ذكرى استقلال إرتريا... مَن يوقف الانزلاق نحو الهاوية؟

ذكرى استقلال إرتريا... مَن يوقف الانزلاق نحو الهاوية؟

24 مايو 2014
إرتريات يطالبن بإنهاء الحرب مع إثيوبيا في 2005 (getty)
+ الخط -

تحلُّ اليوم، الذكرى الثالثة والعشرين لتحرير كامل التراب الإرتري، وإعلان الاستقلال بعد ثورة امتدّت ثلاثين عاماً.
كانت إرتريا منضوية تحت الاستعمار الإيطالي بين عامي 1890 و1941، ثم وُضعت تحت الانتداب البريطاني لما يقرب من عشرة أعوام في أعقاب هزيمة الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية، وذلك في الفترة بين عامي 1941 و1952. بعد خروج البريطانيين من إرتريا، تم ربطها بإثيوبيا عبر اتحاد كونفيدرالي من العام 1952 وإلى لحظة انطلاق الثورة الإرترية المسلحة بقيادة القائد إدريس حامد عواتي عام 1961. وبهذا، تشكّلت "جبهة التحرير الإرترية" التي كان لها فضل السبق في النضال قبل أن تتقهقر لصالح "الجبهة الشعبية"، الحاكمة اليوم.
تحرير كامل التراب الإرتري كان في مثل هذا اليوم من العام 1991، أعقبه تنظيم استفتاء شعبي تحت إشراف الأمم المتحدة انتهى بإعلان الاستقلال عام 1993.

منذ إعلان الاستقلال، انشغلت دوائر الدولة في الإعداد للانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. وكان قد سبق ذلك، إقامة الحزب الحاكم (الجبهة الشعبية)، والذي تأسس في سبتمبر/ أيلول 1975، مؤتمره الأول عقب الاستقلال، والثالث في تاريخه، وجرى خلاله تغيير مسمّاه إلى "حزب الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة"، اتّساقاً مع التوجهات العامة التي تحدد مسار الدولة الجديدة، إذ كان الخطاب العام للحزب يتبنى ضرورة المضيّ قدماً بالدولة الوليدة نحو الديموقراطية، ومن أجل ذلك تم تشكيل حكومة انتقالية في إبريل/ نيسان 1994، مهمتها تعبيد الطريق من أجل الهدف المنشود.
وبحسب روزنامة الحكومة المؤقتة، كان الشعب الإرتري على موعد مع الانتقال إلى المرحلة الديموقراطية بحلول العام 1997، والذي من المفترض أن يشهد انتهاء فترة الحكومة المؤقتة، وبدء العمل بالدستور وعقد انتخابات على كل المستويات.
غير أن هذا العام شهد إرهاصات أزمة إرترية ـ إثيوبية، سرعان ما تطورت في العام الذي تلاه إلى حرب طاحنة، كانت ولا تزال المبرر الأول لتجميد العمل بكل استحقاقات التحول الديموقراطي، ما أدى في النهاية إلى استمرار الحكومة المؤقتة برئاسة أسياس أفورقي منذ إعلان الاستقلال وحتى يومنا هذا.
وبحسب تسريبات "ويكيليكس"، فإنّ سبب الحرب الإرترية ـ الإثيوبية، التي ذهب ضحيتها عشرات آلاف الإرتريين، كان خلافاً شخصياً بين الرئيس أسياس أفورقي ونظيره الإثيوبي آنذاك ملّس زيناوي.
غير أن المعارضة الإرترية المقيمة في الخارج، تضيف أسباباً أخرى لتلك الحرب التي حرفت بوصلة البلاد.
وتضيف المعارضة الإرترية أن أسياس، أراد أيضاً من خلاله حربه مع إثيوبيا، التخلص من كبار قادة النضال الذين يتمتعون بشعبية كبيرة من شأنها أن تمثّل تهديداً لبقائه في سدة الحكم. وقد شهدت السنوات الماضية مقتل عدد كبير منهم، لا يزال الغموض يكتنف طريقة مقتل معظمهم.

بلد الانتهاكات

منذ الأيام الأولى للاستقلال، جرت عمليات اعتقال واسعة في أوساط الإسلاميين، وصلت ذروتها عام 1994، الذي شهد اختفاء عشرات المعلمين الدينيين من مدن عدة أبرزها قندع، وسط صمت طبقة المثقفين. كما شهدت إرتريا حملة اعتقالات أخرى لناشطين من أقليات دينية مسيحية.
الموجة الثانية لحملة الاعتقالات كانت في أعقاب الحرب الإرترية ـ الإثيوبية (1998 ـ 2000)، والتي طالت أعضاء بارزين في حزب الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة على خلفية مطالبتهم بالعودة الى المسار الديموقراطي، قبل أن تتّسع الدائرة لتشمل مثقفين وإعلاميين. امتلأت السجون بمعتقلي الرأي، عبر اعتقالات خارج نطاق القانون، وإخفاء قسري، وسجن من دون محاكمات، وتعذيب، وحجب مكان الاعتقال وسببه عن ذوي المعتقلين، وفق بيانات عدة لأبرز منظمات حقوق الإنسان في العالم.
هذا التوجه الأحادي، خلق واقعا كئيباً لحرية التعبير، فتذيّلت إرتريا ترتيب دول العالم في حرية الصحافة، وفق "منظمة مراسلون بلا حدود"، ومردّ ذلك تحديداً إلى إغلاق الصحف والإذاعات المستقلة في العام 2001، واعتقال عشرات الصحافيين، وطرد وسائل الإعلام الأجنبية، والإبقاء على تلفزيون واحد، وإذاعة واحدة وصحيفة واحدة، جميعها تتحدث باسم الحزب الحاكم.

دولة فاشلة

يعاني الاقتصاد الإرتري من وضع كارثي يرشّح البلاد لتكون دولة فاشلة، وفق تقرير لـ"مجموعة الأزمات الدولية" صدر أواخر العام 2010، وذلك بسبب تضافر عوامل عدة، أهمها الفشل في جذب الاستثمارات الأجنبية لانعدام الاستقرار، وسيطرة شركات الحزب على مفاصل الاقتصاد في البلاد. يضاف إلى ذلك الجفاف الذي يضرب أجزاء من البلاد تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة والثروة الحيوانية وسط تكتّم رسمي. كما أن قطاع التعدين الواعد في البلاد، يعاني من عقبات تتمثل في حالة الحرج التي تنتاب الشركات الكندية والأسترالية العاملة فيه، بسبب سجل حقوق الإنسان في إرتريا.


لكن أبرز عامل في تدهور وضع الاقتصاد الإرتري، هو الإنفاق الكبير على الجيش. فإرتريا من أكثر دول العالم إنفاقاً على التسلّح مقارنة بحجم إجمالي ناتجها المحلي، فقد بلغ الإنفاق في العام 2009، أي بعد تسعة أعوام م

ن انتهاء الحرب مع إثيوبيا، 250 مليون دولار، وفق دراسة لمركز دراسات القرن الأفريقي. كما تحتل إرتريا المرتبة الثالثة عالمياً من حيث عدد المنضوين في الجيش، نسبة إلى عدد السكان، فهو يتألف من 370.000 جندي من أصل خمسة ملايين نسمة، وفقاً لتقرير المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية.
أمام هذا الوضع الاقتصادي المزري، لم يبقَ أمام النظام الإرتري سوى الضرائب المفروضة على الإرتريين في الخارج، والذين لا يملكون جواز سفر دولة أخرى، أو المرتبطين بمصالح في الداخل.

عزلة شاملة

كان من اللافت أن إرتريا، وبمجرد نيل الاستقلال، دخلت في حروب ونزاعات مسلحة مع كل جيرانها. فهي خاضت حرباً مع إثيوبيا، وأخرى مع جيبوتي، ودخلت نزاعاً مسلحاً مع اليمن حول جزر حنيش، وتورطت في مناوشات عسكرية مع السودان، كما غذّت صراعات في كل من الصومال والسودان واليمن.
عربياً، كان ديدن النظام هو التقليل من أهمية العلاقة مع الدول العربية. وشهدت علاقة إرتريا بالاتحاد الاوروبي توتراً في أعقاب اعتقال عدد من الوزراء وقادة الحزب، تطورت الى طرد السفير الايطالي في فبراير/ شباط 2002.
كما جُمّدت عضوية إرتريا في منظمة "الإيقاد"، وفرضت الأمم المتحدة عقوبات على أسمرا بسبب دورها في إذكاء النزاع في الصومال. كل ذلك وضع النظام الإرتري في عزلة شاملة.

نزيف مستمر

إرتريا من أكثر الدول تصديراً للاجئين من دون أسباب مباشرة، كالحرب أو الكوارث الطبيعية؛ فعلى حدودها مع السودان، تتمدّد مخيمات يقطنها نحو نصف مليون لاجئ إرتري. وفي إثيوبيا مخيمات أخرى، كما تشهد اليمن أحوالاً سيئة لأعداد ليست بالقليلة من اللاجئين الإرتريين، بينما لا تكاد تمر فاجعة إنسانية من غرق في عرض البحر أو موت بالعطش في متاهات الصحراء، إلا يكون من بين الضحايا إرتريون.
هذا النزيف المستمر للخزان البشري الإرتري، ومعظمه من الشباب، أدى إلى نشوء مجتمعات إرترية كاملة في دول الشتات، وخصوصاً في السودان التي يسكن مدنها المختلفة نحو مليون إرتري، إضافة إلى دول أوروبا وأميركا وأستراليا. ولعل أبرز عامل في استمرار ظاهرة الهرب من إرتريا، هو التجنيد الإجباري من دون أمد، وفي ظل ظروف معيشية صعبة. فقد جرى أخيراً خفض سن التجنيد إلى ما دون الثامنة عشرة، ورفع سن التسريح إلى قرابة الستين.
أمام هذه المعطيات، تبدو الدولة الإرترية تسير بسرعة مضطردة نحو المجهول، وليس معلوماً ما إذا كان بمقدور النظام الإرتري تدارك الأمر وإعادة البلاد إلى المسار الطبيعي من جديد، أم أن أوان التصحيح قد فات.