الاتفاق بين "العسكري" وقوى التغيير: من كسب الرهان بالسودان؟

الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى التغيير: من كسب الرهان في السودان؟

15 مايو 2019
الشارع السوداني يرحب بالاتفاق الأولي (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
نجح المجلس العسكري الانتقالي وقوى "إعلان الحرية والتغيير" بالسودان في إحداث أكبر اختراق في المفاوضات الممتدة بينهما، بالوصول إلى اتفاق على معظم نقاط الخلاف حول أجهزة الحكم خلال الفترة الانتقالية ومهامها ونسب التمثيل فيها، في حين يتوقع استكمال التفاوض اليوم الأربعاء، والإعلان عن الاتفاق النهائي خلال الساعات المقبلة.

وبدأت المفاوضات بين الطرفين في 13 إبريل/ نيسان الماضي، أي بعد يومين من الإطاحة بنظام عمر البشير، لكن تلك المفاوضات لم تصل إلى أي نتائج جدية طوال الفترة الماضية باستثناء اليومين الماضيين، حينما بدأ الطرفان بتقديم سلسلة من التنازلات الكبيرة، في ظل ضغوط شعبية واسعة، وخاصة على المجلس العسكري للوصول لاتفاق ينهي حالة الاحتقان السياسي والأمني في البلاد.

وتمثلت أولى تكتيكات التنازلات المتبادلة في بند مدة الفترة الانتقالية والتي اقترحها المجلس العسكري في أول يوم استلم فيه السلطة، بسنتين فقط، تليها كما يرى المجلس انتخابات حرة ونزيهة، تسلم الحكم لمن يختاره الشعب.

لكن قوى "إعلان الحرية والتغيير"، واستنادا لتجارب سياسية سابقة في السودان تلت سقوط أنظمة عسكرية (تحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 1964، وإبريل/نيسان 1985)، فإن قصر الفترة الانتقالية، حسب اعتقادها، تسبب في إجهاض التجارب الديمقراطية اللاحقة. لذا اقترحت فترة انتقالية مدتها 4 سنوات تتمكن فيها، كما تقول قوى "إعلان الحرية والتغيير"، من إزالة وتصفية الدولة العميقة، التي أسس لها نظام البشير حتى لا تتمكن من العودة مرة أخرى كما حدث في مصر القريبة ودول أخرى من بلدان الربيع العربي.

كما ترى قوى "إعلان الحرية والتغيير" أن نظام البشير وطوال 30 عاما كان في حالة حرب مع الأحزاب ونجح بصورة نسبية في تدميرها باستخدام أدوات الدولة، بالتالي تحتاج إلى 4 سنوات لإعادة بناء نفسها، خاصة الحركات المتمردة التي لم تتعود على العمل المدني.

وبعد شد وجذب، انتهى اتفاق الساعات الأخيرة بالتوصل لمنطقة وسطى بأن تكون الفترة الانتقالية لمدة 3 سنوات على أن تخصص الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية لملف وقف الحرب والوصول للسلام العادل والشامل والدائم في كل أرجاء السودان.

البند الثاني الذي حدث فيه توافق كامل وجاء بنسبة 100 في المئة لصالح قوى "إعلان الحرية والتغيير"، ذلك المتعلق بتشكيل مجلس وزراء الفترة الانتقالية، فقد منح اتفاق أمس "الحرية والتغيير" حق اختيار وتشكيل مجلس وزراء مدني من الكفاءات الوطنية التي تمتاز بالخبرة المهنية والنزاهة، بحيث يكون بصلاحيات تنفيذية كاملة.

ففي السابق كانت الأصوات بما فيها أصوات داخل المجلس العسكري، تنتقد بشدة رغبة "الحرية والتغيير" في احتكار كل المناصب التنفيذية، وجرى الضغط على التحالف للقبول بتمثيل قوى سياسية أخرى غير موقعة على "ميثاق الحرية والتغيير". لكن المقترح وجد رفضاً واسعاً لجهة أن الأحزاب المعنية بالمشاركة النسبية تلك كانت جزءاً من نظام البشير حتى آخر يوم قبل سقوطه، وبالتالي يجب إبعادها أسوة بحزب "المؤتمر الوطني".


بيد أن قوى "إعلان الحرية والتغيير" التي تضم 4 كتل سياسية رئيسة، هي: "نداء السودان" و"تجمع المهنيين السودانيين"، و"التجمع الاتحادي" و"قوى الإجماع الوطني"، وافقت على مشاركة قوى سياسية أخرى ليس في مجلس الوزراء بل في المجلس التشريعي الانتقالي الذي تم الاتفاق على تشكيله من 300 شخص. ويتم اختيار ثلثي أعضاء المجلس من قبل قوى "إعلان الحرية والتغيير"، والثلث الآخر من القوى الأخرى التي لم تكن جزءاً من النظام السابق، حسب الاتفاق، على أن يتم تعيينهم بالتشاور بين قوى "إعلان الحرية والتغيير" والمجلس السيادي الانتقالي، وهذا يعني إمكانية بروز معارضة برلمانية خلال الفترة الانتقالية.

إلى ذلك، يظل الخلاف قائماً على نقطة أهم، وهي تشكيل مجلس سيادي، فبعد الاتفاق على مهامه وصلاحياته، بقيت نقطة الخلاف واضحة حول نسب التمثيل فيه بين العسكريين والمدنيين.

وفي السابق، اقترحت قوى "إعلان الحرية والتغيير" أن يضم المجلس 8 من المدنيين و7 من العسكريين، بينما اقترح المجلس العسكري 7 من العسكريين و3 من المدنيين، وهذا ما جعل البون شاسعاً بين الطرفين.

ويتوقع أن تمضي المفاوضات اليوم حول البند في واحد من اتجاهين، إما مناصفة عضوية المجلس خلال الفترة الانتقالية، أو تعطى الأغلبية للمدنيين على أن يحتفظ المجلس العسكري، وتحديدا الفريق عبد الفتاح البرهان، برئاسة مجلس السيادة خلال السنوات الثلاث المقبلة.

ولتجاوز حالة احتقان واسعة نتيجة لمقتل عدد من المعتصمين، اتفق المجلس العسكري وقوى "إعلان الحرية والتغيير" على تشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق حول أحداث العنف وإطلاق الرصاص على الثوار السلميين، يوم الإثنين الماضي، والتي راح ضحيتها العديد من الشهداء وسط الثوار والقوات المسلحة ومئات من الجرحى. كما اتفقا على تشكيل لجنة مشتركة بين اللجان الميدانية لقوى "إعلان الحرية والتغيير" وقوات الشعب المسلحة للتنسيق وحفظ الأمن حول منطقة الاعتصام أمام القيادة العامة، فضلا عن تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين للإشراف على تنسيق اللجنتين.

وداخل محيط الاعتصام الشعبي أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، جاءت ردة الفعل إيجابية إلى حد بعيد، حيث عزفت المنصة الرئيسة للاعتصام النشيد الوطني الذي ردده آلاف المعتصمين. وبرز عدد من الهتافات المؤيدة لما تم التوصل إليه (الليلة سقطت صاح دم الشهيد ما راح)، وترك هذا التجاوب والتفاعل الإيجابي راحة لدى الكثيرين الذين كانوا يخشون من رفض الاتفاق.

من جهته، أشاد الاتحاد الأفريقي بالاتفاق وأعرب في بيان، عن تهانيه الحارة لجميع الأطراف في السودان، لـ"تحليهم بالمسؤولية العالية من أجل إكمال دورة التفاوض، في وقت معقول من أجل معالجة القضايا المشروعة للشعب السوداني بالشكل المناسب"، وفق ما أوردته وكالة "الأناضول".
وأثنى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، على التقدم الذي أحرزه أصحاب المصلحة في السودان في التوصل إلى اتفاق للانتقال السياسي.
وأشار إلى التعاون الذي بذل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الترويكا (الولايات المتحدة الأميركية والنرويج والمملكة المتحدة) لدعمهم نهج الاتحاد الأفريقي، والشعب السوداني في مساعيه لتحقيق الانتقال السياسي.
ولفت بيان الاتحاد إلى وجود المستشار الاستراتيجي الرئيسي لرئيس المفوضية محمد الحسن لابات، حاليا في الخرطوم للإشراف على الدعم الفني للمفوضية الأفريقية لعملية الانتقال السياسي في البلاد.


على المستوى الميداني، استمرت عمليات إغلاق الطرق، صباح اليوم، لكنها ليست كما كانت عليه طوال اليومين الماضيين. وينتظر السودانيون بقية اليوم الأربعاء بشغف شديد، حيث من المنتظر التوقيع على الاتفاق النهائي بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، وهو اتفاق يفتح الباب أمام بداية مرحلة جديدة للبلاد.

المساهمون