الضاحية الجنوبيّة: قلق أقوى من التفجيرات

الضاحية الجنوبيّة: قلق أقوى من التفجيرات

بيروت

نادر فوز

avata
نادر فوز
10 مايو 2014
+ الخط -

نُصبت في حارة حريك (في الضاحية الجنوبية لبيروت)، خيامٌ للتسوّق. خيامٌ مختلفة عن تلك التي تُنصب عادة بعد كل انفجار. وُضعت على جانب الطريق ألعاب للأطفال، ليس فيها أسلحة ولا بنادق بلاستيكية؛ أما الأناشيد التي علت في المكان، فقد هلّلت لانتصارات حزب الله على إسرائيل وبشّرت الحاضرين بانتصار جديد في سورية.

حضرت الفرحة قليلاً إلى هذا الشارع بعد طول غياب، على الرغم من صور الشهداء المعلّقة في كل فسحة ممكنة، وعند كل باب. جاء الناس بالعشرات، وربما بالمئات، للمشاركة في نشاط نظمته بلدية حارة حريك للتسوّق. فرح التجّار بهذه الزحمة الخفيفة التي غابت عن شارعهم منذ أشهر.

يعترف الجميع هنا أنّ المنطقة ماتت اقتصادياً منذ انطلاق مرحلة التفجيرات التي استهدفت الضاحية (بدأت في يوليو/ تموز 2013). تحاول البلدية، بعد طول انتظار، ضخّ القليل من الهواء في جسد اقتصادي مات سريرياً منذ تسعة أشهر. خفّ العبء الأمني قليلاً على الحزب وناسه، لكن الأمور لم تعد إلى طبيعتها بعد في الضاحية الجنوبية لبيروت.

هنا، الخزان البشري والسياسي لحزب الله، الذي لا يزال يعيش تحت هاجس التفجير. أهل الضاحية، جزء كبير منهم ملّ من هذه الحالة. منهم مَن قرّر الخروج منها، ومنهم مَن تركها مؤقتاً، بحثاً عن مكان أكثر استقراراً على مختلف الصعد.

مضت ثلاثة أشهر على التفجير الأخير الذي استهدف الضاحية (تفجير المستشارية الإيرانية في فبراير/ شباط 2014)، لكن القلق يبقى على حاله. ابتعد الانتحاريون عن هذا المكان وانشغلوا أخيراً بمناطق أخرى. هاجموا الهرمل واللبوة والعين (البقاع، شرقي لبنان)، إلا أنّ الضاحية لم تعد إلى طبيعتها بعد.

قد تكون الخطط الأمنية التي وضعت لبيروت والبقاع والشمال، ساعدت في إبعاد كأس التفجيرات عن الضاحية. وقد يكون الحلّ السياسي الذي وُلد بين حزب الله وتيار المستقبل (من خلال تشكيل الحكومة، ومن خلال إطلاق التفاهم الأمني بين الطرفين) ساهم في تجنيب المنطقة المزيد من الضحايا والدماء.

وربما كان للسيطرة العسكرية لجنود الحزب والنظام السوري على منطقة القلمون، دوراً في تبريد الجبهة الداخلية، وأولها جبهة الضاحية. كل هذا حصل، فغابت التفجيرات لكن شبح مرتكبيها لا يزال قابعاً في عقول الناس هنا. تنقص المنطقة استعادة الكثير من ميّزاتها السابقة، كحيويّتها الشعبية والاقتصادية، فالإجراءات الأمنية الخاصة بالضاحية مستمرة.

هذا هو المربع الأمني الخاص بحزب الله، الذي عجزت إسرائيل عن اختراقه طوال عقد من المقاومة بين أعوام 1990 و2000. وكان هذا المكان خزّان الحزب البشري في حرب يوليو/ تموز 2006، التي دمّرته إسرائيل أيضاً. هذه المنطقة كانت مثالاً للأمن، وإذ بها تتحوّل إلى منطقة محاصرة بالحواجز والإجراءات الأمنية. سكان الضاحية الجنوبية ملّوا من الإجراءات في الداخل والخارج. ينتظرون بين ثلاثين وأربعين دقيقة لاجتياز كل حاجز. تماماً كما يفعل الانتحاريون. الإجراءات على حالها منذ ثمانية أشهر (بدأ تطبيق الخطة الأمنية في الضاحية في سبتمبر/ أيلول 2013). تعب الناس على حاله.

باتت الطرقات الرئيسية فيها محصنة بجدران من الإسمنت المصفّح على جانبي الطريق، كما في بغداد أو الموصل. تمرّ السيارة بين صفائح الـ"نيو جيرسي"، كأنّ الماضي في سبيله يمرّ في سرداب سرّي، أو في خندق بمحاذاة الحدود مع العدو. وأي عدو؟ ذلك الآتي بسيارة مفخخة وبحزام ناسف، من دون بارجة في عرض البحر ولا طائرة بدون طيار.

لم تعد إسرائيل المستهدِف، ولم تعد صواريخها ما يهدّد هذا المكان. الحرب السابقة كان لها أساسها وأصولها، حلوها ومرّها. أما اليوم فالقاتل يتجوّل بين ضحاياه. في لحظة هو واحد منهم وفي أخرى هو صيّاد أرواحهم.

مسؤولو حزب الله، بعيداً عن خطابات الحماسة والقوة والتجييش والحشد لأمينهم العام، باتوا يشعرون مع أهلهم وناسهم. يقولون وبصراحة إنه "ليس الرعب ما يساور أبناء الضاحية بفعل السيارات المفخخة، بل القلق". يؤكدون أنّ هذا الشعور خفّ تدريجياً مع الوقت بفعل توقّف العمليات الأمنية، بفعل "سقوط يبرود" و"تحرير القلمون" والقضاء على "الجماعات التكفيرية القادمة من خلف الحدود"، كما يرددون. خفّ القلق لكن الحذر لا يزال موجوداً، وربما باقٍ إلى حين انتهاء الحرب في سورية. ربما بانسحاب الحزب منها؟

تريح مستجدات الساحة السورية حزب الله. قوات النظام السوري مستمرة في التقدم، وكذلك فرق الحزب العسكرية. وبفعل هذه "الانتصارات المتتالية، وضع النظام يتحسّن وواقع المفاوضات معه يتغيّر". لم يغيّر مسؤولو الحزب القناعة القائلة إنّ "الميدان في سورية هو ما يحسم أي اتفاق أو معادلة". يتحكم الميدان بالمفاوضات، ويسيطر على فرضياتها، وله الكلمة الأخيرة في فرض أي اتفاق أو الخضوع له. هذا ما يراهنون عليه.

كل هذه "الانتصارات" التي يتحدث عنها مسؤولو الحزب خارج الحدود اللبنانية، لم تنجح بعد في إعادة الحياة إلى منطقة نفوذ حزب الله. فلافتات "للإيجار" أو "للبيع" تتوزّع على محال ومستودعات شوارع الضاحية الجنوبية. يمكن ملاحظة ذلك بلا جهد ولا بحث. ففي أبرز مناطق الضاحية وأسواقها، تراجعت الحركة الاقتصادية بنسبة تراوح بين 50 و60 في المئة. وسُجّل إقفال أكثر من مئتي محل تجاري في المنطقة خلال الأشهر التسعة الماضية.

ويتضاعف العدد بالنسبة للأفراد الذين خسروا وظائفهم في محال الألبسة أو المطاعم وغيرها. وتحتلّ إعلانات "الحسومات" الواجهات، منها ما هو "تصفيات نهائية" ومنها ما يعلن خفض الأسعار "70 في المئة". مسؤولون في بلديات المنطقة يؤكدون أنّ الركود الاقتصادي "لا يطال الضاحية فقط، بل يتعدّاه إلى كل البلد". لكن أيّاً من الشوارع الشعبية في لبنان لم يتأثر بهذه النسب وبهذه الأرقام. عالج حزب الله مشكلة "الجيش الحرّ" في القصير، وهزم "النصرة" و"داعش" في القلمون، إلا أنه لم يجد بعد علاجاً لثقة ناسه بعودة الاستقرار إلى منطقة نفوذه. وقد يكون هذا التحدّي أشدّ من مواجهة عسكرية، إذ يضرب قلب الحزب وقالبه.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحت عنوان: "لاقينا عالحارة وتسوّق بشطارة"، نظّم اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، مهرجاناً للتسوّق، يومي الخميس والجمعة، في شارع "الشورى" في منطقة حارة حريك (المقر السابق لقيادة حزب الله والمعروف بالمربع الأمني). ويهدف المهرجان، بحسب المنظمين، إلى إحياء الحياة الاقتصادية في الضاحية، والتي تراجعت بشكل كبير بعد سلسلة التفجيرات الانتحارية التي استهدفت المنطقة.

ذات صلة

الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة
عاشت حلب 1980 اقسى ايام حياتها.

سياسة

يتابع النقابي والسجين السياسي السوري غسان النجار رواية فصول من قتل المجتمع في سورية، حيث يكشف أنه وزملاؤه لم يحاكموا طلية السنوات التي قضاها في السجن.
الصورة
بات شغوفاً بعمله (العربي الجديد)

مجتمع

أراد ابن جنوب لبنان محمد نعمان نصيف التغلب على الوجع الذي سببته قذائف وشظايا العدو الإسرائيلي على مدى أعوام طويلة فحولها إلى تحف فنية.
الصورة
يوسف سلامة (1946-2024)

ثقافة

رحل أستاذ الفلسفة المعاصرة والباحث الفلسطيني السوري يوسف سلامة (1946 – 2024)، أمس الاثنين، في مدينة مالمو السويدية.