كلينتون تفتتح معركة الرئاسة بـ"خيارات صعبة"

كلينتون تفتتح معركة الرئاسة بـ"خيارات صعبة"

11 يونيو 2014
ركّزت كلينتون على مرحلة تسلّمها وزارة الخارجية (أندرو بارتون/Getty)
+ الخط -

نادراً ما أثار إصدار مذكرات لأحد السياسيين، في السنوات الأخيرة، الضجة والاهتمام اللذين يثيرهما صدور مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، في كتاب بعنوان "خيارات صعبة".

وأطلقت كلينتون الكتاب من وسط مانهاتن في نيويورك، في مستهلّ جولة تشمل كل الولايات الأميركية، وتنتهي في أواخر العام الجاري. وكانت البداية مميّزة في التوقيع الأولي في مانهاتن، ومثيرة للاهتمام مع اصطفاف أكثر من ألف شخص في طابور، بحسب ما قدّر القائمون على حفل التوقيع، ما يُشير الى الاهتمام المرتقب لكلينتون في جولتها. وقد طُرح الكتاب في القارة الأوروبية، بنسخته الإنكليزية، على أن يُطرح بنسخته الفرنسية المقدّرة بـ60 ألف نسخة، بدءاً من اليوم الأربعاء.

وشكلت المذكرات المنتظرة، خيبة أمل للذين أرادوا أن تعلن كلينتون مع صدورها، أو من خلالها، قرارها بخصوص الترشح للانتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ومن شأن فتح المعركة الرئاسية باكراً، ادراك مكامن قوة كلينتون وضعفها.

فأميركا المنقسمة على ذاتها، تحت رئاسة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما، تبحث عمن يوحدها أو على الأقل، يوهمها بإمكانية الوحدة. فقد اتسعت الهوة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تحديداً في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، بصورة عطّلت معها اتخاذ أي قرارات فاعلة، خصوصاً في الوقت الذي يرى فيه بعض المحللين السياسيين، عزم الجمهوريين على معارضة كل شيء وأي شيء يأتي من البيت الأبيض، ولو تضمّن هذا سياسات طالبوا هم أنفسهم بها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان موقف أوباما من الهجرة غير الشرعية، وترحيل إدارته أكبر عدد من المهاجرين "غير الشرعيين" مقارنة بكل من سبقه من رؤساء، مشابهاً للمواقف الجمهورية.

كما أن في قضية العريف الأميركي بوي برغدال، لم يكن أوباما بعيداً عن وجهة النظر الجمهورية، بالرغم من أن الجمهوريين كانوا يحثّون الإدارة الأميركية على عمل كل ما بوسعها لإعادته، وعندما عاد لم يتوقفوا عن انتقادها!

ويبدو الكونغرس الأميركي منقسماً على ذاته بشقيه، مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الديمقراطية، ومجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، ما يعني أن تمرير أي إصلاحات سيتطلب تعاوناً من المجلسين، وهذا أمر غير وارد، خصوصاً بعد استقالة وزير شؤون القدامى (قدامى العسكريين)، إريك شينسكي، وتهديده نظام الرعاية الصحية، الذي وصل عبره أوباما الى البيت الأبيض في 2008، بالكامل، ما يجعل مهمة أوباما مستحيلة، في انتظار الانتخابات النصفية في الكونغرس، في نوفمبر المقبل.

ومن غير المتوقع حتى الآن، أن يكسب أي من الحزبين الغالبية في المجلسين، مما يعني أن الأمور ستبقى على ما هي عليه، إلى أن يأتي المخلّص أو المخلصة في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهذا على ما يبدو هو الطريق الذي تسير فيه كلينتون وتحاول أن تقدم نفسها به، دون أن تنفي أو تؤكد نيّتها خوض السباق للترشح إلى الرئاسة الأميركية.

ويتناول كتاب كلينتون مرحلة السنوات الأربع التي قضتها وزيرةً خارجية و"الخيارات الصعبة" التي واجهتها في منصبها وكجزء من الإدارة الأميركية. فتتحدث عن إيران، والقضية الفلسطينية ودعمها لحل الدولتين، والربيع العربي، والمسألة الروسية وشبه جزيرة القرم، وغيرها من الملفات الرئيسية بالنسبة الى الولايات المتحدة.


وتغلف كلينتون ذلك بحبكة تظهرها كوسيطة بين الأجيال، فتتحدث عن والدتها ودعمها لها وعن دورها كابنة من جهة، وعن دورها كأم وجدة قريباً من جهة أخرى، لتخلق صورة لها "كأم لهذا الأمة الأميركية الحائرة".

كذلك تظهر كلينتون بمظهر الجندي الذي انصاع لأوامر قيادته، على الرغم من اختلافه معها في بعض الأحيان. فتتحدث عن الفوارق التي بينها وبين أوباما في السياسة، وما كانت ستقوم به لو كانت هي في موقعه. فتسعى بالتالي الى توجيه رسالة واضحة الى الناخب الديمقراطي، قبل خوض السباق الشرس ضد أي مرشح جمهوري محتمل، في 2016.
وتكشف عن "رفض أوباما دعوتها إلى تسليح المعارضة السورية منذ انطلاق الثورة، قبل ثلاث سنوات تقريباً"، لتحاول إظهار نفسها بمظهر "المتبصّر" أو "العراف الحكيم"، أي ذلك الشخص الذي أدرك منذ بداية "الحدث"، ما سيؤول إليه، فذكرت أن "التحرك أو عدمه يتضمّن مخاطر عالية، ولكن الرئيس باراك أوباما، فضل الإبقاء على الأمور كما هي، وعدم الذهاب إلى أبعد من ذلك من خلال تسليح المعارضة". وهنا لامست كلينتون مشاعر الكثير من الأميركيين الذين لا يريدون تدخلا عسكرياً مباشراً في سورية، لكنهم كانوا يفضلون حسماً ما في هذا الأمر.

وتتطرق كلينتون إلى مشاكل أخرى شائكة بالنسبة للمجتمع الأميركي، مثل قضية الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي العام 2012، الأمر الذي ما زال يثير جدلاً وسجالاً في الولايات المتحدة، في ما يتعلق بطريقة تعاملها وتعامل البيت الأبيض مع الأزمة في حينه. ويحاول منتقدوها من الحزب الجمهوري إظهار فشلها في إدارة الأزمة، التي أدت إلى مقتل أربعة أشخاص من بينهم السفير الأميركي في بنغازي، كريس ستيفينز.

وتمرّ كلينتون على تأييدها احتلال العراق العام 2003، في تصويت 2002، حين كانت تشغل منصب سناتور في مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك، إلا أنها تحاول اظهار نفسها بمظهر السياسي "المؤنسن"، فتصرّ على أن "نتائج هذه الحرب ما زالت تقضّ مضجعها"، وأن "قرارها تأييد الاحتلال جاء بسبب المعلومات الخاطئة التي قدمت لهم". ولا تتطرّق إلى المسؤولية السياسية والأخلاقية لأي حامل لمنصب سياسي أو قيادي، بأن يتأكد من صحة المعلومات التي شكك بها عدد لا بأس به من معارضي الحرب.

تظهر كلينتون نفسها كذلك كشخصية براغماتية مرنة وقادرة على تحمل الصدمات والتعامل معها، على الصعيدين السياسي والشخصي. لم تتطرق السياسية المخضرمة في كتابها، إلى الماضي البعيد أو الخطط المستقبلية عامة، وأبقت الصفحات الأربع الأخيرة من كتابها على ذمّة التكهنات حول ما إذا كانت ستخوض غمار الانتخابات الأميركية. لكن بعض المحللين يعزون صدور مذكراتها في هذه السنة، كبداية لحملة انتخابية "خفيفة" قبل أن تكشف نيتها في 2015 في الترشح، أو عدمه، وهو أمر مستبعد، إلا إذا وقع أمر خارج سيطرتها، بحسب خبراء في الشأن السياسي الأميركي.

يتيح هذا الكتاب لكلينتون أن تتواصل بشكل مباشر مع الآلاف من الأميركيين في جولتها، من خلال التواقيع والقراءات التي ستقوم بها في أنحاء الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن تسلّط الأضواء عليها، ليس فقط في الصحف الكبيرة والرئيسية وعند صدور الكتاب، بل خلال الأشهر الستة الباقية من السنة، والتي تجوب فيها الولايات المتحدة، لتظهر في هذه الجولة قريبة من الشعب ومن مؤيديها، ولكن دون إطلاق شعارات انتخابية كبيرة ورنانة.