"درع الشمال": سجال التوقيت وتأكيد على تآكل الردع

"درع الشمال": سجال التوقيت وتأكيد على تآكل الردع

06 ديسمبر 2018
جدل بشأن دوافع نتنياهو وأيزنكوط لبدء العملية (فرانس برس)
+ الخط -
أثارت التفاصيل المتعلقة بموعد إقرار الخطة الأساسية لتنفيذ عملية الكشف عن الأنفاق الهجومية لـ"حزب الله"، والتي أطلقها الجيش الإسرائيلي، أوّل من أمس الثلاثاء، وسط ضجيج إعلامي مبالغ فيه، حتى في الإعلام الإسرائيلي، جدلاً إسرائيلياً حول التوقيت الذي أطلقت فيه العمليات، من جهة، وحجم التآكل في قوة الردع الإسرائيلية، من جهة أخرى. فقد اتضح، الثلاثاء، أنه على الرغم من أنّ عمليات جمع المعلومات عن الأنفاق الهجومية التي شرع "حزب الله" بحفرها في الصخر على الحدود مع مستوطنات إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا تبعد أكثر من بضع مئات الأمتار، قد انطلقت منذ العام 2014 مع تشكيل طاقم فني وهندسي خاص لفحص شكاوى سكان المستوطنات الذين تحدثوا عن سماع أصوات حفر تحت بيوتهم، إلا أنّ القرار الرسمي لبدء تنفيذ عملية كشف الأنفاق وهدمها كان في جلسة للكابينت الإسرائيلي في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكن الموعد الرسمي لم يحدد، وكان الاعتقاد بأنّ التحديات الأخرى، تسبق من حيث أهميتها وخطرها المباشر ملف أنفاق "حزب الله". فقد كان وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبرمان، يصرّ أولاً على توجيه ضربة شديدة لحركة "حماس" في القطاع، وقد حدث التغيير بعد استقالة ليبرمان على أثر رفض مقترحاته والقبول باتفاق وقف إطلاق النار مع "حماس" في الرابع عشر من نوفمبر الماضي. في المقابل، تمكن رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط، بحسب المعلومات التي نشرتها صحف إسرائيلية، والذي كان متفقاً في موقفه مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من إقناع المشاركين في اجتماع الكابينت السياسي والأمني بقبول موقفه بإعطاء الأهمية لعملية كشف أنفاق "حزب الله"، فيما لم يعارض هذا الموقف سوى ضابط واحد من قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات.

وشكّلت الجلسة المذكورة والتفاصيل التي نُشرت عنها، أساساً لإثارة النقاش والجدل الإسرائيليين حول تحديد يوم الثلاثاء موعداً لبدء العمليات، وكون ذلك موعداً "مشبوهاً" برغبة نتنياهو الاستفادة القصوى من هذا الملف، لتأكيد صحة القبول باتفاق وقف إطلاق النار مع "حماس"، من جهة، والتغطية على نشر توصيات الشرطة ضده بتهم الفساد، من جهة ثانية. لكن نتنياهو لم يكن الوحيد الذي بات عنواناً للانتقادات، بل طاول الجدل أيضاً دوافع أيزنكوط لاختيار التوقيت المذكور، والتي تتعلّق بأنّه ربما يريد أن يبقي وراءه إرثاً حول ولايته التي تنتهي رسمياً نهاية شهر ديسمبر/كانون الأوّل الحالي، وتمّ تمديدها لأسابيع عدة، ليكون بمقدوره أن ينفّذ ما تعهّد به مع دخوله منصبه، بإزالة خطر الأنفاق الذي يهدّد دولة الاحتلال.

لكنّ هذا الجدل، لم يكن الأكثر أهمية في سياق تعامل إسرائيل وأحزابها مع عملية "درع الشمال"، بل إعادة تسليط الضوء على حقيقة كون العملية دليلاً على تآكل قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة "حزب الله"، لدرجة قيام إسرائيل بعمليات هندسية وحفريات داخل حدودها، مع الحرص على تبيان أهداف هذه العمليات وتسميتها بالحملة العسكرية، لضمان عدم الردّ من قبل "حزب الله"، والذي يمكن أن يؤدي إلى تدهور الأوضاع ومواجهة عسكرية لا يرغب بها أي من الطرفين.

وقد عبّر عن ذلك بشكل جلي مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، الذي قال إنّ السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو: "كيف تحوّل حزب الله، مع كل العمليات المنسوبة للجيش الإسرائيلي في سورية، إلى جيش قادر على ردع دولة إسرائيل الكبيرة والقوية؟"، مضيفاً "كيف وصلنا إلى وضع يقوم فيه رئيس الحكومة، وزير الأمن، ورئيس أركان الجيش بعقد مؤتمر صحافي للحديث عن اكتشاف نفق وحيد، في الوقت الذي يعرف فيه الاثنان جيداً حقيقة خطط وقدرات حزب الله للحرب المقبلة؟" فحزب الله ليس بحاجة لأنفاق كي يصل إلى بلدات ومستوطنات حدودية، ومع كل الاحترام للإنجاز الاستخباراتي والمعلومات، فإنّ ما يجب الحديث عنه ويتم تغييبه، هو فقدان الردع الإسرائيلي في مواجهة حزب الله".

ولفت يهوشواع إلى حقيقة أنّ الجيش الإسرائيلي يملك معلومات وافية ودقيقة عن ترسانة "حزب الله"، بل وحتى عن مواعيد هبوط الطائرات الإيرانية التي تنقل الأجهزة والعتاد اللازم لمشروع تحسين دقة صواريخ "حزب الله"، التي لا تستطيع مقاتلات الجيش الإسرائيلي استهدافها، ولا على ما يبدو الأنفاق التي يتم كشفها.

وعلى خطى يهوشواع، سار أيضاً المعلّق في صحيفة "معاريف"، بن كاسبيت، الذي أشاد بداية بإنجاز الجيش، معتبراً أنّ أهمية العملية ستبقى حتى بعد تبخّر أثر المناورة الإعلامية التي قام بها نتنياهو، لكنه سرعان ما انتقل إلى القول إنه كان "ينبغي الاعتراف بأنّ الردع بيننا وبين حزب الله هو متبادل. نعم صحيح أن (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله لا يزال في خندقه، لكن في جانبنا أيضاً لا يستخفون بقدرته. فقد قرر الكابينت وفقاً لتوصية الجيش، بعدم العمل في الجانب الآخر من الخط الأزرق كي لا يمنح نصر الله ذريعة لكسر أدوات اللعبة، فما يمكن تنفيذه في القطاع يمكن تنفيذه على الحدود الشمالية، ولكن بثمن مضاعف مئات المرات".

أمّا المعلق العسكري في "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان، فذهب إلى القول: "لا يريدون حرباً، لكنهم مع ذلك يعتمدون خطاباً قد يجرّ الطرف الآخر إلى القيام بردّ فعل"، مضيفاً أنّ "العملية قد تستغرق وقتاً طويلاً، لكن المجهول الرئيسي في المعادلة هو ماذا سيفعل حزب الله على امتداد هذه الفترة التي ستقوم فيها إسرائيل بهدم أنفاقه؟ هل سيقوم بمحاولة لعرقلة هذه العمليات، كما حدث في قطاع غزة؟ وماذا سيكون ردّ إسرائيل عندها؟ وختم بالقول "إذا كانت الحدود الشمالية حتى يوم أمس (أول أمس) أقلّ قابلية للانفجار من الحدود مع غزة، فإننا نتحدث من اليوم وصاعداً عن منطقتَي حدودٍ يمكن لهما أن تشتعلا في كل لحظة".