النكسة والنظام السوري والجولان المحتل: لا حدود للتجارة السياسية

النكسة والنظام السوري والجولان المحتل: لا حدود للتجارة السياسية

العربي الجديد

العربي الجديد
05 يونيو 2014
+ الخط -

كانت سورية ولا تزال، جزءاً أساسياً من "نكسة" العام 1967 من خلال جولانها المحتل. جولانٌ، تختصر "استراتيجية" دمشق إزاءه، حقيقة الموقف السوري الرسمي من فلسطين ومن الاحتلال، على قاعدة أنهما ورقة مساومة وتفاوض لضمان استمرار النظام.
ويكتفي النظام السوري بإقامة احتفال سنوي يقتصر على فعاليات أهالي محافظة القنيطرة بذكرى "النكسة". وغالباً ما يكون الاحتفال في موقع عين التينة، وهو تلة تقع مقابل قرية مجدل شمس المحتلة، يفصل بينهما وادٍ صار يُعرف بـ"وادي الصراخ"، لأن أبناء الجولان في قسمه المحرر والمحتل، يتواصلون عبره بمكبرات الصوت.

ولا تسمح حواجز الأمن السوري للمواطنين السوريين من غير أبناء هذه المحافظة بالوصول الى مناطق الجولان المحررة أو مركزها مدينة القنيطرة المدمرة، والتي حافظ النظام عليها كذلك لتبقى شاهداً على "همجية الكيان الصهيوني" بحسب المصطلح المعتمَد من قبل اعلام النظام الذي يتسوّل المساعدات على حساب الجولان المحتل، ويبقى من دون سكانه، وبالتالي منطقة عازلة بينه وبين إسرائيل يستحيل نشوء حركة مقاومة فيه، كما يردد معارضوه.

حاول الرئيس بشار الاسد تغيير هذه المعادلة، فوسع طريق دمشق ــ القنيطرة، وسماه "اتوستراد السلام"، ووعد بإعادة اعمار القنيطرة، وبدأ بترخيص متنزهات ومنتجعات بموازاة دخوله في مفاوضات غير مباشرة ومباشرة مع إسرائيل. وأبرز الجولات كانت تلك التي عقدت برعاية تركية عام 2008، وقبلها كانت هناك الكثير من اللقاءات السرية كما اتضح لاحقاً. ويمكن رصد لقاءات بين شقيق الرئيس، ماهر الأسد، ومسؤولين إسرائيليين في الأردن، وأيضاً التذكير بجهود رجل الاعمال السوري ــ الأميركي، إبراهيم سليمان، المقرب من رجل النظام البارز محمد ناصيف، والذي توصل الى فكرة تحويل الجولان الى "حديقة سلام".

وتنسف "حديقة السلام" هذه، مزاعم الأسد الأب التي تفيد بأنه يريد "استعادة كامل الجولان أرضاً وهواءً ومياهً"، وأن "يصطاد على شاطئ طبرية" كما كان يفعل أيام صباه، إذ ستكون حديقة مفتوحة للسياحة بإشراف سوري، لا حاجة الى تأشيرة لدخول الحديقة من إسرائيل، بينما يكون على السوريين دفع رسوم رمزية ولمدة يوم واحد خلال ساعات النهار، وعبر نقاط تفتيش إسرائيلية. 

ذكرى النكسة 2011 برعاية أمنية

اليوم الوحيد الذي يسمح فيه النظام لأي مواطن سوري بالوصول الى موقع عين التينة، هو يوم عيد الجلاء في 17 أبريل/نيسان، "ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية"، وهو تقليد حرصت قوى اليسار السوري على إحيائه في كل عام، ومنها أطلق الفنان الملتزم سميح شقير اغنيته "يا الجولان يلّي ما تهون علينا".

بعد انطلاقة الثورة السورية، لم يسمح الأمن السوري بإقامة احتفال الجلاء في الجولان، حتى أنه لم يقم احتفالاً في المركز الثقافي بالقنيطرة، كما يفعل بمناسبات أقل شأناً.

لكن النظام، على غير عادته، سمح في العام 2011، لجموع كبيرة من السوريين والفلسطينيين بمشاركة فصائل فلسطينية موالية له، بالوصول الى موقع عين التينة ومعابر مدينة القنيطرة في ذكرى النكبة، ولاحقاً بذكرى النكسة. واستطاع الشباب المتحمس من عبور الوديان وقطع الأسلاك الشائكة والوصول الى المناطق المحتلة، والبقاء لساعات في قرية مجدل شمس. كما استطاع ثلاثة شبان فلسطينيين وصبية فلسطينية إكمال طريقهم الى فلسطين المحتلة، حتى قام الجيش الإسرائيلي باعتقالهم وتسليمهم بعد يومين الى الامن السوري. وكانت المفارقة أن هؤلاء اعتقلهم الامن السوري لحوالي أسبوع، قبل أن يطلق سراحهم ويحتفل بعودتهم.

وبنى النظام السوري هذه الخطة التي أشرف على تنفيذها رئيس مكتب الامن القومي، اللواء هشام الاختيار، والذي قُتل لاحقاً بانفجار الامن القومي، على استراتيجية قديمة ــ جديدة، وهي اعتبار قضيتي الجولان وفلسطين ورقة تفاوض مع الغرب وإسرائيل، وشمّاعة يعلق عليهما تأخر التنمية والمشكلات الاقتصادية والسياسية الداخلية. سياسة أعلن عنها النظام فور ضياع الجولان في الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، إذ اعتبر أنه لم يهزم لأن اسرائيل لم تستطع إسقاط النظام البعثي في دمشق.

وبالتالي، وباستثناء "حرب تشرين" 1973، لم تكن هناك مواجهات على هذه الجبهة بين الجيش السوري وقوات الاحتلال رغم كل الاستفزازات التي مارستها إسرائيل، والتي زادت وتيرتها مع وصول بشار الأسد للرئاسة عام 2000. وأبرز تلك الهجمات الإسرائيلية تجسدت بقصف مراكز سورية، منها مركز تدريب للجبهة الشعبية –القيادة العامة في عين الصاحب بريف دمشق، والتحليق فوق قصر الأسد في اللاذقية، وتدمير موقع "الكبر" بدير الزور، وأخيراً قصف الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري بجبل قاسيون عام 2012، فضلاً عن القيام ببعض الاغتيالات التي ينسبها النظام للكيان الصهيوني، مثل قتل القيادي في حزب الله عماد مغنية، والمسؤول العسكري لحركة "حماس" في سورية، عبد الرزاق الحاج خليل، ومسؤول المكتب العسكري برئاسة الجمهورية، العميد محمد سليمان.

لكن هذه السياسة تجلّت بشكل سافر بعد الثورة السورية، عندما صرّح ابن خال الرئيس، رجل المال في النظام، رامي مخلوف، بأن "أمن إسرائيل من أمن النظام". وحاول النظام إيصال هذه الرسالة من خلال السماح للآلاف من الشباب السوري والفلسطيني بعبور الاسلاك الشائكة في الجولان، والتي حماها لعقود طويلة، وأيضاً من خلال اعلانات غير جادة عن قيام جبهات فلسطينية وسورية للمقاومة في الجولان.

يختصر ما فعله النظام السوري في ذكرى النكبة، وكرره بذكرى النكسة، حقيقة موقفه من قضية فلسطين وقضية الجولان، إذ لم ينفك، منذ احتل الكيان الصهيوني الجولان، عن المطالبة بعودة الجولان كاملاً، ولكنه لم يفعل شئياً سوى إقامة مهرجانات الكلام. وعندما أطلق الرصاص، أطلقه على أبناء الجولان الثائرين، كما غيرهم من السوريين. 

دلالات

ذات صلة

الصورة
القنيطرة/Getty

أخبار

أعلن النظام السوري، فجر الأحد، "التصدي لعدوان صهيوني"، في جنوب غرب دمشق والقنيطرة، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود وإصابة 7 آخرين، بينما اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف عدد من "الأهداف العسكرية داخل سورية"، من دون أن يشير لوقوع خسائر بشرية.
الصورة
قصف النظام على القنيطرة/Getty

سياسة

ارتفع، عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في المجزرة التي ارتكبتها قوات النظام السوري والمليشيات الموالية له مساء أمس الثلاثاء في مدينة نوى بريف درعا، إلى 19 قتيلا، في وقت جدد النظام قصفه الجوي الذي يستهدف محافظة القنيطرة.
الصورة
القنيطرة/ مرتفعات الجولان/ نازحون/ فرانس برس

سياسة

توجه عشرات المُهجرين نتيجة قصف النظام لبلداتهم وقراهم في ريفي درعا والقنيطرة، نحو الحدود مع الجولان المحتل، لكنهم عادوا أدراجهم لاحقاً، بعد تحذير جيش الاحتلال الإسرائيلي لهم من الاقتراب نحو الحدود.
الصورة
سورية/سياسة/15/7/2018

سياسة

وجهت قوات النظام السوري، المدعومة من الروس، آلتها العسكرية التدميرية باتجاه مناطق في ريف القنيطرة، في أحدث مرحلة من الهجوم لإنهاء وجود قوات المعارضة في الجنوب السوري، فيما انطلقت حافلات التهجير إلى إدلب.

المساهمون