توني بلير: إمبراطور الاستشارات

توني بلير: إمبراطور الاستشارات

17 نوفمبر 2014
توقيع عريضة لإقالة بلير من دوره كمبعوث سلام(فرانس برس)
+ الخط -
بينما كان العراق يغوص في وحل من الدمار والدماء، كان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، ينعم في عطلة "استجمام" في جزيرة ليباري (شمالي صقلية) مع زوجته شيري، في فيلا فخمة لرجل أعمال ثري. وبينما كانت آلة الحرب والقتل الإسرائيليّة توغل في الدم الفلسطيني في الصيف الماضي، كان مبعوث السلام في الشرق الأوسط يحتفل بعيد ميلاد زوجته شيري الستين في لندن، بحضور الكوميدي الشهير بوبي دافرو، وحشد من نجوم عالم المال والسياسة والأعمال والإعلام. ووجهت صحيفة "ميل أون صنداي" اللندنية حينها انتقادات حادة لبلير، قائلة في تقرير على صفحتها الأولى: "بينما تحترق غزّة، يحيي مبعوث سلام الشرق الأوسط طوني بلير حفل عيد ميلاد باذخاً لزوجته في منزلهما الريفي الذي تقدّر قيمته بنحو ستة ملايين جنيه إسترليني".

وعلى الرغم من خروجه من رئاسة الحكومة البريطانيّة عام 2007، وتراجع دوره في قيادة حزب العمال اليساري المعارض، إلا أنّ أخبار بلير لم تغب عن الصحافة البريطانيّة، التي باتت تتابع أخباره كواحد من أشهر أثرياء المملكة المتحدة، بعدما تحوّل من "السياسة لأجل الحكم" إلى "السياسة لأجل الثروة". ويبدو أن بلير صاحب نظرية "الطريق الثالث" في السياسة، وجد طريقه الثالث في تحقيق الثروة بتوظيف خبراته وعلاقاته لخدمة أهل السياسة والمال، حتى بات يدير إمبراطورية تقدّم الاستشارات في السياسة والاقتصاد وحتى المبادرات الخيريّة عبر العالم. ووصلت ثروته الشخصيّة إلى 70 مليون جنيه إسترليني (100 مليون دولار)، حسب أحدث البيانات المحاسبيّة، التي سجّلها لدى السلطات الحكوميّة المعنيّة بالضرائب ومراقبة الشركات في لندن.

ويدير بلير أنشطته السياسيّة والتجاريّة عبر شركتي "ويند رش" و"فايررش"، إلى جانب "مؤسّسة الإيمان" الخيريّة، ومؤسّسة "مبادرة الحكم في أفريقيا" غير الربحيّة. قبل أيام قليلة، كشفت صحيفة "دايلي ميل" البريطانية عن صفقة سريّة بين بلير وشركة بترول سعودية تدعى "PetroSaudi"، يوظف بموجبها خبراته وعلاقاته ليجلب للشركة استثمارات وشراكات مع شركاء أجانب، مقابل 41 ألف جنيه إسترليني (64.85 ألف دولار أميركي) شهرياً، بالإضافة إلى 2 في المائة من كل صفقة يحقّقها للشركة.

وذكرت الصحيفة البريطانية، في التقرير الذي صدر يوم الأحد الماضي (9 نوفمبر/تشرين الثاني)، أن بلير حرص على إبقاء خبر تلك الصفقة التي عقدها مع شركة البترول السعودية سراً، الأمر الذي نجح بالفعل في تحقيقه طيلة السنوات الأربع الماضية، إذ يعود تاريخ الصفقة إلى نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2010. ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين بشركة "بترو سعودي"، من دون أن تسميه، قوله إنّ اختيار الشركة لبلير جاء نظراً لما يتمتّع به من علاقات قويّة مع كبار المسؤولين في الشرق الأوسط ولثقة الشركة بقدرته على تنمية صفقاتها وأعمالها في الصين.

وفي تعليقه على هذه الأخبار، كتب المحرر السابق للموقع الإلكتروني لمؤسسة الإيمان الخيريّة، مارتن برايت، في صحيفة "دايلي ميل" البريطانية، أنّ "هذه الأخبار لم تفاجئني لأنّ عملي في المؤسّسة جعلني قلقاً من علاقات رئيس المؤسّسة، طوني بلير، مع الكثير من الأنظمة الاستبداديّة في العالم الإسلامي وغيره".

وفي أغسطس/آب الماضي، كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانيّة عن أنّ بلير وافق على تولّي منصب مستشار للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ضمن برنامج دعم تموّله دولة الإمارات العربيّة، مع وعود بتقديم "فرص أعمال كبيرة" للجهات الضالعة فيه، مضيفة أن رئيس الوزراء الأسبق سيقدّم نصائح للقاهرة حول الإصلاح الاقتصادي، بينما يقدم مستشاره الإعلامي السابق، الاستشارة للنظام المصري في ما يتعلّق بتحسين صورته في الغرب.

قبل ذلك، كشفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانيّة في أبريل/نيسان من العام 2012، أنّ شركة بلير للاستشارات الخاصة حصلت على 27 مليون جنيه إسترليني (42.7 مليون دولار أميركي) عام 2009، مقابل تقديم النصائح لدولة الكويت حول "الاتّجاهات السياسيّة والاقتصاديّة والإصلاح الحكومي". وكان العقد سريّاً في البداية حسب طلب الحكومة الكويتية، إلى أن كشفت لجنة مراجعة أعمال الوزراء عن أنه بلير تلقى مليون جنيه إسترليني (1.58 مليون دولار أميركي) مقابل تقديمه النصيحة للأسرة الحاكمة في الكويت.

ومع عدم إمكانيّة التحقّق من إجمالي الأعمال التي تنفّذها شركات بلير، لكنّه بات معروفاً أنّه يعمل مستشاراً لحكومات وجهات رسميّة في فيتنام، والبيرو، وكازاخستان، والكويت، وكولومبيا، والبرازيل، وبورما، وجنوب السودان، ومنغوليا، وسيراليون، وراوندا، وليبيريا وغينيا. كما يعمل مستشاراً، غير معلن، لحكومات وجهات رسميّة في مصر، والإمارات، والسعوديّة، ورومانيا، وتايلاند، وهونغ كونغ والصين.

وفي موازاة الدور الذي يلعبه بلير، تدير زوجته، شيري بلير، شركتين في مجال الاستشارات القانونيّة والأعمال الخيريّة. ويكشف تقرير نشرته صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية، في أبريل/نيسان الماضي، عن أنّ شركة "أمنية استراتيجية" للاستشارات القانونيّة حقّقت أرباحاً جيدة السنة الماضية مع توسّع أعمال شركة في أفريقيا. كما أن "مؤسّسة شيري بلير للمرأة"، تلقّت منحة بقيمة مليون جنيه إسترليني (1.58 مليون دولار أميركي) من إحدى أكبر شركات الاستشارات في العالم. وترى الصحيفة أنّ نجاح أعمال شيري مرتبط بعلاقات بلير ومصالحه الكثيرة في أفريقيا. وتدير زوجته مشاريع خاصة في نيجيريا وغانا وغابون والكاميرون في غرب أفريقيا، وقد فتحت مكتباً لشركتها في واشنطن أخيراً.

وتدفع أنشطة بلير، التي يتداخل فيها السياسي بالتجاري وتغلب عليها المصالح الشخصيّة، مجموعة من السفراء البريطانيين السابقين، ومعهم عدد من الشخصيات العامة، إلى توقيع عريضة في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، تدعو إلى إقالة بلير من دوره كمبعوث سلام في الشرق الأوسط.

وتصف العريضة، التي أطلقها سفير بريطانيا السابق لدى إيران السير ريتشارد دالتون، إنجازات بلير في المنطقة بـ "التافهة"، وانتقدت سعيه الدؤوب إلى جمع المال. كما اتهمته بمحاولة التنصّل من "المسؤوليّة عن الأزمة الحالية في العراق".

ووقّع على العريضة دبلوماسيون سابقون، منهم السفير البريطاني السابق في ليبيا أوليفر مايلز، والسفير البريطاني في مصر بين عام 1992 و1995 كريستوفر لونغ، وعمدة لندن السابق كين ليفينغستون، ووزير السجون السابق كريسبين بلانت، ومحامي حقوق الإنسان مايكل مانسفيلد، وعضو مجلس اللوردات عن الحزب الديمقراطي الليبرالي جيني تونغ، التي استقالت من منصبها ومن حزبها عام 2012، بسبب تصريحات مناهضة لإسرائيل.

ويرد في العريضة، أنّه "بعد مرور سبع سنوات على تسلّمه منصب مبعوث "الرباعيّة" للشرق الأوسط، والذي كان يهدف لإحداث تقدّم في عمليّة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فشل في تحقيق ذلك وحتى أنه فشل على صعيد التطوير الاقتصادي في مناطق السلطة، كما لا تزال العديد من الحواجز العسكريّة تقطع أوصال مناطق الضفّة الغربيّة، ولحقت أضرار اقتصادية كبيرة في قطاع غزة جراء الحرب عليها والحصار. كذلك لحقت أضرار اقتصاديّة في الضفّة الغربيّة جراء عمليات الجيش الإسرائيلي، وعدم التقدّم في العملية السلميّة".

ويعتبر عضو البرلمان السابق بلانت، الموقّع على العريضة، أنّه "حان الوقت لوضع حدّ لمهمّة بلير كمبعوث الرباعيّة، لأنّ بقاءه في منصبه بات كارثياً على الشرق الأوسط، في وقت تبدو فيه الحاجة ماسة للتوصّل إلى اتّفاق سلام شامل. ولذلك يجب تنحيته من منصبه".

وتتطرّق العريضة إلى "دور بلير في ما آلت إليه الأوضاع الأمنيّة في العراق، بالإشارة إلى أنّ "غزو بلير للعراق عام 2003 هو المسؤول عن ظهور الإرهاب الأصولي، في أرض لم يكن موجوداً فيها سابقاً". كما تنتقد مصالحه التجاريّة، باعتبار أنّ "مساعيه إلى تحقيق مصالحه الخاصة تدعو أيضاً إلى التساؤل عن أهليّته للدور".

________

  • مستشار لشركة "مبادلة" التي تتولى إدارة الثروة السياديّة في أبوظبي
  • مستشار لبنك «جي بي مورغان» الاستثماري في الولايات المتحدة
  • مستشار شركة التأمين العالمية "زيورخ" 
  • مستشار شركة كازاخستان الحكوميّة لإنتاج الغاز الطبيعي
  • يتقاضى 6 آلاف جنيه إسترليني (10 آلاف دولار) لقاء كل محاضرة يقدّمها في المؤسّسات الأكاديميّة والبحثيّة
  • يمتلك طائرة خاصة، وسبعة منازل في لندن ومدن بريطانية أخرى، إلى جانب مزرعة في مقاطعة "بيكنغهام شاير"
  • منحت مجلة "ليتراري ريفيو" المختصة بالأعمال الأدبيّة، كتاب مذكراته "رحلتي"، جائزة "أسوأ مقطع جنسي" بسبب القدر الكبير من الأكاذيب والقصص المختلقة التي تضمنها الكتاب
  • تسلم بلير جائزة من مجلة (GQ) الشهيرة، تقديراً لجهوده للعمل الخيري وإنشاء 3 جمعيات خيرية. وتم منحه لقب «مُحسن العام»، في حفل حضره عدد من المشاهير في العاصمة البريطانية
  • تسلم جائزة "رجل الدولة – الباحث" من معهد واشنطن
  • منح جائزة مؤسسة "دان ديفيد" الإسرائيلية التابعة لجامعة تل أبيب، لقدراته القيادية على المسرح العالمي. وكانت القيمة المالية للجائزة مليون دولار.

المساهمون