14 عاماً على ربيع المغرب...مطلب إسقاط الفساد يراوح مكانه

20 فبراير 2025   |  آخر تحديث: 04:09 (توقيت القدس)
تظاهرة في الرباط، 20 فبراير 2023 (أبو آدم محمد/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تحل الذكرى الـ14 لحركة 20 فبراير في المغرب، التي طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، ولا تزال بعض مطالبها، مثل مكافحة الفساد، تثير النقاشات.
- يواجه المغرب تحديات في مكافحة الفساد، حيث أظهرت تقارير تراجع الجهود، وأعلنت "ترانسبارنسي/المغرب" تجميد عضويتها في اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، بينما تؤكد الحكومة تحقيق تقدم.
- يدعو الناشطون لتجديد الجهود في مكافحة الفساد، مشددين على تشكيل جبهة وطنية وتفعيل القوانين والمؤسسات لتحقيق التنمية والإصلاحات الديمقراطية.

تحل اليوم الخميس الذكرى الـ14 لانطلاق "حركة 20 فبراير" المعروفة باسم ربيع المغرب والتي اعتبرت بمثابة التعبير المغربي للتأثر بموجة الربيع العربي، في وقت لا تزال فيه عدد من مطالبها وشعاراتها تحتفظ براهنيتها، ويتردد صداها داخلياً وخارجياً. وفي حين، تعود "روح" الحركة التي رفعت في عام 2011 مطالباً سياسية واقتصادية واجتماعية تمت ترجمتها في جملة من الشعارات الإصلاحية، إلى المشهد السياسي في المغرب اليوم، ما يزال مطلب إسقاط الفساد في المغرب والذي شكل شعاراً مركزياً في احتجاجاتها ومطالبها، يراوح مكانه.

تراجع مستمر

ينعكس ذلك من خلال تقارير رسمية وغير رسمية، وطنية ودولية كان آخرها تقرير منظمة ترانسبارنسي الدولية لمؤشر إدراك الفساد لعام 2024، الذي صدر في 11 فبراير/شباط الحالي، وكشف عن تراجع ملحوظ في مستوى النزاهة بعد أن سجل المغرب معدل 37 نقطة من أصل 100 نقطة، ما أدى إلى انتقاله إلى المرتبة 99 عالمياً من أصل 180 دولة، بعد أن كان يحتل المرتبة 97 في العام السابق. يعد هذا التراجع استمراراً لمسيرة الانحدار التي بدأت منذ عام 2012، إذ شهدت البلاد أفضل نتائجها في عام 2018 عندما حصلت على 43 نقطة واحتلت المرتبة 73، قبل أن تتراجع تدريجياً بفقدان خمس درجات و26 مرتبة خلال السنوات اللاحقة. وبينما يرسم تقرير "ترانسبارنسي الدولية" صورة حول الفساد في المغرب كان لافتاً قبل أيام قليلة من حلول الذكرى الـ14 لـ"حركة 20" فبراير إعلان "ترانسبارنسي/المغرب" تجميد عضويتها في "اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد" الحكومية، إلى أن "تظهر بوادر ملموسة من السلطات العمومية تشير إلى التزام فعلي في مكافحة الفساد".

وبررت المنظمة قرارها بامتناع رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن دعوة اللجنة للاجتماع منذ ثلاث سنوات، في وقت يفرض النص المؤسس لها اجتماعها مرتين في السنة على الأقل. وفي وقت يبرز فيه أن هناك تراجعاً في مكافحة الفساد، ترفع "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها"، وهي هيئة حكومية، من الضغط على الحكومة من خلال تأكيدها، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الفساد في المغرب يكلف المملكة خمسة مليارات دولار، وأن "وضع المغرب في جميع مؤشرات مكافحة الفساد لم يتحسن خلال العشرين سنة الماضية، بحيث لم يتقدم في مؤشر إدراك الفساد سوى بنقطة واحدة، وهو ما يعاكس انتظارات المواطنين". بالمقابل، تؤكد الحكومة أن إجراءاتها في مجال محاصرة الفساد "مهمة وملموسة"، معلنة الشهر الماضي، أن "السلطات تمكنت، إلى حدود الآن، من تحقيق 76% من الأهداف المسطرة في قلب الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد 2016-2015، خصوصاً تعزيز ورش إصلاح الإدارة من خلال إصدار مجموعة من القوانين المهيكلة".

استفحال الفساد بعد ربيع المغرب

في هذا الصدد رأى الناشط الحقوقي، خالد البكاري، أحد أبرز وجوه "حركة 20 فبراير" في مدينة الدار البيضاء، أن استطلاعات الرأي، بالإضافة إلى تقارير المؤسسات التي تشتغل على موضوع "الفساد"، سواء كانت منظمات غير حكومية مثل "ترانسبارنسي/المغرب"، أو مؤسسات وطنية رسمية مثل اللجنة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها، "تشير إلى ارتفاع مؤشرات الفساد، وهو أمر يزكيه تصاعد عدد المتابعات القضائية على خلفية الفساد والرشوة ونهب المال العام والاحتيال الضريبي".

 خالد البكاري: يفترض عودة مطلب مكافحة الفساد ليتصدر اهتمامات القوى المعنية بالتغيير

وأوضح البكاري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "إضافة إلى الأسباب المتوارثة التي تسمح باستفحال الفساد من قبيل ضعف مؤسسات الرقابة، والفساد القضائي الذي يسمح بالإفلات من العقاب، والمدونات القانونية التي تسهل التحايل على القانون، ووجود مظلات نافذة لحماية المفسدين الكبار، فإن الهيمنة المتصاعدة للأعيان والأثرياء الكبار والعائلات المقاولاتية على المجال السياسي، بعد شبه السيطرة على المؤسسات المنتخبة بما فيها المؤسسة التشريعية، ساهم بشكل كبير في الانتقال من براديغم (نموذج) الفساد في خدمة السلطوية، إلى براديغم أخطر منه وهو السلطوية في حماية الفساد".

وبرأيه فإن الوضع "قد يؤدي إلى اصطدام بين ما يعرف بالمخزن التقليدي، وهو المدافع الحقيقي عن العرش (باستعارة عبارة الأكاديمي الفرنسي ريمي لوفو عن كتابه "الفلاح المغربي مدافع عن العرش" (1976) والأوليغارشيا المالية التي تبني طموحاتها السياسية على قالب مصالحها المالية، خصوصاً أن السمة المهيمنة على النسق الاقتصادي هي الريع، فيما السمة المهيمنة على النسق السياسي هي الولاءات لا الكفاءة والديمقراطية". هذين النسقين، وفق البكاري "بقدر ما يشجعان الفساد، فإنهما يشكلان خطراً حتى على الدولة المفترض أنها تسعى لبناء التوازنات أو على الأقل منع الانزلاق نحو اتساع الهوة بين مختلف الطبقات والمصالح والقوى".

وباعتقاده فإن تفعيل مطلب محاربة الفساد في المغرب "يفترض عودة هذا المطلب ليتصدر جدول اشتغال القوى ذات المصلحة في التغيير، والتي عليها أن تعدل أولوياتها"، معتبراً أنه "إذا كان الإصلاح السياسي قد أطر خريطة طريق الديمقراطيين باعتباره المدخل لحل باقي المعضلات، فإن الواقع اليوم يبين أن الفساد هو العائق الأول للتحول الديمقراطي، باعتبار أن مركبات الفساد تسعى لحماية مصالحها عن طريق استدامة التحكم". من هنا رأى البكاري "أن النضال سواء من داخل المؤسسات أو من داخل المجال المدني والجماهيري يجب أن يتجه إلى فضح الفساد، والمطالبة بوقف الإفلات من العقاب في الجرائم المالية المرتبطة بالمال العام، وتشكيل جبهة وطنية عريضة لمناهضة الفساد وحماية المبلغين عنه".

سبق أن رفعت الاحتجاجات خلال ربيع المغرب شعارات الديمقراطية والعدالة والحرية، وفي هذا السياق شدد على أن البلاد تملك "فائضاً من الأدبيات المرتبطة بالانتقال الديمقراطي، والحقوق المدنية والسياسية، وما جاور ذلك، كما توجد احتجاجات نقابية، ومناهضة للتطبيع، لكن نفتقر إلى أدبيات مرتبطة بمواجهة الفساد". وأوضح أنه "تكاد تنعدم التحركات الشعبية لمكافحة الفساد، رغم أنه العائق الأول سواء للتنمية الحقيقية أو التحول الديمقراطي"، لافتاً إلى أن "هذا الموضوع كان أساس تحركات شعبية في دول بأميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا أفضى إلى إصلاحات ديمقراطية وإلى بناء نماذج ناجعة للتنمية".

محمد الغلوسي: لوبي الفساد أضعف مجلس المنافسة وجعل مؤسسات الحوكمة مجرد واجهة صورية  

من جهته، رأى محمد الغلوسي، رئيس "الجمعية المغربية لحماية المال العام" (غير حكومية)، أن الفساد في المغرب "لم يعد ظاهرة عرضية، بل أصبح نظامياً وبنيوياً في ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهته". ولفت في حدث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عدم تنفيذ مقتضيات الفصل 36 من الدستور، الذي يعد حجر الزاوية في تخليق الحياة العامة ومحاربة الانحراف في ممارسة السلطة، يعد دليلاً واضحاً على الانحراف الدستوري والأخلاقي والسياسي الذي يشهده المغرب". ويتعلق الفصل 36 بالمخالفات المالية، و"الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية"، إلى جانب "استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة في العلاقات الاقتصادية". واعتبر الغلوسي، أن "التراجع لم يكن مفاجئاً بالنظر إلى السلوك السياسي المتبع، والذي يركز على حماية مواقع الريع والفساد والدفاع عن مصالح الفئات المستفيدة من هذا الواقع من خلال عدم تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح".

أخد الوضع السياسي يتراجع منذ ربيع المغرب عام 2011. وفي السياق لا يقتصر الوضع، وفق الغلوسي، على ضعف السياسات التنفيذية فحسب، بل يتجلى أيضاً في تقويض الآليات المؤسسية لمكافحة الفساد، إذ "لم تجتمع اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد (حكومية) سوى مرتين منذ تأسيسها قبل ثماني سنوات، على الرغم من أن النص المؤسس يلزمها بعقد اجتماعين سنوياً". وأضاف أن الحكومة سحبت (نهاية 2021) مشروع القانون المتعلق بـ"تجريم الإثراء غير المشروع" بعد مناقشته لسنوات، إلى جانب "فرض تشريعات تقيد نشاط منظمات المجتمع المدني والسلطة القضائية في متابعة الجرائم التي تمس الأموال العامة". ولفت إلى أن المنظمات الدولية التقطت هذه الإشارة التي تعكس "انحرافاً دستورياً وأخلاقياً وسياسياً في ممارسة السلطة"، الذي تمثل بـ"رفض رئيس الحكومة الحالي في أكثر من مناسبة عقد اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد ولو شكلياً. كذلك "انتهت المدة المحددة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد دون أن يكون لهذه الأخيرة أي أثر على الواقع، لكون لوبي الفساد والريع قد عمد إلى وأد هذه الاستراتيجية في مهدها حتى يبقى مستفيداً من ريع السلطة والنفوذ".

وباعتقاد الغلوسي، فإن "لوبي الفساد أضعف مجلس المنافسة (أعيد تفعيله عام 2018 أي بعد ربيع المغرب بعدة سنوات، وهو مؤسسة دستورية مستقلة تعمل في إطار تنظيم المنافسة الحرة والعادلة بحسب موقع المجلس) الذي تحوّل إلى هيئة تتودد إلى شركات المحروقات وتتوسل إليها لاحترام القانون". وأضاف أن هذا المجلس "هاجم الهيئة الوطنية للنزاهة وجعل مؤسسات الحكامة (الحوكمة) مجرد واجهة صورية. لا تأثير لها على واقع شيوع الفساد والرشوة والريع ونهب المال العام". وبرأيه فإن "المجتمع اليوم يتطلع إلى مكافحة شاملة للفساد والرشوة ونهب المال العام، وربط المسؤولية بالمحاسبة عبر استراتيجية وطنية متكاملة ومتعددة الأبعاد تقي بلدنا من كل المخاطر والأزمات الخارجية والداخلية، وتخرجه من دائرة التقارير السوداء المتعلقة بمؤشرات الشفافية والتنمية".

حركة مطالبة بالعدالة والحرية

وخرج الآلاف من المغاربة، في 20 فبراير/شباط 2011 الذي عرف باسم ربيع المغرب إلى شوارع المملكة للاحتجاج، بناء على دعوة أطلقتها حركة شكلها شباب من تنظيمات سياسية ومستقلين عبر منصات التواصل الاجتماعي. طالب هؤلاء بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة، والفصل بين الثروة والسلطة في المناصب الحكومية، ومحاكمة الضالعين في قضايا فساد واستغلال نفوذ ونهب ثروات المملكة. كما طالبوا حينها باستقلال القضاء وحرية الإعلام وإقامة ملكية برلمانية وإجراء انتخابات نزيهة ووضع دستور جديد، وذلك في سياق ثورات الربيع العربي التي أطاحت عدة أنظمة عربية حاكمة. وبعد أقل من شهر واحد من انطلاق ربيع المغرب والاحتجاجات التي خرجت، طرح ملك المغرب محمد السادس، أجندة للإصلاح من خلال خطابه الشهير في 9 مارس/آذار 2011. وأقر تعديلات دستورية قلصت صلاحياته في الحكم، ووسعت صلاحيات رئيس الحكومة. غير أن شباب الحركة لم تقنعهم تلك الإصلاحات، وعدوها "التفافاً" على مطالبهم الرئيسية، وقضوا ما يزيد على العام في معارضتها، قبل أن يبدأ الزخم الشعبي في الخفوت لأسباب ذاتية وأخرى خارجية.

وعلى الرغم من أن ربيع المغرب المتمثل بـ"حركة 20 فبراير" ساهمت في إحداث هزة كبيرة في المشهد السياسي ترجم بولادة دستور الربيع العربي (استفتاء يوليو/تموز 2011)، وإجراء انتخابات مبكرة في نوفمبر/تشرين الثاني، مكنت للمرة الأولى في تاريخ البلاد، من صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم، إلا أن ديناميتها ومطالبها خفتت واعتراها فتور ملحوظ بعد انسحاب جماعة العدل والإحسان، أكبر تنظيم إسلامي في المغرب غير معترف به، من الحركة، في ديسمبر/كانون الأول 2011. وكانت الجماعة تشكل الثقل الأكبر داخل الحركة إلى جانب اليساريين، وهو ما خفف بشكل مؤثر حجم التظاهرات الاحتجاجية للنسخة المغربية من الربيع العربي.

المساهمون