11 سنة على سقوط الموصل: المحاسبة غائبة والوصم حاضر

10 يونيو 2025
بين الدمار في مدينة الموصل، 20 مايو 2024 (زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في 10 يونيو 2014، سقطت الموصل بيد تنظيم داعش، مما أدى إلى سلسلة من الكوارث الإنسانية والسياسية في العراق، واستمرت المعارك حتى يوليو 2017 عندما استعادت القوات العراقية السيطرة بدعم من التحالف الدولي.

- أثارت تصريحات رئيس "الحشد الشعبي" حول انخراط أهالي نينوى مع داعش جدلاً واسعًا، حيث أشار إلى أن 96% من السكان خارج شبهة داعش، مما أثار رفضًا شعبيًا واعتبرها البعض تصريحات سياسية وانتخابية.

- تواجه الموصل تحديات في الأمن والخدمات رغم التحسن النسبي، مع نقص في التمويل وسوء الإدارة، ويؤكد الناشطون على ضرورة دعم تنموي شامل لإعادة بناء البنى التحتية وتحسين الخدمات العامة.

يوافق اليوم الثلاثاء مرور 11 سنة على سقوط الموصل العراقية، بقبضة تنظيم داعش في العاشر من يونيو/ حزيران 2014، والذي خلّف كوارث إنسانية واجتماعية وأمنية وسياسية، على أهالي ثاني كبرى مدن العراق الذين شهدوا أحداثاً مروّعة طاولت بقية المناطق التي انسحبت إليها أعمال العنف والتشريد والتقتيل. لم ينس الناجون من هذه الكوارث الانسحاب المشبوه للقوات العراقية حينها، والذي بقي من دون تفسير واضح طيلة السنوات الماضية، ومن دون محاسبة أي من المسؤولين المتهمين بالتورط في سقوط الموصل والأزمة الأمنية التي حاصرت المدنيين مدة زادت عن ثلاث سنوات تحت احتلال جماعة إرهابية سيطرت في ما بعد على نحو ثلث مساحة البلاد.

كارثة سقوط الموصل

بعد سقوط الموصل بيد "داعش"، توالى سقوط أكثر من 20 مدينة عراقية في أقل من أسبوع، شمالي البلاد وغربها، أبرزها البعاج وتلعفر وسنجار والقيارة والحظر وربيعة والجزيرة. ثم تلتها تكريت وبلد والدور والإسحاقي، وصولاً إلى الرمادي وهيت والرطبة والقائم والكرمة وراوة وعانة وآلوس وبلدات أخرى. استعادت القوات العراقية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، السيطرة على مدينة الموصل وطردت مسلحي تنظيم داعش، في يوليو/ تموز 2017، بعد معارك استمرت نحو عشرة أشهر، خلفت عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين، قدّرهم نواب ومسؤولون بعشرات آلاف القتلى والجرحى، أغلبهم من النساء والأطفال. كما أدت المعارك إلى دمار واسع قدرت وزارة التخطيط العراقية أنه طاول أكثر من 56 ألف منزل، وسط الحديث عن أن نحو ألف منزل منها ما زالت جثث أصحابها تحت أنقاضها، إضافة إلى تسجيل أسماء 11 ألف مفقود.

وخلال معارك التحرير التي قادتها القوات العراقية مدعومة بالتحالف الدولي، سقط في مجمل مناطق العراق أكثر من ربع مليون قتيل وجريح، إلى جانب عشرات آلاف المختطفين والمغيبين. لم يسلم أهالي الموصل كما غيرهم في مدن شمالي وغربي العراق، من العرب السنة، طيلة السنوات التي أعقبت تحرير مدنهم، من مواصلة وصمهم بالإرهاب أو التضامن واحتضان الإرهاب على أقل تقدير. وكان آخر التصريحات التي أثيرت ولاقت رفضاً شعبياً واسعاً، ما صدر عن رئيس "الحشد الشعبي" فالح الفياض، حول نسبة انخراط أهالي محافظة نينوى ومركزها الموصل، في تنظيم داعش. وقال خلال زيارته مدينة الموصل، منتصف مايو/أيار الماضي، إن "التدقيق الأمني في نينوى أظهر أن 96% منهم (السكان) خارج شبهة داعش"، مشيراً إلى أن "نسبة من تورطوا بالانتماء للتنظيم لم تتجاوز 4%". أعقب هذا التعليق موجة رفض كبيرة، لا سيما أن نشطاء وصحافيين عراقيين، أشاروا إلى مبالغة واضحة في ما ذكره الفياض، خصوصاً أن نسبة 4% تمثل رقماً كبيراً قد يصل لـ160 ألف شخص من نينوى.

وردّ محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، أحد المتهمين أيضاً بسقوط الموصل بيد "داعش"، على تعليق الفياض، قائلاً إن "هذا التصريح كان يجب أن يُقال في حينه، يوم كان أهالي نينوى يتعرضون للاضطهاد بتهمة الانتماء لداعش أو مساعدته، ويوم كان التدقيق الأمني ورقة ضغط ومساومة مسلطة على أهالي نينوى". وأضاف في تصريح صحافي في 19 مايو الماضي: "أما الآن وبعد أن أثبت أهالي نينوى براءتهم من تلك التهم بدمائهم وكرامتهم وأموالهم، فإن هذا التصريح لن يغير شيئاً من الواقع، بل هو مجرد محاولة تقرب إلى أهالي الموصل في مرحلة الانتخابات (البرلمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)".

الإساءة لأهالي الموصل

وكان للأحداث التي أعقبت سقوط الموصل أهداف عدة، من بينها طائفية، إذ قال عضو في مجلس محافظة نينوى الحالي، إن "مواصلة التنكيل بأهالي الموصل والتنصل من دعمهم ومساعدتهم وتعويضهم عن المآسي التي مروا بها، لها أهداف سياسية وانتخابية وطائفية". وأضاف لـ"العربي الجديد"، أن "كثيراً من المدونين والصحافيين المحسوبين على تحالفات الإطار التنسيقي (الحاكم) أو فصائل الحشد الشعبي، وبعض الأطراف في الأحزاب (العربية) الشيعية يمارسون هذا الدور منذ سقوط الموصل". وبحسب المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، فإن هذه الأطراف "لا تذكر أسباب سقوط الموصل التي كان المتورط الأساسي فيها هو أكبر الأقطاب الفاعلة في الوسط السياسي الشيعي، وهو نوري المالكي (رئيس الحكومة الأسبق بين 2006 و2014)".

مسؤول محلي: التجريح المتعمد لأهالي الموصل يدفعهم أكثر نحو مقاطعة السياسة

ويؤثر ما وصفه المسؤول بـ"التجريح المتعمد لأهالي الموصل وبقية المناطق التي سقطت بيد داعش"، على "نفوس الأهالي ويدفعهم أكثر نحو مقاطعة الوضع السياسي"، معتبراً أنه "ربما هذا ما تهدف إليه الأطراف التي تسيء إلى الموصل وبقية المناطق التي حُررت بدماء المقاتلين العراقيين ودماء الأهالي أنفسهم". وبرأيه فإن "الجهات القضائية عليها أن تحاسب من يسيء إلى شرائح مهمة في المجتمع العراقي، وألا تسمح بمواصلة الهجمات الإعلامية بأهداف سياسية، يتضرر منها المجتمع في النهاية". من جانبه، بيَّن الباحث والأكاديمي، يونس أحمد، وهو من الموصل، أنه "لا توجد إحصائية دقيقة موثوقة يمكن الاستناد إليها بشأن أعداد المتورطين من مدينة الموصل مع تنظيم داعش". وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "ما تشير إليه البيانات الأمنية والقضائية هو أن النسبة الفعلية للمُتورطين مقارنةً بعدد سكان المدينة الذي يتجاوز المليونين كانت ضئيلة جداً". وحتى ضمن هذه النسبة، تابع أحمد، هناك "تفاوت بين من انخرطوا أيديولوجياً، ومن انخرطوا تحت الضغط أو بهدف النجاة"، معتبراً أن "المشكلة ليست في الأرقام فقط، بل في كيفية إدارة ملف العدالة الانتقالية والتمييز بين الجاني والضحية". 

وما زالت التحديات التي رافقت سقوط الموصل وتداعياتها الأمنية حاضرة، إذ شدد أحمد على أن "الوضع الأمني شهد تحسناً نسبياً خلال السنوات الأخيرة، لكن التحديات ما تزال قائمة، خصوصاً في المناطق الريفية والحدودية"، مضيفاً أن "هناك خلايا نائمة (من التنظيم)، وثغرات في التنسيق بين الأجهزة الأمنية، ونقص في القدرات التقنية". أما على صعيد الخدمات في الموصل، فقال إنها "ما تزال بعيدة عن الحد الأدنى المقبول، إذ تعاني قطاعات الكهرباء والماء والصحة والتعليم، من نقص التمويل وسوء الإدارة، مع غياب رؤية تنموية متكاملة يمكن أن تُخرج المحافظة من حالة الإغاثة المؤقتة إلى الاستقرار المستدام". 

محمود النجار: الموصل تحتاج إلى دعم اجتماعي ونفسي وثقافي لإعادة الثقة بين الدولة والمواطن

وبحسب رئيس مركز "رؤية بغداد" الناشط والصحافي، محمود النجار، فإن "الموصل ما تزال تعاني من تركة ثقيلة خلفها احتلال داعش والعمليات العسكرية" التي رافقته". وشدد النجار، وهو من مدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، على أن "الحديث عن الدعم لا يمكن أن يُختزل بالمساعدات الإنسانية فقط"، موضحاً: "نحن بحاجة إلى دعم تنموي ممنهج يشمل إعادة بناء البنى التحتية، وتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل مستدامة". كما أن الموصل تحتاج، وفق النجار، إلى "دعم اجتماعي ونفسي وثقافي لإعادة دمج المجتمع (إشراك فئات المجتمع)، ومحو آثار التطرّف، وإعادة الثقة بين الدولة والمواطن". كذلك هناك "حاجة ماسّة إلى دعم سياسي يتمثّل في تمكين صوت الموصل الحقيقي من أن يكون ممثلاً في صنع القرار الوطني".

أما في ما يتعلق بتصريحات بعض الأطراف منذ سقوط الموصل بيد "داعش"، فلفت النجار إلى أن "خطاب بعض السياسيين بحق أهالي الموصل مجحف ومؤذٍ، ولا يخدم مشروع الاستقرار الوطني"، معتبراً أنه "من الخطأ تعميم التهمة على مدينة بأكملها عانت أكثر من غيرها من ويلات الإرهاب". وأكد أن "هناك من تورط – تحت الإكراه أو الجهل أو المصالح – في دعم تنظيم داعش، لكنّ الغالبية العظمى من سكان الموصل كانوا ضحايا، لا شركاء. دفعوا الثمن من أرواحهم ومنازلهم ومستقبل أبنائهم". وقال إنه "من غير العدل ولا الوطنية أن نستمر في وصم مدينة كاملة بذنب قلة، خصوصاً بعد أن قدّمت الموصل الكثير من الدماء في سبيل التحرير". 

المساهمون