قصّة "أبو غريب": نهاية ستة عقود وتسعة حكّام

قصّة "أبو غريب": نهاية ستة عقود وتسعة حكّام

16 ابريل 2014
ينتظرون إطلاق سراحهم من "أبو غريب" في 2006 (getty)
+ الخط -

 انتهى حراس سجن أبو غريب، اليوم الثلاثاء، من جمع آخر ما تبقى من أدوات التعذيب وانتزاع الاعترافات، بينما فككت آخر ثلاث مقاصل للإعدام من اصل تسعة يمكن للمنازل القريبة من السجن رؤيتها بسهولة. انتهت اليوم "حكاية سجن ابو غريب"، على حد تعبير مدير منظمة "حياة حرة" المعنية بحقوق الانسان، هاني الشكر، الذي يعرب عن أسفه لضياع مجهود أشهر طويلة سعى من خلالها إلى إثبات عمليات التعذيب التي تجري في السجن، وهي "أبشع من تلك التي ارتكبها الأميركيون فيه"، بحسب وصفه.

ويقول الشكر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ إغلاق السجن جاء منعاً لفضيحة جديدة يتحمل مسؤوليتها رئيس الحكومة نوري المالكي، إذ هناك ضحايا يقتلون بشكل مستمر في هذا السجن نتيجة التعذيب والجوع. ويكشف الشكر عن أن الحراس والموظفين انتهوا اليوم من رفع معدات السجن، من وسائل التعذيب وانتزاع الاعترافات ومقاصل الإعدام، "وأغرقوا في النهر القريب مئات الملابس والحاجيات الخاصة بنزلاء السجن الذين دخلوا ولم يخرجوا منه إلا وهم جثث".

وكانت وزارة العدل العراقية قد أعلنت، اليوم الثلاثاء، عن إغلاق سجن ابو غريب رسمياً وبشكل كامل، وإخلائه من جميع النزلاء بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، عازية السبب إلى "دواع أمنية".
وقال وزير العدل، حسن الشمري، إن "الوزارة أنهت نقل جميع النزلاء والبالغ عددهم 2400 نزيل بين موقوف ومحكوم بقضايا إرهابية، إلى السجون الإصلاحية في المحافظات الوسطى والشمالية".
وعزا الشمري، في بيان، سبب القرار بأنه جاء "ضمن إجراءات احترازية تتعلق بأمن السجون، كون السجن يقع في منطقة ساخنة" أمنياً، مشيراً إلى أن "لجنة مشكّلة في الوزارة باشرت بتوزيع الموظفين والحراس الإصلاحيين في السجن على بقية السجون في بغداد".

ويعتبر سجن أبو غريب الواقع على بعد 30 كيلومتراً من بغداد، أشهر سجون بغداد، ونال سمعة سيئة بعد فضيحة تعذيب واغتصاب العراقيين على أيدي القوات الاميركية في أوائل عام 2004 . وسرعان ما عاد إلى الواجهة بعد الكشف عن مقتل 23 عراقياً اختناقاً داخل زنزانة واحدة مغلقة، احتجزهم فيها حراس سجن عراقيون في عام 2007.

"
لم تمنع أسواره الستة من اقتحام السجن من قبل فصائل مقاومة للاحتلال، نجحت في تحرير مئات النزلاء

"

أُنشئ السجن عام 1950 من قبل شركة بريطانية متخصصة بالسجون، ويقع على مساحة 8 دونمات، ويضم ستة أقسام مختلفة هي القسم الثقيل للأحكام المؤبدة، وقسم النساء، وقسم الأحداث، وقسم القضايا السياسية، وقسم المخدرات، والقسم الخفيف، فضلاً عن قسم الإعدامات، الذي كان يتألف عند إنشائه من مقصلة واحدة، تطورت في ما بعد مع تعاقب الحكومات لتصبح خمساً، ثم زادت الى ثمان بعد الاحتلال. يحيط بالسجن ثلاثة أسوار، استحدثت ثلاثة أخرى بعد الغزو الأميركي، إلا أن ذلك لم يمنع من اقتحام السجن من قبل فصائل مقاومة للاحتلال، نجحت في تحرير مئات النزلاء على مر السنوات الماضية.

استُخدم السجن منذ مطلع الخمسينيات، لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق المدانين بتهم جنائية مختلفة، فضلاً عن القضايا السياسية، إذ "زارت" السجن شخصيات كبيرة من الحزب الشيوعي العراقي، ثم القوميين العرب المعروفين في العراق بالناصريين، ثم من حزب الدعوة الإسلامية، ومعظم أحزاب المعارضة إبان حكم صدام حسين، ثم عناصر المقاومة العراقية للاحتلال وأعضاء حزب البعث. عاصر السجن عهود تسعة حكام للعراق، هم عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ومحمد عارف واحمد حسن البكر وصدام حسين، ثم الحاكم المدني بول بريمر فإياد علاوي وإبراهيم الجعفري وآخرهم المالكي، حوّل كل منهم السجن الى سلة كبيرة للتخلص من خصومهم السياسيين.

وشهد السجن 13 هجوماً منذ احتلال 2003، حتى مطلع سبتمبر/أيلول عام 2013 بواسطة سيارات مفخخة وانتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة وهجمات صاروخية، نتج عنها تحرير المئات من السجناء. وآخر العمليات تمكن فيها مسلحون من تحرير أكثر من ألف سجين، بينهم محكومون بالاعدام.

"
 نزلاؤه  من الشيوعيين، والناصريين، ومن حزب الدعوة، ومعظم أحزاب المعارضة لصدام حسين، ثم عناصر المقاومة العراقية للاحتلال وأعضاء حزب البعث

"

ويكشف مصدر في مفوضية حقوق الانسان العراقية المستقلة، لـ"العربي الجديد"، عن أن إغلاق السجن جاء بعد اكتشاف 11 حالة تعذيب لمعتقلين، بينهم سجين عربي أفضى التعذيب إلى وفاته. ويوضح المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن حراساً في السجن سربوا وثائق إلى بعثة الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتعلق بانتهاكات كبيرة قد تكون أفظع من تلك التي ارتكبها الاميركيون عام 2005.

ويشير المصدر الى أن الاعلان عن إغلاق السجن يأتي لمنع فضيحة جديدة تتعلق بتعذيب سجناء وانتزاع اعترافات وموت آخرين جراء التعذيب، مؤكداً أن إعلان الوزارة عن وجود مخاوف أمنية من مهاجمة السجن، قد يكون "غير واقعي حالياً، مع وجود عشرات آلاف الجنود في منطقة أبو غريب".

لكن عضو اللجنة الامنية في قضاء ابو غريب، عباس التميمي، يلفت إلى أن اغلاق السجن بهذه السرعة، ومن دون اعلام الحكومة المحلية في المدينة، ينطوي على مخاوف حقيقية من هجوم وشيك للمسلحين الذين باتوا على بعد ثمانية كيلومترات من محيط السجن، بعد سيطرتهم على قرى زوبع الواقعة بين الفلوجة وأبو غريب.

ويوضح التميمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عمليات التعذيب مستمرة في هذا السجن، خصوصاً مع منع حكومة المالكي الزيارة المفاجئة لأعضاء البرلمان او مفوضية حقوق الانسان منذ العام الماضي. ويقول التميمي "أعتقد أن السبب ليس وجود عمليات تعذيب، فهي اعتيادية، بل هو الخوف من مهاجمة السجن وتخلخل وضع القوات الامنية المحيطة به قد يكون السبب الرئيسي لإغلاقه بهذا الشكل".

في المقابل، يعرب عضو في منظمة حقوقية محلية عن قلقه من أن "عملية نقل السجناء وتوزيعهم الى سجون أخرى، أمر مريب، وخصوصاً أن ذلك تمّ من دون وجود اشراف لمنظمات حقوقية محلية أو اممية".

"
المسلحون باتوا على بعد ثمانية كيلومترات من محيط السجن

"

ويشير عضو منظمة "رام" العراقية لحقوق الانسان، ومقرها الانبار، عبد الله الجميلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن ذلك قد يكون "للتغطية على جرائم ارتكبت بحق المعتقلين، أو عمليات فساد، مع وجود معلومات عن صفقات اطلاق سراح محكومين بالاتفاق مع ضباط كبار، تصل الى ملايين الدولارات، من بينهم متهمون بقضايا اختلاس وصفقات وهمية مختلفة".

وقد تنفّس سكان حيي الزيتون والسلام المجاورين لسجن أبو غريب، الصعداء أخيراً، مع إغلاق آخر بوابات السجن، وتسليمه بشكل كامل الى دائرة البلدية في مدينة ابو غريب.

ويقول الحاج خميس علوان الزوبعي (60 عاماً)، عن هذا الموضوع، لـ"العربي الجديد": "أخيراً، وبعد كل تلك السنوات، ستعود الحياة المدنية الى مناطقنا القريبة من السجن، فمنذ 11 عاماً ونحن في منطقة عسكرية فقدنا الكثير من ابناء حارتنا بفعل الهجمات والهجمات المضادة حول السجن". ويبدو الزوبعي سعيداً لأنه لن يرى بعد اليوم "المعتقلين وهم يجرّون السلاسل كل صباح داخل السجن، ولن نسمع قصصهم التي يرويها ذووهم عند كل زيارة لهم، حتى ان منازلنا سترتفع اسعارها مرة اخرى بعدما أصبحت رخيصة للغاية، وغير مرغوبة" بسبب السجن.

"
إغلاق السجن لا يعني إغلاق ملفات التعذيب والانتهاكات التي حدثت فيه

"

لكن القيادي في ائتلاف "متحدون"، وليد المحمدي، يؤكد بدوره أن اغلاق السجن جاء بسبب انهيار الامن في محيطه، وسيطرة المسلحين على معظم المناطق القريبة منه، وبسبب وجود مخاوف "من هجوم كبير يقتلع السجن ويحرر النزلاء، وهو دليل على فشل المالكي في ملف الامن".

ويذكّر المحمدي بأن نقل النزلاء وإغلاق السجن "لا يعني اغلاق ملفات التعذيب والانتهاكات التي حدثت فيه، كون الجرائم ارتكبت على أجساد الضحايا وليس الجدران، وستظل جروحهم قائمة لا يمكن نقلها كما فعلوا مع الجدران".