أولى انقسامات الحكومة اللبنانية: حملة لجنبلاط ضد الحريري وباسيل

أولى انقسامات الحكومة اللبنانية: حملة لجنبلاط ضد الحريري وباسيل

04 فبراير 2019
لطالما كان جنبلاط والحريري حليفين (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -
انطلقت الأزمات بين أطراف الحكومة اللبنانية، الوليدة حديثاً، بسرعة قياسية. وبعد أربعة أيام فقط من تشكيلها، فتح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب السابق وليد جنبلاط، النار عليها بوصفها حكومة "التيار الوطني الحر" وحلفائه الذين استحوذوا على 11 وزيراً فيها (من أصل 30).

وطاولت حملة جنبلاط رئيس الحكومة سعد الحريري، لأسباب عدة، أهمها دعم الحريري لوزير الخارجية جبران باسيل، والشراكة السياسية والاقتصادية التي تجمع بينهما. 

ولم تكن هناك بوادر أزمة سياسية بين الحريري وجنبلاط، خصوصاً أن الخطوط بين الحلفاء السابقين في قوى "14 آذار" كانت مفتوحة، وشهدت تنسيقاً واضحاً، تحديداً خلال الإشكال الأمني الذي وقع مؤخراً في بلدة الجاهلية، والتي وقف خلالها جنبلاط مدافعاً عن الحريري، ورافضاً التعرض له سياسياً من قبل الوزير السابق وئام وهاب.

نظرياً، لم يكن جنبلاط في وارد فتح جبهة سياسية ضد الحريري، لكن أسباباً عديدة دفعته إلى فتح النار السياسية عليه، خصوصاً بعد تأليف حكومة يرى جنبلاط أنها حكومة "التيار الوطني الحر"، وما تضمنته من أسماء وضعها جنبلاط في خانة محاولات استفزازه، مثل توزير إبن شقيق الشيخ نصر الدين الغريب (أحد شيخَي عقل الطائفة الدرزية المحسوب على المعسكر المعارض لجنبلاط) صالح الغريب، وتسليمه وزارة الدولة لشؤون النازحين، وفق التسمية اللبنانية للإشارة إلى اللاجئين السوريين.

وصلت الرسالة إلى قصر جنبلاط في المختارة، وقد سبقتها أيضاً دعوة نصر الدين الغريب إلى القمة العربية الاقتصادية الشهر الماضي، ليجلس إلى جانب رؤساء الطوائف، وهو ما عده جنبلاط تعدياً واضحاً على المرجعية الدرزية الدينية الممثلة بشيخ العقل نعيم حسن، خصوصاً أن الغريب يعتبره حلفاءُ النظام السوري في لبنان، ممثلهم الديني. 

الرسالة واضحة وفق جنبلاط، الذي يعتبر أن أمرَ عملياتٍ سورياً صدر لمواجهة نفوذه، وهو ما يفسر برأيه ما حصل في الجاهلية، وقبلها الشويفات من أحداث أمنية يعتبر رئيس الحزب التقدمي أنها تستهدف الحالة التي يمثلها، إضافة إلى ما يُحكى عن تشكيل جبهة معارضة درزية ضده، والضغوط التي أجبرته على التنازل عن مقعد وزاري درزي في الحكومة الحالية، من منطلق تسهيل مهمة تأليف الحكومة، لصالح رئيس الجمهورية، وهو المقعد الذي يشغله الغريب حالياً.

تستغرب مصادر "التقدمي الاشتراكي" طريقة تعاطي رئاسة الجمهورية مع جنبلاط منذ حادثة دعوة الغريب إلى حضور القمة الاقتصادية العربية، إلا أنها في ذلك الوقت لم تضع ما حصل في سياق التماهي مع أمر العمليات السوري ضد جنبلاط. لكن توزير صالح الغريب، وتسليمه وزارة الدولة لشؤون النازحين، اعتبرها جنبلاط إعلاناً رسمياً للحملة ضده.

يبدو القلق واضحاً في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي مما أفرزته هذه الحكومة من توازنات. وينقسم القلق إلى جزأين: الأول يتعلق بالتحالف الاقتصادي بين الحريري وباسيل، وهو ما كرر جنبلاط مراراً اعتراضه عليه. أما القسم الثاني فيتعلق بالنظام اللبناني الذي يرى جنبلاط أنه مهدد فعلياً بسبب "الهرطقات الدستورية" التي رافقت عملية تأليف الحكومة، لجهة أن جبران باسيل هو من أدى الدور الرئيسي في تأليف الحكومة لا رئيس الحكومة المكلف، وقد عبر جنبلاط عن ذلك عندما سأل: "أين اتفاق الطائف الذي بناه أبوك واستشهد من أجله؟"، (في إشارة إلى إعطاء الاتفاق الشهير، صلاحية تأليف الحكومة لرئيسها المكلف)، ما دفع الحريري إلى رد عنيف على جنبلاط واصفاً كلامه بأنه "محاولة غير بريئة للاصطياد في المياه العكرة والتعويض عن المشكلات التي يعانيها أصحاب هذا الكلام، والتنازلات التي كانوا أول المتبرعين في تقديمها". ثم جاء الرد الأعنف من أحد المقربين جداً من جنبلاط، الوزير وائل أبو فاعور الإثنين، الذي خاطب جبران باسيل متحدثاً عن "هرطقات وممارسات استعلائية" لوزير الخارجية ولفريقه الوزاري، إضافة إلى ما وصفه بـ"الغنج على الدولة"، وفي ذلك رسالة مبطنة إلى محاولات الحريري خلال تأليف الحكومة إرضاء "التيار الوطني الحر" عبر دعوته مراراً جنبلاط إلى التنازل عن وزارة الصناعة لصالح حصة حزب عون وباسيل.

اليوم، يسعى أكثر من طرف لضبط الأزمة الناشئة بين الحريري وجنبلاط. لكن رغم ترجيح نجاح التهدئة في الساعات المقبلة، إلا أن كل شيء سيتوقف على مدى استمرار الحريري في اتباع سياسات وإطلاق مواقف متماهية مع "التيار الوطني الحر" في الداخل اللبناني، مثل تكرار الحريري تأييده للخطة الروسية المتعلقة بإعادة اللاجئين السوريين إلى سورية بلا أي ضمانات ولا حل سياسي هناك.

وفي انتظار الساعات المقبلة، يبدو أن جنبلاط ماضٍ في طريق فتح جبهة معارضة السلطة وعهد ميشال عون، انطلاقاً من الحكومة وبرامجها الاقتصادية الموعودة، وصولاً إلى الشق السياسي. 

ومن بين ما يُحكى في المجالس الاشتراكية عن التطويق الذي يتعرض له جنبلاط، يشار إلى خطوة تسليم وزارة شؤون المهجّرين إلى غسان عطاالله، الذي رسب في الانتخابات الأخيرة في مواجهة النائب نعمة طعمة، المحسوب على جنبلاط، قبل أن تضاف إليها خطوة تعيين الوزير صالح الغريب في اللجنة المكلفة صياغة البيان الوزاري (برنامج الحكومة). 

المساهمون