دحلان ومخيمات لبنان: استثمار سياسي وهجرة مشبوهة وشراء ولاءات

دحلان ومخيمات لبنان: استثمار سياسي وهجرة مشبوهة وشراء ولاءات

15 مايو 2014
ظروف حياة قاسية في المخيمات (أنور عمرو/فرانس برس/getty)
+ الخط -

يتردّد في الفترة الأخيرة اسم، محمد دحلان، كثيراً في المخيمات الفلسطينية في لبنان. تحوّل المسؤول الفتحاوي المطرود من الحركة، والمقيم في الامارات حيث يتمتع بنفوذ كبير، من شخص منبوذ إلى شخصيّة مرحّب بها في هذه المخيمات. تكفّلت الأموال التي توزَّع باسمه في تلميع صورته. اعتمد دحلان، سياسة ذكية في الدخول إلى مخيمات لبنان.

ويُنقَل عن السفير الفلسطيني أشرف دبور، قوله عن دحلان إنه "يمسكنا بالكتف التي توجعنا"، في إشارة إلى قدراته المالية الكبيرة. هذه "الكتف" لا توجع السلطة الوطنيّة وفصائلها فحسب، بل الفصائل الفلسطينيّة كافة. فالوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، يدفعهم الى التعلق بأي مساعدة تأتي من دون السؤال عن مصدرها أو هدفها السياسي. "كيف يُمكن لمن لا يملك ما يُطعم أولاده به، أن يرفض مساعدةً مالية؟"، يتساءل أحد المسؤولين الفلسطينيّين في لبنان، في إشارة إلى عدم قدرة هؤلاء على مواجهة عمل دحلان.

تشير مصادر "العربي الجديد" إلى أن دحلان يعمل في لبنان عبر ثلاث جمعيات غير حكومية، وهي حسب مصادر فلسطينية "مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان"، جمعية "فتا" التي تُديرها جليلة دحلان (زوجة محمد دحلان)، ومؤسسة "بيرسو" البريطانيّة التي يُديرها في لبنان إدوار كتورة، وهو مسؤول فلسطيني سبق أن عمل في السفارة الفلسطينيّة في لبنان، قبل أن يتركها بعد خلاف مع قيادة "فتح".

وزّعت "مؤسسة خليفة بن زايد" آلاف الحصص الغذائيّة في المخيمات الفلسطينيّة، وخصوصاً للاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان. أمّا جمعيّة "فتا"، فتقوم بأعمال تنموية ودعم مشاريع شبابيّة. وبالنسبة لمؤسسة "بيرسو"، فإنها تنفذ أعمالاً تنموية وبنى تحتيّة في مختلف المخيمات، وقد وصل عدد المشاريع التي نفذتها إلى 85 مشروعاً، حسب كتورة. وباتت هذه المؤسسة تُنافس السلطة الوطنية الفلسطينيّة في حجم ونوع المشاريع.

ينفي كتورة، لـ"العربي الجديد" أن تكون مؤسسة "بيرسو" مرتبطة بدحلان، "هم يتهموننا بذلك، حتى يحصلوا على تمويل أكبر من الرئيس (محمود عباس) إذ يقولون له، إنهم يُحاربون دحلان، لكن "بيرسو" جمعية دوليّة تعمل في لبنان منذ أكثر من خمس سنوات". لكن عموم اللاجئين الفلسطينيين يربطون عمل كتورة، بدحلان.

يهدف دحلان، من خلال عمله هذا، إلى خلق وجود سياسي وشعبي له في المخيمات الفلسطينيّة، "تمهيداً لعرقلة أي اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس، والتحضير لمشروعه السياسي إذ يرغب الرجل في الترشح لرئاسة السلطة الفلسطينيّة"، حسب ما تقول مصادر فلسطينيّة متابعة لعمل دحلان، في لبنان. وتُضيف هذه المصادر أن دحلان، يُركّز عمله في المخيمات "الهادئة"، مثل مخيم البداوي في طرابلس (شمالي لبنان)، ومخيم المية ومية في صيدا (جنوبي لبنان).

جمع المطرودين

وتمكّن دحلان، من خلق شارع متعاون معه. وقد ضم لحراكه هذا، معظم المفصولين من تنظيماتهم. محمود عيسى، الملقب بـ"اللينو" أهم هؤلاء. يملك الرجل وجوداً عسكرياً مهماً في مخيم عين الحلوة، الذي يُسمى "عاصمة الشتات" كونه أكبر المخيمات في لبنان. وقبل فصله من حركة "فتح"، شغل "اللينو" منصب نائب قائد الامن الوطني الفلسطيني في لبنان. وإلى جانب قوته العسكرية، لا يزال يتمتع بصلات ممتازة بالأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة. وصل الأمر بالمدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، أن هدّد الفصائل الفلسطينيّة، في أحد الاجتماعات، بالتنسيق مع آخرين (في إشارة إلى اللينو ومن خلفه دحلان) في حال عجزوا عن ضبط الوضع الأمني في المخيمات. وفي حادثة ثانية تدلّ على "قوة" دحلان في لبنان، منع الأمن العام اللبناني زوجته جليلة، من دخول الأراضي اللبنانيّة في أكتوبر/تشرين الأول 2013. وبعد فترة، عادت جليلة، إلى لبنان واستقبلها عباس إبراهيم، نفسه. وأشارت مصادر معنيّة، إلى أن جهات إماراتيّة طلبت من الرئيس اللبناني، ميشال سليمان، رفع منع دخول جليلة، إلى لبنان.

يُعتبر "اللينو" حجر الأساس في عمل دحلان في لبنان. يتعاون بشكلٍ كامل مع كتورة، الذي يملك شبكة علاقات واسعة بالشباب في المخيمات الفلسطينية. يؤكّد كتورة، نفسه هذا الأمر، مشيراً إلى أن هذه العلاقات بالشباب سمحت له ولمؤسسة "بيرسو" بالاستمرار في العمل على الرغم من الحظر الذي يفرضه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، على نشاط الجمعيّة.

وفي مخيم "المية ومية"، شكلت كتائب "شهداء العودة" مجموعة عسكريّة تدين بالولاء الكامل لدحلان. لكن في منتصف شهر أبريل/نيسان، استطاع تنظيم "أنصار الله" المقرب من "حزب الله" اللبناني، القضاء نهائياً على هذه الكتائب، وقتل في اشتباك لم يدم لأكثر من ساعة، أحمد رشيد، قائد هذه الكتائب ومساعديه. تركت هذه الحادثة أثراً كبيراً على عمل دحلان في لبنان، إذ انفضّ عنه بعض المؤيدين خوفاً من مصير مشابه.

"هجرة مشبوهة"

ومن أكثر النشاطات التي يُتّهم دحلان، بالوقوف خلفها، حملة شبابيّة تدعو الى الهجرة من لبنان. ترفع هذه الحملة المطالب التقليديّة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مثل حق العمل والتملك ورفع القيود الأمنيّة عن المخيمات وغيرها من المطالب. لكن طريقة عرضها، أي عبر مطالبة الدول الغربية بفتح باب الهجرة، "يضرب حق العودة"، حسب ما يقول أحد المسؤولين الفلسطينيين عن ملف اللاجئين في أحد الفصائل الأساسية. يتابع المسؤول مؤكداً "لسنا ضد أن يُهاجر أفراد فلسطينيون بهدف تحسين ظروف حياتهم، لكن هذا لا يُمكن أن يكون من خلال حملة تؤدي إلى فقدان حق العودة". ويصف هذه الحملة بـ"كلام حق يُراد به باطل". اللافت أن هذه الحملة، بدأت بالتزامن مع خطة وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، للسلام في المنطقة. وحسب كتورة، فإن هذه الحملة بدأت "بمزحة" على صفحات "فيسبوك"، ثم تبناها أحد رجال الدين المفصولين من حركة المقاومة الإسلامية، "حماس"، وآخر مفصول من "الجبهة الشعبية"، وثالث لا يزال على رأس عمله في "الجبهة الشعبية ــ القيادة العامّة"، فحوّلت إلى حملة.

لا يُنكر المقربون من دحلان في لبنان، أن معركة الأخير الأساسيّة هي ضد تنظيم "الإخوان المسلمين". يقول هؤلاء علناً، إن عمل دحلان، في قطاع غزة، سمح له بتكوين مخزون معلوماتي عن التنظيم وطريقة عمله. ولذلك يُعَدّ دحلان، أساسياً في المحور الإماراتيّ الذي يفتح جبهات، من فلسطين ومخيمات الشتات إلى مصر والداخل الإماراتي. ولتحقيق هدفه، لا بد من خلق حضور سياسي وشعبي له داخل مخيمات الشتات وفي الأراضي المحتلة.