100 يوم على ولاية ترامب: مقاومة ضعيفة لاستبداد الرئيس

29 ابريل 2025
ترامب في البيت الأبيض، 27 إبريل 2025 (أنابيل غوردون/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أطلق ترامب في ولايته الثانية أوامر مثيرة للجدل، منها الإفراج عن متورطين في اقتحام الكونغرس وفرض رسوم على الصين، مع تراجع شعبيته وضعف التأييد للحزب الديمقراطي.
- خارجيًا، لم يحقق سوى تغييرات طفيفة، واستمرت سياساته العدوانية في الشرق الأوسط، مع حملة ترحيل للمهاجرين أثارت انتقادات.
- داخليًا، هاجم القضاء والوكالات الفيدرالية، مما أدى إلى مقاومة قانونية، ويتوقع بعض المتابعين انخراطًا دوليًا أكبر رغم الأضرار بعيدة المدى.

لم تختلف ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، عن الأولى، مع انقضاء مائة يوم عليها، سوى أن الأضرار التي قد تحدثها لدى انتهائها كما هو مقرر في يناير/كانون الثاني 2029، إذا ما استمر الوضع على ذات المنوال، قد تكون غير قابلة للترميم أو صعبة الإصلاح. فمع مضي مائة يوم على ولاية ترامب الثانية، منذ تسلمه السلطة في 20 يناير الماضي، وقّع الرئيس حوالي 140 أمراً تنفيذياً، وغرّد على "إكس" و"تروث سوشال"، عشرات المرّات، وأصدر قرارات بذات العدد، وكلّها من النوع "السام". وعلى الصعيد الداخلي، ليس وحده ترامب، من يثير العجب بحجم هيمنته على السلطة في واشنطن، بل ضعف المقاومة الداخلية له، في بلد اعتاد تاريخياً على الحراك المعاكس، ولو بالشكل. فحتى في استطلاعات الرأي التي يتراجع فيها منسوب الدعم للرئيس، والتي بلغت مستوى قياسياً في الهبوط لرئيس أميركي في المائة يوم الأولى على ولايته منذ مائة عام، لا يزال التأييد ضعيفاً للحزب الديمقراطي المنافس للجمهوريين، فيما الكونغرس محكوم من المحافظين، والقضاء الأميركي يعاني كمن يتعامل مع مرض خبيث، لمواجهة أوامر دونالد ترامب التنفيذية. أما في الشارع، فالحراك متواضع مقارنة بحجم الضرر الذي يطاول كل مفاصل الدولة، والقطاع التربوي والجامعي والعلمي والجندر والجيش، وتقريباً كلّ شيء. ومع إطلاقه حرب الرسوم الجمركية، بدّد ترامب أيضاً حلم السلام الذي وعد به، وأطلق أول حرب على اليمن، فيما يحاول مبعوثه لكل الأزمات، ستيف ويتكوف، انتزاع صفقة ما في الشرق الأوسط أو مع إيران أو مع روسيا، ولكن إلى حدّ الآن، على شاكلة ترامب ورؤيته التجارية للصفقات.

تأثير دونالد ترامب

وأحدث ترامب، منذ اليوم الأول لعودته إلى البيت الأبيض، التأثير الذي أراده: "الصدمة والرعب". فبالتزامن مع توقيعه بالقلم التقليدي، على عدد قياسي من الأوامر التنفيذية، منها الإفراج والعفو على أكثر من ألف متورط ومتورطة بأحداث اقتحام أنصاره مقر الكونغرس الأميركي في 6 يناير 2021، أطلق تصريحات نارية، أحدثت صدمة على المستوى الدولي، من بينها إبداء الرغبة في السيطرة الأميركية على قطاع غزة الفلسطيني، وتهجير أهله، ليصبح القطاع "ريفييرا الشرق الأوسط"، ثم التذكير بالجدّية في الرغبة الأميركية بشراء جزيرة غرينلاند، وضمّ كندا، لتكرّ سبحة الإعلانات والتهديدات التي أطلقها البيت الأبيض، ثم تراجع عن بعضها، لاسيما ما يتعلق بحرب الرسوم الجمركية التي تخطت الـ100% على الصين.

يضع الرئيس الأميركي القضاء في صلب الأعداء الداخليين

وربما لم يتمكن ترامب، في المائة الأولى من ولايته الثانية، على الصعيد الخارجي، سوى من تحقيق تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا، وإنجاز التفاوض مع بنما، في محاولة للحدّ من نفوذ الصين على القناة، كما يقول المسؤولون في إدارة دونالد ترامب. لكن وعد الانتهاء من حرب أوكرانيا، لا يزال متعثراً، رغم تكريس ترامب، رويداً رويداً، لقاعدة التنازلات المنتظرة لموسكو، في أي صفقة مقبلة محتملة. وبينما يحسب لترامب عدم استعجاله شنّ الحرب على إيران، كما يرغب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وفتحه باب الدبلوماسية معها، إلا أن التغول الإسرائيلي في الشرق الأوسط لا يزال على حاله، مع المزيد من الإبادة الجماعية في غزة، والتنكيل بالفلسطينيين، والاعتداء على سورية ولبنان. وهناك من يتحدث عن "مهلة" ممنوحة لإسرائيل لاستكمال العربدة والعدوان، في كل محيطها، وآخرون عن إعادة ترتيب المنطقة وفق الرؤية الأميركية ـ الإسرائيلية، كما يراها اليمين المتطرف في كلا الجانبين، والتي قد تتبلور وجهتها في الزيارة التي سيجريها ترامب إلى المنطقة، في شهر مايو/أيار المقبل. في غضون ذلك، شنّت الولايات المتحدة أولى حروبها في عهد ترامب على اليمن، تحت شعار تأمين حرّية الملاحة في البحر الأحمر، وذلك بقصف مناطق الحوثيين، وهي حملة عسكرية هدفها الحقيقي إضعاف أحد وكلاء إيران في المنطقة ممن بقوا صامدين في "إسناد غزة"، بعد إضعاف "حزب الله" اللبناني، وانهيار نظام بشار الأسد في سورية. وسط ذلك، لم يحاول ترامب حفظ ماء الوجه مع العالمين العربي والمسلم، ولم ينبس بحرف تجاه أي من المغامرات الإسرائيلية هنا وهناك، بل طالب بمرور السفن الأميركية مجاناً في قناة السويس، كبدل ضرب الحوثيين.

ووقع هذا كلّه في كفّ، ووقعت في كفّ أخرى حرب الرسوم الجمركية التي أطلقها دونالد ترامب على العالم، ووصلت إلى ذروتها على الصين، التي ردّت بإجراءات مضادة، ما حرّك عملية تفاوض تجارية قد تكون الأكبر في التاريخ، إذا ما انطلقت مع كلّ الدول التي استهدفها ترامب برسومه، لإعادة رسم خرائط النفوذ التجارية العالمية، على أسس جديدة، قد تحمل العالم إلى أزمة ركود جديدة، والرأسمالية إلى مستوى آخر من التوحش على وقع استفحال المنافسة بين الصين والولايات المتحدة. وبحسب تقرير لها نشر أمس الاثنين، رأت شبكة سي أن أن، أن ترامب يأخذ الاقتصاد الأميركي إلى حافة الأزمة، ويغامر بسمعة البلاد بما هي ملاذ مالي آمن، ويعزّز مخاوف الناخبين من استمرار تراجع الاقتصاد مقابل وعود الازدهار التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية. ولا يزال الرئيس الأميركي يراهن على رفع الرسوم الجمركية، لتمويل العجز الحكومي، والذهاب إلى تقليص الضرائب في الداخل، وإعادة الاعتبار التدريجي لقطاع الصناعة الوطني، لكن القفزة التي سُجّلت أخيراً في أسعار السلع بالولايات المتحدة، بل حتى النقص ببعض السلع، وارتفاع أسعار الفوائد، والرعب الذي انتاب الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بدّدت الأوهام بـ"عصر ذهبي" أميركي يتمّ فيه سحق الخصوم التجاريين للولايات المتحدة. ويشعر الأميركيون بأثر الرسوم الجديدة في حياتهم اليومية، ويفقد مستهلكون الثقة بالاقتصاد الأميركي، لكن قاعدة ترامب، وأنصاره، يراهنون على الثمار التي قد تجنيها الولايات المتحدة على المدى الطويل، وفق رؤيته، مناقضين لتوقعات الاحتياطي الفيدرالي، وخبراء، بتراجع النمو والتوجه نحو فترة انكماش.

المنشار الآلي لإيلون ماسك

وعلى المقلب الآخر من الكارثة، يقف "المنشار الآلي" لإيلون ماسك، ليجزّ الوكالات الفيدرالية والمكاتب الحكومية، بدءاً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو أس أس إيد)، ومحاولة تفكيك وزارة التربية، وصولاً إلى النبش في دفاتر وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، للبحث عن الـ"ووك" (النهضة المترافقة مع رفض العنصرية والتمييز) والمتحولين جنسياً والنساء، وسط تعهدات لأغنى رجل في العالم، بإنهاء "الهدر والغش والاستغلال" في الحكومة، ما أدّى إلى طرد الآلاف من الموظفين تحت شعار خفض العجز الحكومي. وبينما تجد هذه النظرية صدى لها لدى أنصار ترامب، الكارهين أيديولوجياً للحكومات الفيدرالية، إلا أن تحذيرات بدأت تعلو من تأثير عملية التطهير هذه، والتوفير، على البرامج الاجتماعية مثل خطط التقاعد وامتيازات المتقاعدين والتأمين الصحي للفقراء وكبار السن. وتشكّل هذه البرامج، إلى جانب الإنفاق الدفاعي، جزءاً كبيراً من إنفاق الحكومة الأميركية، لكنها تقف حائط صدّ إذا ما ذهب ترامب لتقليص الضرائب عن الأغنياء، ما قد يؤثر على الطبقة الوسطى الأميركية، التي قد تفقد شبكة الأمان الاجتماعي، إذا ما ذهبت حملة التقشف إلى مدى بعيد، وهي عملية بنظر متابعين، قد تأخذ سنوات، وقد تمتد على طول ولاية ترامب الثانية، لكن أضرارها قد لا يمكن جبرها، بعد رحيله.

حلّ ترامب وكالة يو أس أس إيد، ويحاول تفكيك وزارة التربية

ووفى ترامب، في المائة يوم الأولى من ولايته، بوعد ترحيل المهاجرين غير النظاميين، وتعزيز حماية الحدود البرّية، حيث أطلق عملية ترحيل، بوقع ستة أضعاف عن ولايته الأولى، بحسب موقع "MIGRATIONPOLICY.ORG"، في تقرير له نشر يوم الخميس الماضي. وبحسب الموقع، فقد سخّرت إدارة ترامب، الجيش وقوات إنفاذ القانون والوكالات الفيدرالية وقواعد البيانات الأميركية، وأحيت قوانين لا تستخدم إلا في حالات الحروب، لفرض أكبر عملية تعديل على قانون الهجرة الأميركي في تاريخ البلاد. كما أن إدارة ترامب، فرضت تشديدات أمنية للمرة الأولى في تاريخ البلاد، على الحدود مع كندا، وفصلت أطفالاً عن أهلهم المرحّلين، ورحّلت أطفالاً مهاجرين، يعانون من أمراض مزمنة، وغير ذلك من عدم اكتراث للحالات الإنسانية، وسط استدعاء صفقات مع دول لاتينية لتحويلها لسجون كبيرة لاستقبال المهاجرين. رغم ذلك، تقول المعطيات إن الحكومة قد لا تتمكن من تحقيق الهدف المعلن بترحيل مليون مهاجر غير نظامي سنوياً، بالوتيرة الحالية.

أم المعارك مع القضاء

وأطلق دونالد ترامب في الداخل الأميركي، أمّ معاركه مع القضاء، حيث أن فلسفة حكمه التي تقوم على احتكار السلطة، تعبّر عن ازدراء للحرّيات وحكم القانون، ولطالما أحدثت توتراً بينه وبين القضاء الأميركي، منذ ولايته الأولى، ولكنها استعرت هذه المرة، وتكاد تؤدي إلى أزمة دستورية، على خلفية عمليات ترحيل المهاجرين. ويطلق ترامب على حملته في الداخل، ضدّ خصومه، شعار "محاربة العدو في الداخل"، وهو الشعار الذي رفعه في 14 مارس/آذار الماضي، من داخل وزارة العدل، ويضع الرئيس الأميركي القضاء في صلب الأعداء الداخليين، حيث يتهم الديمقراطيين بتسييس القضاء، وتحويله إلى سلاح ضد الجمهوريين. ووصل الأمر الأسبوع الماضي، إلى اعتقال مكتب التحقيقات الفيدرالي، القاضية هانا دوغان (ويسكونسين)، بتهمة "إعاقة" عملية احتجاز مهاجر، ما مثّل تصعيدا في المواجهة بين الإدارة الجمهورية والقضاء، لكن تقف خلف ذلك، حملة تطهير أيضاً، طاولت ضباطاً استخباريين ومكاتب محاماة ومدعين عامين، بالإضافة إلى توجيه القضاء، لطرد موظفين ومعاقبة حكّام ولايات وطرد عملاء استخباريين، وكلّ ذلك تحت غطاء حمل عنوان "محاربة البيروقراطية"، ولكن عبر إغراق الوكالات الفيدرالية بالموالين، وتحييد ما يسمى بأدوات المراقبة، عن طريق قطع التمويل عن مراكز بحثية.

أظهرت إدارة ترامب ازدراء لافتاً للتعددية العرقية والهوياتية الجنسية في الإدارات

وأظهرت إدارة ترامب، ازدراء لافتاً للتعددية العرقية والهوياتية الجنسية في الإدارات، وأطلقت حرب قطع المساعدات الحكومية على الجامعات، لاسيما جامعات النخبة، تحت شعارات مختلفة، منها محاربة اللاسامية، ومعاقبتها لاحتضانها تظاهرات داعمة لغزة، العام الماضي، فضلاً عن محاولة الضغط عليها لإنهاء برامج مرتبطة بالتعددية والتنوع، وهو ما وجد له مقاومة من الجامعات، التي يبدو أنها تتحرك لمقاضاة الإدارة الأميركية (هارفرد مثالاً)، منعاً لقمع حرية التعبير ورفضاً للتدخل في شؤونها الداخلية. وانسحب القمع على طرد طلّاب وأكاديميين مقيمين في البلاد، لرفعهم الصوت رفضاً للإبادة في غزة.

وسلّطت مجلة نيويوركر، أمس الاثنين، الضوء، بمناسبة إتمام ولاية دونالد ترامب الثانية، يومها المائة، على إحدى ركائز ترامب الأساسية للحكم، وهي "الطاعة"، والتي برأيها سهّلت عليه العمل مع بداية ولايته الثانية. ووصفت "نيويوركر" ترامب، بالهاوي، في ولايته الأولى، مقارنة بولايته الثانية، التي يبدو فيها متمرساً في الحكم. وكتبت: "دونالد ترامب احتفظ بإيمانه بالمصدر الأكبر لوحيه، وهو الولاء، وهي الصفة الوحيدة التي اختار من خلالها بعد فوزه بالرئاسة، المستشارين والوزراء، حيث أصبحت الإدارة اليوم مكدسة بالمطيعين، ولم يعد انعدام الكفاءة، عائقاً أمام التوظيف". وتساءلت: "كيف يمكن التفسير بغير هذا المنطق، انتقال بيت هيغسيث من قاعة فوكس نيوز إلى قيادة وزارة الدفاع؟".

كل ما سبق، يجعل من المائة يوم الأولى من ولاية دونالد ترامب اختباراً لنيات الرئيس اليميني المتطرف، ونظرته إلى السلطة، والهيمنة الأميركية، وهواية الإخضاع والابتزاز. لكن ذلك كلّه لا يجعل الصورة قاتمة إلى هذا الحد، إذ يتوقع متابعون مرحلة أكثر هدوءاً بعد المائة يوم، وانخراطاً أكثر على الصعيد الدولي، في عمليات تفاوض عنكبوتية، قد تؤدي إلى تراجع الفوضى التي خلقتها الأشهر الأولى من ولاية ترامب. إلا أن الأضرار بعيدة المدى قد لا تكون قابلة للترميم: فهناك تراجع الثقة بالولايات المتحدة بصفتها شريكا دوليا موثوقا به، وبالاقتصاد الأميركي بما هو ملاذ آمن للاستثمارات، وبالقوة الناعمة الأميركية التي تتخبر مع تبخر المساعدات. هذه الفوضى، قد تكون من الصعب السيطرة عليها في الأمد القريب، ما يجعل هذه المرحلة الجديدة من النظام العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية، مفصلية بشكل خاص.

المساهمون