهجوم على المتظاهرين في ميدان التحرير لإخراجهم بالقوة يومي 2 و3 فبراير/شباط 2011.

واستمرت سلسلة البراءات عقب الانقلاب لمصلحة نظام مبارك، فأصدرت محكمة الجنايات حكماً في 19 ديسمبر/كانون الأول 2013، ببراءة علاء وجمال مبارك، والفريق أحمد شفيق المرشح الخاسر في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2012، والهارب خارج البلاد، في القضية التي عرفت إعلامياً باسم "أرض البحيرات المرة". كما أمرت المحكمة بإخلاء سبيلهما على ذمة قضية "التلاعب في البورصة".

كما برأت المحاكم رئيس ديوان رئيس الجمهورية الأسبق، زكريا عزمي، في قضية الكسب غير المشروع، رغم أنه سبق لمحكمة أول درجة أن أصدرت حكماً بسجنه 7 سنوات، وتغريمه مالياً.

800 حكم بالإعدام

وفي الوقت الذي "يحن" فيه القضاء على مبارك ورموزه، رغم الأدلة الموثقة في قضايا قتل المتظاهرين والفساد المالي والإداري، يبدو الوضع مختلفاً تماماً مع المعارضين الذين استهدفهم القضاء بأحكام أجمع العالم على وصفها بأنها فضيحة غير مسبوقة، وصلت إلى أحكام جماعية بالإعدام صدرت بشكل صُوَري، وفي غضون دقائق، في قضية قطع طريق، بخلاف مئات الأحكام القضائية المختلفة ضد رافضي الانقلاب، تراوحت ما بين السجن المؤبد 25 سنة والسجن سنة.

أحكام الإعدام وحدها وصلت إلى نحو 800 حكماً في حق رافضي الانقلاب العسكري؛ ففي 19 مارس/آذار 2014، أصدرت محكمة جنايات شمال القاهرة، حكماً غيابياً بإعدام 26 متهماً في قضية استهداف المجرى الملاحي، وذلك في التهم المنسوبة إليهم بـ"ارتكاب جرائم إنشاء وإدارة جماعة إرهابية تستهدف الاعتداء على حرية الأشخاص والإضرار بالوحدة الوطنية".

وفي غضون شهر أبريل/نيسان 2014، أصدرت الدائرة السابعة في محكمة جنايات المنيا (دائرة إرهاب)، حكما بإعدام 529 من رافضي الانقلاب العسكري، على خلفية تظاهرهم عقب مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة.

وفي 7 يونيو الماضي، أصدرت محكمة جنايات شبرا الخيمة ، قراراً بإحالة أوراق مفتي جماعة "الإخوان المسلمين" وعضو مكتب إرشاد الجماعة عبد الرحمن البر، والداعية الإسلامي محمد عبد المقصود، وآخرين إلى مفتي الجمهورية لأخذ رأيه الشرعي في إعدامهم، وحددت جلسة 5 يوليو/تموز الجاري للنطق بالحكم، في القضية المتهم فيها 48 شخصاً بـ "قطع طريق قليوب".

وفي 19 يونيو الماضي أيضاً، أصدرت محكمة جنايات الجيزة، قراراً بإحالة أوراق 14 شخصاً من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين"، أبرزهم المرشد العام للجماعة محمد بديع، وذلك على خلفية اتهامهم بالتحريض على التظاهر يوم 22 يوليو الماضي وارتكاب أعمال قطع الطريق والتجمهر وإسقاط الدولة، إلى المفتي لأخذ رأيه الشرعي في إعدام المتهمين، وحددت جلسة 3 أغسطس للنطق بالحكم.

وفي 21 يونيو الماضي، أصدرت محكمة جنايات المنيا (دائرة الإرهاب)، حكما بمعاقبة 183 شخصاً من رافضي الانقلاب العسكري، والسجن المؤبد لـ4 آخرين وبراءة 496 آخرين. وشملت أحكام الإعدام جميع قيادات الاخوان المسلمين تقريباً.

"فرم" الناشطين

ولم يسلم الناشطون الذين لا ينتمون لجماعة الإخوان أو تيار الإسلام السياسي، من "مفرمة" قضاء الانقلاب، ففي 7 أبريل الماضي، أصدرت محكمة جنح مستأنف عابدين، حكمها برفض الاستئناف المقدم من مؤسس حركة 6 أبريل أحمد ماهر، والناشطين السياسيين أحمد دومة ومحمد عادل، على الأحكام الصادرة ضدهم بالحبس 3 سنوات لكل منهم وغرامة 50 ألف جنيه، وأيدت هذا الحكم في سادس جلسات النظر في القضية.

وفي 11 يونيو الماضي أصدرت محكمة جنايات القاهرة، حكماً بمعاقبة الناشط السياسي علاء عبد الفتاح و24 متهماً آخرين، بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً، وتغريم كل منهم مبلغاً وقدره 100 ألف جنيه، ووضعهم تحت المراقبة الشرطية لمدة 5 سنوات من تاريخ صدور الحكم، إثر إدانتهم في قضية التجمهر والدعوة للتظاهر والتعدي على الأشخاص والممتلكات العامة وقطع الطريق والتعدي على ضابط شرطة.

كما أنه في انتظار الناشط أحمد دومة قضية أخرى يحاكم فيها و268 شخصاً، وهي القضية المؤجلة إلى جلسة 9 يوليو الجاري، وهي القضية الشهيرة إعلامياص بـ"أحداث مجلس الوزراء"، والمتهم فيها بالاعتداء على مقار مجلس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى والمباني الحكومية المجاورة له وحرق المجمع العلمي والاعتداء على رجال القوات المسلحة.

وكانت آخر عمليات التنكيل بالناشطين السياسيين، قد تمت يوم 23 يونيو الماضي، حين أمرت نيابة مصر الجديدة الكلية برئاسة المستشار أحمد حنفي، بحبس 16 شاباً و7 فتيات، لمدة 4 أيام على ذمة التحقيقات في الاشتباكات التي وقعت السبت 21 يونيو بمحيط قصر الاتحادية بين عدد من القوى الثورية، المطالبة بإلغاء قانون التظاهر من جانب، ورجال الأمن والبلطجية من جانب آخر، وأسفرت عن وقوع عدد من الإصابات بين المتظاهرين.

حبس الإعلام

كانت الحريات هي أهم ضحايا الانقلاب العسكري، فمنذ اللحظة الأولى أغلقت جميع القنوات المعارضة للانقلاب، واعتقل الصحفيون والإعلاميون والمراسلون، واستشهد نحو 16 صحفياً ومراسلا ومصوراً، فيما لا يزال 39 إعلامياً خلف القضبان على ذمة قضايا مختلفة.

وآخر الأحكام الصادرة ضد الإعلاميين، ذلك الصادر بتاريخ 23 يونيو الجاري، في قضية مراسلي الجزيرة، إذ أصدرت محكمة جنايات القاهرة، أحكاماً تتراوح من السجن المشدد 10 سنوات وحتى 7 سنوات، على 20 إعلامياً من بينهم 4 أجانب أحدهم أسترالي، وإنجليزيان وهولندية، وذلك في قضية البث لقناة الجزيرة.

قاضٍ برتبة "عصا فرعون"

أبرز القضاة الذين باتوا رموزاً للعمل وفق أجندة سياسية هدفها دعم الانقلاب والقضاء على معارضيه، المستشار شعبان الشامي، والذي ينظر في محاكمة الرئيس محمد مرسي.

من أبرز أحكامه، بالاضافة إلى الأرقام القياسية لإداناته وإعداماته لرموز "الاخوان المسلمين"، قرار إخلاء سبيل الرئيس المخلوع حسني مبارك. ويرى عدد من الناشطين أنه لدى المستشار شعبان الشامي، خصومة مع الثورة بشكل واضح، وسبق أن تم الهتاف ضده من المتهمين في قضية خلية مدينة نصر، ووصفوه بأنه من "فلول" نظام مبارك.

قاضي الممر!

المستشار حسن فريد، رئيس محكمة جنايات شبرا الخيمة (دائرة الإرهاب)، والذي أصدر قراراً بإحالة 10 أشخاص من مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي، والقياديين بجماعة "الإخوان المسلمين"، إلى مفتي الجمهورية لأخذ رأيه الشرعي في إعدامهم، ومن بين هؤلاء العشرة، كل من مفتي جماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان عبد الرحمن البر، والداعية الإسلامي محمد عبد المقصود القيادي بالتيار السلفي.

القاضي الذي أصدر هذا القرار، لم يكن غريباً عليه مثل هذه النوعية من الأحكام ضد التيارات الإسلامية، فقد أصدر في 23 سبتمبر 2012، حكماً بإعدام 14 من أعضاء جماعة "التوحيد والجهاد"، والسجن المؤبد لـ 4 آخرين، وذلك في القضيتين اللتين عُرفتا وقتها بقضية "اقتحام بنك الإسكندرية"، وقضية اقتحام "قسم ثاني العريش"، وكان وقتها القاضي رئيساص لمحكمة جنايات الإسماعيلية.

القاضي فريد صاحب توجه معادٍ للتيارات الإسلامية، مما دفع بعدد من مؤيدي مرسي، الذين يحاكمون أمامه في قضايا التظاهر، إلى التقدم بطلب رده ومخاصمته، لتغيير الدائرة، وكان آخر هذه الطلبات ما قدم يوم الاثنين 20 يونيو من عضو مجلس الشعب السابق، أمين حزب الحرية والعدالة محسن راضي، وثمانية آخرين، من المتهمين بقضية أحداث العنف التي وقعت أمام قسم شرطة بنها في شهر يوليو الماضي.

جزار قضاة الحق!

وزير العدل المصري الجديد، المستشار محفوظ صابر عبد القادر، والملقب بـ"المزور... جزار قضاة الحق"، وذلك لممارساته التي قام بها في الشهور الأخيرة عقب الانقلاب العسكري، والذي عين في حكومة إبراهيم محلب، في عهد عبد الفتاح السيسي، أول رئيس للجمهورية بعد الانقلاب العسكري.

محفوظ معروف كرئيس للجنة تأديب القضاة وإحالتهم للصلاحية، وقد أصدر قراراً بإحالة العشرات من "حركة قضاة من أجل مصر"، إلى الصلاحية والمعاش المبكر، وفي مقدمهم المستشار وليد شرابي.

مواقف محفوظ المؤيدة للنظام المخلوع لم تكن غريبة، فالرجل متهم بتزوير الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك، حين كان الأمين العام للجنة العليا للانتخابات البرلمانية لعام 2010، وشارك في عملية التزوير التي شهد عليها القاصي والداني وكانت سبباً رئيسياً في اندلاع ثورة 25 يناير.

ناجي شحاتة

المستشار محمد ناجي شحاتة، رئيس الدائرة الخامسة في محكمة جنايات الجيزة، المختصة في نظر قضايا الإرهاب، والذي أصدر قراراً بإحالة أوراق 14 شخصاً من قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" أبرزهم المرشد العام للجماعة، الدكتور محمد بديع، إلى المفتي لأخذ رأيه الشرعي في إعدام المتهمين، فضلاً عن أحكام تتراوح من السجن المشدد 10 سنوات وحتى 7سنوات، بحق 20 إعلامياً من بينهم 4 أجانب أحدهم أسترالي، وإنجليزيان وهولندية، وذلك على خلفية اتهامهم بارتكابهم جرائم التحريض ضد السلطات في مصر، بالبث لقناة الجزيرة.

وهو أيضاً القاضي الذي ينظر في قضية محاكمة المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين"، و50 من قيادات الجماعة.

كما أنه القاضي الذي ينظر في محاكمة الناشط أحمد دومة و268 شخصاً، في القضية الشهيرة إعلامياً بـ"أحداث مجلس الوزراء".

وناجي شحاتة متهم أيضاً بتزوير الانتخابات البرلمانية في عهد مبارك، في دائرة الزرقا بدمياط، وجاء اسمه في البلاغ المقدم من راجية عمران المحامية، وعلي طه المحامي.

المساهمون