السوريون بعد الانقلاب المصري: "أجدع ناس" أصبحوا "إرهابيين"

السوريون بعد الانقلاب المصري: "أجدع ناس" أصبحوا "إرهابيين"

02 يوليو 2014
"إرهابيون": تهمة تلاحق السوريين إلى مصر (خالد دسوقي/Getty)
+ الخط -

وجد السوريون في "أم الدنيا"، بيوتاً مفتوحة لهم، غداة حملة التهجير المنظمة التي نفذتها بحقهم قوات النظام السوري، منذ مطلع العام 2012. وعلى الرغم من الضيق الذي يعاني منه المصريون أنفسهم، إلا أن هذا لم يمنعهم من الترحيب، على طريقتهم الخاصة، بأشقائهم السوريين، إذ قابل المصريون هؤلاء بعبارة "أجدع ناس".

بدأ السوريون ببناء حياة خاصة بهم في مصر. اندمجوا، بشكل سريع، في الشارع، وسهلت القرارات التي صدرت إبان تولي الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، أمورهم، بعد مطالبته بمعاملتهم معاملة المصريين؛ لهم ما للمصريين وعليهم ما على هؤلاء. انخرط أبناء السوريين في المدارس المصرية، وقدمت لهم جميع التسهيلات اللازمة، وتحولت مدينة السادس من أكتوبر، القريبة من القاهرة، إلى نموذج مصغر عن حياة سورية متكاملة، إذ لم يعد مستغرباً أن تسمع اللهجات السورية المختلفة في المدينة، التي يبلغ عدد ساكنيها قرابة مليوني نسمة، وافتتحت أسواق كاملة، ومخابز سورية.

تم كل ذلك من دون مضايقات تذكر، بل كان ثمة نوع من "غض البصر" عن بعض المخالفات التي قد يرتكبها سائق حافلة سوري، بسبب تعاطف الناس مع المأساة التي تشهدها بلاده، وظلت عبارة "أجدع ناس" تمثل ترحيباً متميزاً، يستطيع المصريون تقديمه لضيوفهم الذين "نوّروا مصر"... لكن كل ذلك تغير.

إرهابيون

بين ليلة وضحاها، انقلب المشهد كلياً، يقول أبو أحمد الدوماني، بائع سوري في مدينة أكتوبر: "لا نعرف ماذا فعلنا، أصبحوا يقولون لنا، أنتم جئتم لتدمروا بلدنا، ونحن جئنا هرباً من الموت". حدث هذا بعد الثالث من يوليو/تموز 2013.

قامت سلطات الانقلاب بحملة اعتقالات واسعة بحق السوريين، وخصوصاً بعد أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، في أغسطس/آب 2013، فيما كانت الأدوات الإعلامية للنظام الجديد تعمل، ليلاً ونهاراً، لتمزيق كل ما يمكن تمزيقه، ومرة أخرى كان يتوجب التخلص من السوريين وعلى عجل. يقول اللواء حسام سويلم، الذي يتم تعريفه بالخبير العسكري والاستراتيجي، في تعليق على إحدى القنوات الفضائية، إن من يحملون البنادق، ويطلقون النار على رجال الشرطة والجيش، هم من السوريين والفلسطينيين، ويستطرد قائلاً إنهم من جماعة "حماس"، ويرى سويلم أن وجود السوريين المنتمين بمعظمهم لـ"الجيش الحر" يشكل خطراً كبيراً على أمن مصر.

خلال تلك الفترة، كان عدد اللاجئين السوريين في مصر يقدر بحوالي نصف مليون، نصفهم تقريباً قام بالتسجيل في مكاتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وأما النصف الباقي فكانوا من أصحاب رؤوس الأموال، ممن أنشأوا أعمالهم الخاصة. عموماً، كانت غالبية السوريين في مصر تعتمد في معيشتها على عملها، وقسم قليل منهم فقط كان يتلقى الدعم الذي تقدمه الأمم المتحدة، وبعض الجمعيات الخيرية.

وصلت حملة التحريض الإعلامي ضد السوريين إلى مستوى مخيف، ما دفع الكثيرين منهم للبحث عن ملاذ آمن، فكانت تركيا وجهة مفضلة لهم، خصوصاً في ضوء التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الحكومة التركية، بينما فضّل البعض الآخر ركوب البحر، والمجازفة بحياته، لعله يجد على الضفة الأخرى الأمان الذي فقده في "أم الدنيا"، بعد أن تحول في عيون "نظام الانقلاب" لإرهابي، ولم يعد "أجدع ناس". 

هذا هو القانون

ذرفت مقدمة برامج سويدية الدموع بألم وهي تخاطب المتحدث بلسان وزارة الخارجية المصرية، بكر عبد العاطي. قالت له إن ما يحدث للسوريين في مصر أمر غير مقبول، لكن السفير اكتفى بإغلاق الهاتف، وانتهت المكالمة. استاء بعض الإعلاميين المصريين من تصرف عبد العاطي، لكن الأمر لم يتعدّ الاستياء الذي يمكن غفرانه فيما بعد، وأما أحوال الذين يفكرون بركوب البحر كل يوم، فلا يمكن تذكرها. كان عذر السفير المصري أن السوريين الذين تم ترحيلهم لا يملكون أوراق إقامة نظامية في مصر، فكيف يتم منحهم الإقامة في مصر؟

هناك أنواع عدة من الإقامة في مصر، لعل أشهرها تلك التي تمنح بسبب وجود أحد الأولاد في المدرسة، أو الإقامة السياحية، وبعد أن ضاقت المدارس الحكومية المصرية بالطلاب السوريين، ربما ليس بقرار رسمي لكن بقرارات فردية، أو مزاجية أحياناً تأثرت بشكل خاص بالتحريض الإعلامي، كان لزاماً على الأهالي تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة، ودفع الأقساط التي لا يستطيع بعضهم تحمّلها، لتبدأ بعدها سلسلة من المعاملات التي تمتد أسابيع وربما شهوراً، يتخللها فقدان وثيقة، أو ختم غير واضح، أو طابع غير قانوني، من دون مراعاة للحالة الاستثنائية التي يمر بها هؤلاء اللاجئون، أو تخصيصهم مثلاً بإقامة لا تكلّفهم أموالاً طائلة، وتضمن لهم البقاء آمنين من دون أن يكونوا "أجدع ناس"، ولا أن يكونوا "إرهابيين".

أحكام قضائية

قبل أقل من شهر، أصدرت إحدى المحاكم المصرية أحكاماً بالسجن على بعض الناشطين السوريين، وصلت إلى 15 عاماً، بتهمة قيامهم بـ"تعكير الأمن العام، وتخريب ممتلكات عامة". ويعود تاريخ تلك الحادثة، التي اتهم بها هؤلاء الناشطون، إلى البدايات الأولى للثورة السورية، حين هاجم بعضهم سفارة النظام السوري في حي "غاردن سيتي" في القاهرة، وقاموا بتحطيم بعض ممتلكات السفارة، في ردة فعل على المجازر التي ترتكبها قوات النظام.

يخشى الكثير من السوريين أن يكون ثمة تنسيق أمني بين النظام السوري والسلطات المصرية، وخصوصاً بعد أن اعتبر إعلام النظام السوري أن انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، هو بمثابة انتصار له على ما يسميه "الإرهاب"، وقد بدأ الكثيرون منهم فعلاً يبحثون عن وجهات أخرى تكون أكثر أمناً، ولا يواجهون فيها هذه التهمة، هم لا يريدون أن يكونوا "أجدع ناس" ولكنهم أناس يريدون العيش ببساطة... ومن دون أن يكونوا"إرهابيين".