15 عاماً على تولي أحمد الطيب مشيخة الأزهر: فشل مستمر في محاولات عزله

19 مارس 2025
شيخ الأزهر أحمد الطيب، 16 مارس 2018 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بعد انقلاب الجيش المصري على الرئيس محمد مرسي في 2013، دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى تحقيق عاجل في أحداث العنف، مشدداً على الحوار لتجنب الحرب الأهلية، وتبرأ من دماء المعتصمين.
- تولى الطيب مشيخة الأزهر في 2010 وسعى لاستقلاله عن السلطة، مما أدى إلى توترات مع السيسي، خاصة حول قضايا مثل الطلاق الشفهي.
- ولد الطيب في 1946، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة، وأسهم في إنشاء مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، ويدعو لوقف الحصار على غزة.

"قد أجد نفسي مضطراً لأن أعتكف في بيتي، حتى يتحمل كل فرد مسؤوليته بشأن وقف نزيف الدماء، منعاً من جر البلاد إلى حرب أهلية طالما حذرنا من الوقوع فيها"، بهذه الكلمات تحدّث شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب عبر التلفزيون الرسمي، بعد خمسة أيام من انقلاب الجيش على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، مطالباً بـ"فتح تحقيق عاجل إزاء كل الدماء التي سالت من المصريين"، تعقيباً على أحداث "الحرس الجمهوري" التي راح ضحيتها عشرات من المعتصمين المؤيدين لمرسي في الثامن من يوليو/ تموز 2013.

ورغم حضور الطيب في مشهد الانقلاب الشهير، الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي لإطاحة حكم مرسي، فإنه سرعان ما أصدر بياناً رسمياً أذاعه التلفزيون المصري، في يوم فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر عام 2013، يتبرّأ فيه من دماء المئات من المعتصمين السلميين، بقوله: "لم أكن على علم بالعملية الأمنية، والوسائل التي ستتبع لتفريق المعتصمين وفض الميادين، إلا عبر وسائل الإعلام. استخدام العنف لا يمكن أن يكون بديلاً عن الحلول السياسية، والأزهر يحذر من استمرار العنف وإراقة الدماء، ويدعو إلى التعقل والحوار للخروج من الأزمة".

وتولى الطيب مشيخة الأزهر في 19 مارس/ آذار 2010، خلفاً للشيخ الراحل محمد سيد طنطاوي الذي توفي بأزمة قلبية في الأراضي السعودية. وينتمي الطيب لأسرة صوفية معروفة في صعيد مصر، وكان يشغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، ورئاسة جامعة الأزهر منذ عام 2003، وهو المنصب الذي انتقل إليه بعدما كان مفتياً للديار المصرية.

واستقال الطيب من أمانة السياسات في "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم سابقاً في مصر، بعد ثلاثة أسابيع من توليه مشيخة الأزهر، والتزم بالخط الرسمي للمؤسسات الدينية التقليدية، حتى اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إذ قال في مؤتمر صحافي عقب إطاحة الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك: "موقف الأزهر كان واضحاً منذ البداية بأنه مع المطالب المشروعة للشباب، ولم يكن ليمسك بالعصا من الوسط كما قيل، بل أمسك بالعصا وهو يتقلب بين خوفين: خوف قطرة دم تراق من هؤلاء الشباب، وخوف على الوطن من أن ينفرط عقده، ويدخل في المجهول".

وخلال فترة حكم المجلس العسكري، استطاع الطيب نيل استقلال الأزهر عن السلطة، بعدما ضغط على الجيش والقوى السياسية قبل انتخاب مجلس الشعب (البرلمان) لإصدار قوانين تضمن استقلالية شيخ الأزهر، بحيث يصبح غير قابل للعزل، ويجرى اختياره من بين هيئة كبار العلماء، لينهي بذلك فترة طويلة من وصاية الدولة على الأزهر.

ومع تولي السيسي الحكم رسمياً في عام 2014، شهدت العلاقة بينه وبين الطيب محطات عديدة وصلت إلى حد الخلاف العلني، في قضية مثل "الطلاق الشفهي"، وقول السيسي للطيب في أثناء الاحتفال بعيد الشرطة: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، وذلك في سياق حديثه عن ضرورة تغيير الموقف الشرعي من قضية الطلاق الشفهي، واعتباره كأن لم يقع إذا لم يتم توثيقه.

وحشد الطيب جبهته القوية داخل هيئة كبار العلماء التي رفضت ما طالب به السيسي من إلغاء للطلاق الشفهي. وأصدرت الهيئة بياناً شديد اللهجة تحذر فيه من "التساهل في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء". ولم تنجح محاولات السيسي ونظامه المتكررة في تمرير تعديلات على الدستور أو القانون تحد من صلاحيات شيخ الأزهر بما يسمح بعزله، وتعيين وزير الأوقاف الحالي أسامة الأزهري بدلاً منه، باعتبار الأخير كان مستشاراً دينياً للسيسي لسنوات، قبل تعيينه في منصب الوزاري العام الماضي.

وتنص المادة السابعة من دستور مصر الحالي بأن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء". وشن النظام المصري حرباً إعلامية ضد الطيب عام 2017، استخدم فيها جميع الأسلحة الإعلامية والدعائية والبرلمانية، بحجة فشل الأزهر في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، وغياب دوره في قضية تجديد الخطاب الديني.

وقال السيسي للطيب، في احتفالية سابقة للمولد النبوي الشريف: "إن الأزهر والدعاة مسؤولون أمام الله عن تجديد الخطاب الديني، وتصحيح صورة الإسلام"، مضيفاً "سوف أحاججكم بذلك أمام الله، ولا يمكن لمليار وربع المليار (من المسلمين) أن يتغلبوا على ستة مليارات!".

الأمر تكرر في عام 2019، بعدما أثارت كلمة خصصها الطيب للحديث عن خطبة الوداع حفيظة السيسي، إذ قال إن "النبي أول من وضع دستوراً عالمياً لحماية الدماء والأعراض والأموال، فقد كان أول بند من بنود خطبة الوداع تحذير العالم أجمع من فوضى الدماء والعبث بالأموال والأعراض". ونفى السيسي، في كلمته، بعد الطيب نفياً قاطعاً "طمعه في حكم مصر"، مشيراً إلى أنه "لم يكن ينوي الترشح لرئاسة الجمهورية".

وتراجع مجلس النواب - إثر ضغوط شعبية - عن مناقشة مشروع قانون قدمه عضو ائتلاف الأغلبية النائب السابق محمد أبو حامد، بشأن تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الأزهر، بهدف تقييد فترة ولاية شيخ الأزهر بمدة 12 عاماً بحد أقصى، وإمكانية محاسبته من خلال لجنة تحقيق، وإنهاء صلاحيته (عزله)، حال إخلاله بواجبات وظيفته، غير أن الطيب تعرض للهجوم بسبب بعض المواقف التي رأى البعض أنها سلبية، ومنها عدم نعي مشيخة الأزهر عضو هيئة كبار العلماء الراحل الداعية يوسف القرضاوي، الذي توفي في قطر عن عمر ناهز 96 عاماً في سبتمبر/ أيلول 2022، تحت ذريعة عدم استفزاز النظام الحاكم في مصر، وأن القرضاوي ينظر إليه من قبل النظام على أنه الزعيم الروحي لجماعة "الإخوان المسلمين" المناوئة للسيسي.

واستقال القرضاوي من هيئة كبار العلماء، أعلى هيئة تابعة للأزهر الشريف، احتجاجاً على موقف الطيب من انقلاب 2013. وقال القرضاوي، في استقالته: "فجعنا وفجع الشعب المصري بمشاركة شيخ الأزهر في مشهد الانقلاب. وانتظرنا أن يرجع إلى الحق، وأن يعلن براءته من هذا النظام التعسفي، ولكن يبدو أن الرجل فضّل الجلوس بين اللواءات على الجلوس إلى إخوانه العلماء".

كذلك تؤخذ على الطيب تصريحاته بشأن حرمة التظاهر والخروج على الحاكم في الأيام الأولى لثورة 2011، واتهام الثوار المطالبين برحيل مبارك بأنهم "خانوا الدين والوطن"، بينما أيد المظاهرات الداعية إلى رحيل مرسي في 30 يونيو/ حزيران 2013، ومشاركته في بيان الانقلاب الذي قاده السيسي، بدعوى أن "ارتكاب أخف الضررين هو واجب شرعي".

والطيب ولد في عام 1946 بقرية القرنة في محافظة الأقصر، جنوبي مصر، ونشأ في بيت صوفي، فجده الأكبر الشيخ الطيب الحساني مؤسس الطريقة "الخلواتية الحسانية". وتعلم في الأزهر حتى التحق بقسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين، وتخرج فيها بتفوق عام 1969، ثم نال شهادة الماجستير في 1971، والدكتوراه في 1977، ليشد الرحال بعدها إلى باريس لمدة ستة أشهر كباحث في جامعة السوربون الفرنسية.

ويتقن الطيب اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وله العديد من المؤلفات والبحوث، ومنها: الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي، وتعليق على قسم الإلهيات من كتاب تهذيب الكلام للتفتازاني، ومدخل لدراسة المنطق القديم، ومباحث الوجود والماهية من كتاب المواقف (عرض ودراسة)، ومفهوم الحركة بين الفلسفة الإسلامية والفلسفة الماركسية، وأصول نظرية العلم عند الأشعري.

وتولى الطيب رئاسة مجلس حكماء المسلمين عام 2014، وأنشئ "مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف" باثنتي عشرة لغة، حتى يكون عين الأزهر الناظرة على العالم. كما أنشئ "مركز الأزهر للترجمة" ليكون معنياً بترجمة الكتب التي من شأنها توضيح صورة الإسلام بإحدى عشرة لغة، وإرسالها إلى سفارات الدول الأجنبية والمنظمات الدولية في مصر وخارجها.

والمراقب للقضايا التي تقع في قلب اهتمامات مشيخة الأزهر، يجد أن قضية القدس وفلسطين تقع في صلب اهتماماتها. ودعا الطيب، مؤخراً، الدول العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي المتحرر من ضغوط الصهيونية، إلى "تحمل مسؤولياتها التاريخية والإنسانية في وقف الحصار غير الأخلاقي من جانب الاحتلال على قطاع غزة، والمطالبة بفتح المعابر في أسرع وقت ممكن، وتسيير دخول قوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية".