"داعش" يطرق أبواب المغرب

"داعش" يطرق أبواب المغرب

02 ديسمبر 2014
تعتمد السلطات المغربية خطة أمنية استباقية لمنع سفر الجهاديين(Getty)
+ الخط -

أعاد إلقاء السلطات الأمنية المغربية، قبل أيام، القبض على ستة أشخاص أعلنوا، من خلال شريط مصور بثّوه على الانترنت، مبايعتهم زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أبو بكر البغدادي، جماعة "جند الخلافة" في المغرب إلى الواجهة.

وأشهر بضعة شباب من مدينة بركان شرقي المملكة انتماءهم للتنظيم، وظهر أحدهم في الشريط يحمل سيفاً وراية "داعش" قائلاً "الحمد لله، الحمد لله، والصلاة والسلام على المبعوث بالسيف رحمة للعالمين"، متوعداً "الموالين للتحالف الصليبي بالذبح".

إقرار هؤلاء الشباب بالانتساب إلى "جند الخلافة" ذكّر المغاربة بواقعة الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها في سبتمبر/أيلول الماضي، شمالي البلاد، وكانت تُسمي نفسها "أنصار الدولة الإسلامية في المغرب الأقصى"، معلنةً التحاقها بجماعة "جند الخلافة" الجزائرية.

وقدمت وزارة الداخلية المغربية معطيات حول هذه الخلية الجديدة، التي أعلنت انتسابها إلى "جند الخلافة"، ليتبين أنه سبق للعقل المدبر للخلية، برفقة شريكين آخرين له، أن سُجنوا في 2008 لتورطهم "في التخطيط الإرهابي من أجل زعزعة الاستقرار بالمملكة".

ويرى الباحث في الحركات الإسلامية، منتصر حمادة، في حديث مع"العربي الجديد" أن جدية الأخطار المحدقة بالمغرب مرتبطة بمحددين، أولهما "وجود قائمة طويلة من الخلايا، التي تم تفكيكها خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد اندلاع الربيع العربي".

ويلفت حمادة إلى أن ما يدحض موقف المشككين في وجود هذه الخلايا، "الأشرطة المصورة التي تهدد بشكل صريح المغرب بشنّ اعتداءات إرهابية، والصادرة عن جهاديين مغاربة محسوبين على تنظيم (داعش) تحديداً، وليس عن جبهة النصرة أو تنظيم جهادي آخر".

ويأتي التحدي الأمني المطروح على المغرب بظهور أنصار لـ"داعش" يعلنون انتماءهم إلى "جند الخلافة" أو غيره من الجماعات الجهادية، مقروناً بصعوبة احتواء هجرة الشباب المغربي للقتال مع تنظيم "الدولة الإسلامية" بسبب الاستقطاب الإلكتروني على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويعتمد المغرب على خطة أمنية استباقية لا تنتظر تسفير الشباب إلى سورية أو العراق، بل التصدي مبكراً لتلك المحاولات. واستطاعت الأجهزة الأمنية المغربية على مدى السنوات الماضية تفكيك أكثر من 113 خلية إرهابية، واعتقال أكثر من 1256 متهماً، منهم من قاموا بجرائم قتل "لتغيير المنكر"، أو "بعمليات سرقة في إطار ما يسمى (الفيء) لتمويل الجهاديين المغاربة".

وتفيد الأرقام الرسمية التي كشف عنها مدير الاستخبارات الخارجية المغربية، ياسين المنصوري، بأن قرابة 1193 مغربياً غادروا البلاد، من أجل الالتحاق بتنظيم "داعش"، فضلاً عن حوالي ألفي مقاتل مغربي أو من ذوي الجنسيات المزدوجة المقيمين في أوروبا.

وقُتل أكثر من 250 جهاديا مغربيا في المعارك التي خاضها "داعش"، أغلبهم في سورية، إذ قضى 219 في سورية، و32 آخرين في العراق، فيما تشير الاستخبارات المغربية إلى وجود 500 مقاتل على أهبة الاستعداد للالتحاق بتنظيم "الدولة".

ووفقاً لمصادر عديدة، فإن ثلاثة أرباع المقاتلين المغاربة في تنظيم "داعش" هم "انغماسيون" يتقدمون الصفوف في العمليات، مهمتهم تأمين القوافل، وآخرون من فئة "الانتحاريين"، بينما قلة منهم يحتلون مراكز مسؤولية في التنظيم، من قبيل مرتبة أمير عسكري وأمير مسؤول عن منطقة جبل تركمان.

ويقول معتقل سلفي سابق، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن مغاربة "داعش" ولا سيما في العراق يتلقون، عدا التأثر الإيديولوجي، تعويضات مالية مقابل خدماتهم، مما يجعل استقطاب المقاتلين يجمع بين الإيديولوجية وإغراء المال أيضاً.

موضوع الإغراء المادي مقابل الانضمام إلى تنظيم "داعش"، يؤكده أيضاً حمادة بالقول "إن المبالغ المالية التي يتقاضاها (الجهاديون) القادمون من المغرب وتونس، أكبر من المبالغ التي يتقاضاها جهاديو العراق وسورية".

وكانت شرائط مصورة، بُثت أخيراً على يوتيوب، تُظهر شباباً مغاربة ينتسبون إلى "داعش" في العراق، وهم يتحدثون باللهجة المحلية، وبدت عليهم علامات الارتياح النفسي.

وحول العوامل التي يمكن أن تشكل بيئة حاضنة للحركات الإسلامية الجهادية، يقول حمادة إنها تتلخص في حالة بعض المعتقلين الإسلاميين السابقين في ملفات الإرهاب، ولا سيما الذين تعرضوا لبعض الانتهاكات الحقوقية.

ويلفت الباحث إلى حالة سلفيين متشبعين بالمرجعية السلفية الجهادية، ولكنهم لاعتبارات أمنية أساساً، يوجدون في ما يُشبه حالة "كمون جهادي"، علاوة على الجهل بحقيقة الصراع الدائر في المشرق، مما جعل العديد من الجهاديين يعودون إلى المغرب، ويتعرضون للاعتقال.

كما يشير حمادة إلى وجود عامل رئيسي آخر يدفع شباباً مغاربة لاعتناق "الجهاد"، يتمثل في أحزمة الفقر الاجتماعي والمادي في بعض المدن المغربية، من قبيل ضواحي مدينة تطوان أو سلا مثلاً، إذ ينحدر منها العديد من الجهاديين المغاربة الذين انتقلوا إلى العراق وسورية.

من جهته، يقول المعتقل الإسلامي السابق إنه، بحسب تجربته في السجن، لاحظ أن أغلب الشباب الراغب في القتال ضمن جماعات جهادية، من قبيل جند الخلافة، ينتمون خصوصاً إلى مناطق شمال المغرب، مثل تطوان والناضور، ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين من قبل إسبانيا.

ويعزو وجود هذه البيئة الجغرافية الحاضنة لمؤيدي "داعش" في المغرب إلى التهميش الاقتصادي والاجتماعي، الذي طال هذه المناطق منذ حصول المملكة على الاستقلال.

ويرى مراقبون أن انضمام شباب مناطق شمال المغرب إلى تنظيم "داعش"، وباقي الجماعات "الجهادية"، يرجع أيضاً إلى العامل الجغرافي الذي يتيحه قرب شمال المملكة من أوروبا، ولا سيما إسبانيا، مما يسهل نسج علاقات وشبكات جهادية، وخصوصاً في سبتة ومليلية الواقعتين تحت السيادة الإسبانية.