قائد الجيش الجزائري يتمسّك بإجراء انتخابات رئاسية بـ"أقرب وقت"

قائد الجيش الجزائري يتمسّك بإجراء انتخابات رئاسية بـ"أقرب وقت" تجنباً للفراغ

20 مايو 2019
ترفض المعارضة الجزائرية إجراء الانتخابات بموعدها المقرر(Getty)
+ الخط -
دعا قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، اليوم الإثنين، إلى الإسراع في الخطوات المتعلقة بإجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، لمنع وضع البلاد في حالة فراغ رئاسي، دون أن يؤكد تمسكه بموعد إجرائها في الرابع من يوليو/ تموز المقبل، ما يفتح الباب واسعاً أمام إرجائها إلى وقت لاحق.

وقال قايد صالح، في خطاب ألقاه أمام القيادات والكوادر العسكرية في منطقة ورقلة جنوبي الجزائر، إن "إجراء الانتخابات الرئاسية يضع حداً لمن يحاول إطالة أمد هذه الأزمة"، مشدداً على أن "الخطوة الأساسية في هذا الشأن تتمثل في ضرورة الإسراع في تشكيل وتنصيب الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وإننا ننتظر في هذا الإطار التعجيل باتخاذ الإجراءات المناسبة لتفعيل هذه الآلية الدستورية، باعتبارها الأداة القانونية المناسبة للحفاظ على صوت الناخب وتحقيق مصداقية الانتخابات"، بعدما كان الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة قد أنهى مهام أعضاء الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات في 11 مارس/ آذار الماضي.

ولم يذكر المسؤول العسكري موعد إجراء الانتخابات المقررة في الرابع من يوليو المقبل، ما يعني قبوله المبدئي بإرجاء الانتخابات الذي صار أمراً واقعاً، لكنه اعتبر أن "إجراء الانتخابات يجنّب الوقوع في فخ الفراغ الدستوري، وما يترتب عنه من مخاطر وانزلاقات غير محمودة العواقب"، وهو ما يعني مخاوفه من أن تدخل البلاد في حالة فراغ دستوري في حال لم تجر الانتخابات في موعدها، على اعتبار أن الجزائر ستصبح دون رئيس بدءاً من التاسع من يوليو، حيث تنتهي في هذا التاريخ العهدة الرئاسية لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح، التي يحددها الدستور بـ90 يوماً.

وبخلاف موقفه السابق المتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، يفتح تطور موقف الجيش الباب واسعاً أمام تأجيل مؤكد للانتخابات الرئاسية، لكن دعوة الجيش إلى إجراء الانتخابات كمخرج (في أقرب وقت) وتشكيل هيئة عليا مستقلة لتنظيمها، يصطدم مع المواقف والمطالب الشعبية التي تصرّ على عدم تنظيم أي انتخابات، في ظل بقاء رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، إذ يصرّ الحراك الشعبي وقوى المعارضة السياسية والتنظيمات المدنية كافة، على ضرورة رحيلهما من المشهد لصلتهما المباشرة بنظام بوتفليقة، وبسبب المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة، الذي شغل منصب وزير الداخلية حتى 11 مارس/ آذار الماضي، في التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات النيابية والبلدية، التي جرت على التوالي في يونيو ونوفمبر 2017.

ودعا قايد صالح القوى السياسية والمدنية، ومن وصفهم بـ"الخيرين"، إلى دعم مسعى إجراء الانتخابات. وقال في هذا الصدد: "أدعو كافة الخيرين والغيورين الحرصاء على وطنهم ومكانته عبر الأمم، إلى الالتزام والالتفاف حول هذا المسعى المصيري على مستقبل البلاد".
وبحسب دعوة قائد الجيش إلى تشكيل هيئة عليا تشرف على تنظيم الانتخابات، فإن السلطة في الجزائر بحاجة إلى خرق الدستور الذي ينصّ على إنشاء هيئة، ويتعين على البرلمان إجراء تعديلات سريعة على القانون العضوي للانتخابات، ونقل صلاحيات تنظيم الاقتراع من وزارة الداخلية إلى الهيئة، وتعيين أعضائها وتحديد صلاحياتها، وتشكيل فروعها في الولايات والبلديات.

ويصطدم إنشاء الهيئة مع مشكلة دستورية، إذ لا ينصّ الدستور الجزائري على وجود هيئة عليا لتنظيم الانتخابات، وإنما على هيئة لمراقبة الانتخابات فقط، ما يستلزم إجراء تعديل للدستور غير ممكن في الوقت الحالي، من قبل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح الذي لا يسمح له الدستور بإدخال أي تعديلات عليه، ويفرض ذلك على السلطة البحث عن مخرجات وفتاوى وتفسيرات دستورية ممكنة لإنشاء الهيئة الجديدة.


وباتت الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل في حكم الملغاة واقعياً، إذ من المقرر أن ينتهي في 23 مايو/ أيار الحالي، موعد سحب استمارات الترشح وتسليم ملفات الترشح إلى المجلس الدستوري، دون أن يكون أي من الشخصيات السياسية البارزة وقادة الأحزاب (عدا حزبين فتيين)، قد سحبوا استمارات الترشح أو جمعوا التفويضات الشعبية المطلوبة للترشح المطلوبة (60 ألف توقيع من الناخبين أو 600 توقيع من أعضاء المجالس المنتخبة)، إذ قاطعت غالبية القوى والشخصيات السياسية إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأعلن القضاة رفضهم الإشراف عليها، كما يرفض عدد كبير من رؤساء البلديات تنظيم الانتخابات. كذلك رفعت تظاهرات الجمعة الـ13 للحراك الشعبي شعارات واضحة تؤكد رفض إجراء الانتخابات، إذ حملت شعار "لا انتخابات تحت حكومة العصابات".​

لا دور سياسياً للجيش

وفي خطابه، أكد قايد صالح رفضه أن يكون الجيش طرفاً في أي حوار سياسي يخصّ ترتيبات حل الأزمة في البلاد، ودعا الحراك الشعبي إلى تعيين متحدثين عنه لنقل مطالبه إلى مؤسسات الدولة.
وقال قايد صالح، في خطاب ألقاه أمام القيادات والكوادر العسكرية في منطقة ورقلة جنوبي الجزائر، إنه "يستحسن أن تتسم المسيرات بحد معقول وكاف من التنظيم والتأطير الجيد، الذي يفرز ممثلين حقيقيين يتسمون بالصدق والأمانة في نقل المطالب المشروعة لهذه المسيرات، ويجنبها أيّ شكل من أشكال الفوضى، والوقوع في فخ الاختراق من قبل ذوي المخططات المريبة، الذين يجعلون من هذه المسيرات بوابة لإبراز شعاراتهم ورفع راياتهم، وجعلها جسراً لتبليغ بعض المطالب غير العقلانية".

وشدد المسؤول العسكري على ما اعتبره "ضرورة وحتمية إعادة النظر في كيفية تنظيم هذه المسيرات، وفي ضرورة تأطيرها بأشخاص من ذوي الحسّ الوطني المسؤول، الذين يخافون الله في شعبهم ووطنهم ومؤسسات دولتهم، ويعملون على نقل المطالب الشعبية في إطار حوار جادّ وبنّاء مع مؤسسات الدولة، آخذين بالاعتبار ما تحقق لحدّ الآن من مطالب، بفضل المرافقة الدائمة للجيش، الذي تعهد والتزم بأنه لن يكون طرفاً في هذا الحوار المرغوب".

وكان قايد صالح يردّ على دعوات توجهت إلى الجيش خلال اليومين الماضيين، تخصّ فتح حوار مباشر مع الحراك والمعارضة، للاتفاق على خطوات حلّ سياسي انتقالي، إذ دعت السبت ثلاث شخصيات سياسية وعسكرية بارزة، وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي وأبا الحركة الحقوقية علي يحيى عبد النور والجنرال السابق في الجيش رشيد بن يلس، الجيش إلى فتح حوار مباشر مع رموز الحراك الشعبي والقوى السياسية لإيجاد حل للأزمة الراهنة.

كما دعا تكتل يضم 46 تنظيماً مدنياً بارزاً في الجزائر، يمثل نقابات مهنية وهيئات حقوقية ومرجعيات دينية، أمس الأحد، الجيش إلى فتح حوار مباشر مع الحراك الشعبي والنقابات المهنية وقوى المعارضة السياسية، لوضع خطة انتقالية وحل الأزمة الراهنة في البلاد.

واستغرب المسؤول العسكري صمت الشخصيات الوطنية، وعدم تدخلها للمساعدة في حل الأزمة، وأداء دور وساطة سياسية بين الحراك ومؤسسات الدولة، وقال: "نتساءل عن الغياب الملحوظ للشخصيات الوطنية والنخب والكفاءات الوطنية، أمام ما تعيشه البلاد من أحداث وتطورات متسارعة تستوجب تقديم اقتراحات بنّاءة، من شأنها التقريب بين وجهات النظر المختلفة".

تحذيرات

حذر رئيس أركان الجيش، الحراك الشعبي مما وصفها "المطالب غير العقلانية" للحراك الشعبي، وأبدى امتعاضه من "المطالبة بالرحيل الجماعي لكافة إطارات (كوادر) الدولة بحجة أنهم رموز النظام، وهو مصطلح غير موضوعي وغير معقول، بل خطير وخبيث، يراد منه تجريد مؤسسات الدولة وحرمانها من إطاراتها وتشويه سمعتهم، هؤلاء الإطارات الذين كان لهم الفضل في خدمة بلدهم على مختلف المستويات بنزاهة وإخلاص، وليس من حق أي كان أن يحلّ محلّ العدالة بتوجيه التهم لهم والمطالبة برحيلهم".

ووجه قايد صالح اتهامات إلى أطراف وصفها بالمتآمرة، يعتقد أنها تدفع بالحراك الشعبي إلى مطالب كهذه، وحذر من أن يكون "الهدف هو أن هؤلاء المتآمرين ومن يسير في فلكهم، يريدون قطع الطريق أمام كل الحلول الممكنة، وجعل البلاد تعيش حالة من الانسداد السياسي المقصود، للوصول إلى هدفهم المخطط وهو الوصول بالبلاد إلى حالة الفراغ الدستوري، ففي هذه الحالة أصبحت المسيرات الشعبية مطية سهلة يركبها هؤلاء الأشخاص، للترويج لأفكار لا تخدم الجزائر ولا تتماشى إطلاقاً مع المطالب الشعبية المرفوعة".

واتهم قايد صالح أطرافاً لم يسمّها، بمحاولة دفع البلاد إلى وضع أزمة دستورية بمخلفات اقتصادية واجتماعية، وقال: "من يريد إبقاء البلاد في حالة انسداد، هم أشخاص وأطراف يتعمدون الدخول في فراغ دستوري بكل ما يحمله من مخاطر وتهديدات، فالانسداد السياسي والفراغ الدستوري المبرمج في بلادنا عن قصد من بعض الأطراف، هو مسار له تأثيراته الوخيمة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، ولا سيما في مجال الاستثمارات والحفاظ على مناصب الشغل وعلى القدرة الشرائية للمواطنين، ويبدو أن هناك من يزعجهم بقاء الدولة متمتعة بهيبتها، واستمرار مؤسساتها في مزاولة مهامها بشكل عادي، على الرغم من هذه الأزمة".

وثمّن قائد الجيش حملة مكافحة الفساد وملاحقة كبار رجال الأعمال ورؤساء الحكومات والوزراء، واعتبر أن "ما تحقق حتى الآن من نتائج في مجال محاربة الفساد، يمثل مطلباً أساسياً من مطالب الجزائريين الأوفياء والمخلصين والغيورين على وطنهم، وهي نتائج تصبّ في الاتجاه الصحيح المتناغم مع تضافر الجهود وتوافق الرؤى بين الجيش والشعب"، وشدد المسؤول العسكري على إصرار الجيش على محاسبة المتورطين في التآمر على الدولة والجيش، وقال: "ولا شك بأن ما أصاب رؤوس الفتنة التي انكشف أمرها وأمر أعمالها الإجرامية والخبيثة والمضرة بالجزائر، هي الآن تنال جزاءها العادل والمنصف بالحق والقانون، وسوف يكون ذات المصير لكل الذين تورطوا في التآمر على الجيش وعلى الجزائر، من خلال ما اقترفوه من أعمال إجرامية، هؤلاء الذين ستكشفهم مستقبلاً التحقيقات المعمقة والمثابرة الجارية، وسينالون هم أيضاً جزاءهم العادل والمنصف بالحق والقانون".

وكان قايد صالح يشير، إلى رؤساء الحكومات والوزراء ورجال الأعمال المقربين من بوتفليقة، والثلاثي المعتقل في السجن العسكري السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس بوتفليقة والقائد الأسبق لجهاز المخابرات الفريق محمد مدين، والقائد السابق لنفس الجهاز بشير طرطاق، والملاحقين بتهمة التآمر على سلطة الجيش والدولة، وقال إن "هؤلاء الذين تم تعيينهم في وظائف سامية، بدلاً من أن يجعلوا من هذه الوظائف وهذه المناصب فرصة يؤكدون لعمل ميداني ومثمر، بدل كل ذلك تفننوا في استغلال مزايا وظائفهم وتسخيرها أساساً لخدمة أغراضهم الشخصية، معتقدين أن مواصلة بل الإصرار على نسج الدسائس والمؤامرات، سيكفل لهم النجاة مما يقترفون".

وعاد قائد أركان الجيش إلى بداية المواجهة مع ما يصفها "رؤوس العصابة" المقربة من بوتفليقة نهاية مارس/ آذار الماضي، بعد إعلان الجيش وإصراره على تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على شغور منصب الرئيس بسبب مرض بوتفليقة، مشيراً إلى أن تطبيق هذه المادة" أزعج رؤوس العصابة الذين أظهروا حقداً دفيناً على القوات المسلحة، وأثار لديهم تأويلات خاطئة ومغرضة، وأحدثوا ضجة من أجل إفشال كل مسعى تتقدم به قيادة الجيش وأظهروا بهذه المواقف أنهم أعداء للبلاد"، موضحاً أن "مسارهم الوظيفي والمهني يشهد على أنهم لم يقدموا أي شيء لهذا الجيش، لأنهم ببساطة قد انشغلوا أساساً بتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، ويبدو أن حقدهم على الجيش وقيادته بلغت درجة وحدوداً خطيرة، إلى حد محاولة إضعاف الجيش".