آن هيدالغو... "كعب أخيل" اليسار الفرنسي الصديقة لإسرائيل

آن هيدالغو... "كعب أخيل" اليسار الفرنسي الصديقة لإسرائيل

13 اغسطس 2018
تكرر دعم هيدالغو لإسرائيل وسياساتها (مناحيم كاهانا/فرانس برس)
+ الخط -

يقترب موعد الانتخابات البلدية في باريس، أي 2020، ومعها تبدأ خشية العمدة الحالية، آن هيدالغو، من عدم الحفاظ على البلدية، التي يحتفظ بها الاشتراكيون منذ سنة 2001، مع العمدة السابق، برتران دولانوي. ولا تأتيها المنافسة، كما في السابق، من يمين مضعضع، بل من حركة "الجمهورية إلى الأمام"، بشخص الناطق باسم الحكومة، بنجامان غريفو، الذي يمنحه كثير من استطلاعات الرأي الصدارة في السباق على هذا المنصب الشرفي الكبير.

آن هيدالغو، كما رئيس الحكومة السابق، مانويل فالس، من أصول إسبانية. وقد ولدت في سان فيرناندو بإسبانيا في 19 يونيو/حزيران 1959، والتحقت بالحزب الاشتراكي في 1994. وفي 2006 ساندت دومينيك شتراوس كان ضد منافسته سيغولين روايال. وفي انتخابات الحزب الاشتراكي الداخلية سنة 2017، ساندت المرشح فانسان بيون، ولم تُخفِ معارضتها لمانويل فالس. كما اعترفت بأن بعض مواقف بونوا هامون السياسية تتعارض مع مواقفها، على الرغم من أنه "شخص أحبه كثيراً، وأقدّر شجاعته التي عبّر عنها في رفع التحدي الإيكولوجي".

في مسار هذه السياسية الفرنسية، ذات الأصول الإسبانية، كثير من المحطات، التي تعبّر عن مواقف اليسار. ولعلّ من بينها مواقفها المتعددة في مناصرة المهاجرين واللاجئين. والحقيقة أن هذه المواقف جرّت عليها هجمات عنيفة من اليمين المتطرف والكلاسيكي معاً، وأحياناً من قبل السلطات، خصوصاً وزارة الداخلية. ويكفي أنها كانت حاضرة بقوة في تحدّي تدفّق المهاجرين على أوروبا سنة 2015، فاستقبلت العديد من العائلات في مقر البلدية، ونشرت، في 10 سبتمبر/أيلول 2015، تغريدة للترحيب باللاجئين بالعربية "مرحبا بكم في باريس" إلى جانب الفرنسية والإنكليزية، وهو ما أثار غضب زعيمة حزب "التجمع الوطني"، اليميني المتطرف (الجبهة الوطنية سابقاً)، مارين لوبان، التي طالبتها بـ"ارتداء الحجاب". وفي 15 سبتمبر/أيلول 2015، اعتبرت لوبان أن هيدالغو مضت إلى أبعد مدى في الترحيب بالمهاجرين، مضيفة أن الأمر "صادم" حين يصدُر عن عمدة المدينة. وهو ما تطلّب رداً سريعاً من العمدة، التي غرّدت "سأزيد وضعيتي حرجاً. فقد درستُ العامية العربية، خلال سنة في الجامعة. يجب وقف العنصرية ومعاداة الأجانب". لا يمكن حصر المواقف التي عبّرت فيها آن هيدالغو عن تضامن صادق مع الأجانب ومع المهاجرين واللاجئين، ولا حتى مواقفها مع قضية "البوركيني" (لباس البحر الشرعي)، قبل سنوات، حين أدانت بقوة "الهستيريا السياسية والإعلامية، التي يجب وضع حدّ لها"، مؤكدة "وجود قضايا أكثر أهمية من البوركيني". وقالت، رداً على من يريد سنّ قانون يحظره، إن "القانون، أحياناً، ليس هو الحل".



والحقيقة أن هذه المواقف المتسامحة مع المهاجرين واللاجئين نجدها لدى معظم مفكري وسياسيي اليسار، الذين يحلو لهم أن يدافعوا عن كل قضايا الكون. ولكن ماذا عن القضية الفلسطينية؟ إنها "كعب أخيل" هذا اليسار الفرنسي، الذي لم تستطع أن تخرج منه آن هيدالغو سالمة. والأمثلة عديدة، وهو ما يفسر نزاعاً دفيناً، وسقوطاً في شرك الرواية الصهيونية للصراع في فلسطين. من يتتبع مسار هيدالغو، بعد أن أصبحت عمدة لباريس، لا يمكنه أن ينسى "تل أبيب- سور- سين"  (تل أبيب على نهر السين) في صيف سنة 2015، والتي قدمت فيها بلدية باريس خدمة مجانية لإسرائيل، كانت تحتاجها، عبر التشجيع على السفر إلى إسرائيل وامتداح تل أبيب، بعد مرور سنة على المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة. ولم يتوقف الغزل مع إسرائيل، إذ إن هيدالغو سارعت، في الأول من يناير/كانون الثاني سنة 2016، وبعد عملية فدائية في تل أبيب، إلى تقديم العزاء بـ"اسم كل الباريسيين إلى عائلات الضحايا".

وفي 2016 جمعت آن هيدالغو حولها "مجلس باريس"، الذي تبنى قراراً يُدين قراراً لمنظمة اليونسكو الذي ينفي وجود روابط قديمة بين اليهود والقدس. وهو ما دفع بسفير فلسطين في اليونسكو، إلياس صنبر، للخروج عن اللياقة الدبلوماسية، والتعبير عن غضبه، في رسالة إلى هيدالغو، جاء فيها: "رنة رسالتي يمكن أن تبدو لكم صادمة. إنها تعكس الغضب والشعور الواضح بالظلم الذي ولّده فينا قراركم، وأنتم لم تعوّدونا على هذا"، مقارِناً بين قرار "مجلس باريس" و"محاكم التفتيش".

ودعم هيدالغو لإسرائيل وسياساتها تكرر مع حظر تظاهرة تضامن مع الشعب الفلسطيني في الأول من إبريل/نيسان 2017، تقدمت بها جمعية "أورو-فلسطين"، وتطالب بالفصل بين "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية" والدولة الفرنسية. ورأت هيدالغو في هذه التظاهرة "استعادة للكليشيهات المعادية للسامية". وتضامن بلدية باريس مع إسرائيل تكرر، حين قررت، في 10 يناير/كانون الثاني 2017، رفع العلم الإسرائيلي على واجهتها بعد عملية فدائية فلسطينية. وقد سارعت آن هيدالغو إلى الإعلان، على "تويتر"، عن هذا الأمر، إذ كتبت: "باريس تتضامن مع ضحايا اعتداء القدس"، وهو ما عبّر عنه مساعدها لشؤون العلاقات الدولية والفرنكوفونية، باتريك كلوغمان، بالقول: "قررنا القيام بعمل غير مسبوق، لأنه لم يسبق أن أضيئت البلدية بأي لون. وقد استخدمنا فيديو حتى يتم عرض ألوان العلم الإسرائيلي على واجهة البلدية". كما لم تسمح بلدية باريس، في 17 يونيو/حزيران الماضي، في بادرة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا السياسي المعاصر، لسفينتين من "أسطول الحرية من أجل غزة"، بالرسو على ضفة نهر السين، تحت جسر "سولي"، مقابل معهد العالم العربي، وزجت بعشرات من أفراد الشرطة لمنع المواطنين من الاقتراب من الشاطئ. وفي حالة شبيهة بما قامت وتقوم به السفن الإسرائيلية التي تمنع السفن من كسر الحصار على غزة، قامت سفن الشرطة النهرية الفرنسية، بمنع سفينتين متضامنتين مع غزة من الرسو على شاطئ نهر السين والالتقاء بمواطنين ومناضلين متضامنين مع الشعب الفلسطيني، ومنددين بالحصار الذي تتعرض له غزة منذ فترة طويلة. وكان العشرات من المواطنين الفرنسيين والعرب ينتظرون، بفارغ الصبر، وصول هاتين السفينتين، لولا رفض عمدة باريس، آن هيدالغو، ذلك.

بالطبع لن يكون الصوت العربي، إن وُجد، حاسماً في منع آن هيدالغو من العودة ثانية إلى بلدية باريس. ولكن ظروفاً كثيرة تتضافر لتعقيد الأمور، ومنها الفشل الذريع الذي عرفه نظام الدراجات الهوائية والسيارات الكهربائية في العاصمة، إضافة إلى استمرار مستوى التلوث في باريس، وازدياد أعداد الجرذان بشكل مخيف، وغيرها. تستطيع آن هيدالغو أن تعتمد على بعض قيادات اليسار، ولكن من يستطيع أن يضمن عودة الشعبية إلى اليسار. ثم إنها استطاعت أن تراكم، بسبب استبدادها، خصوماً من كل الجهات، من أنصار زعيم حزب "فرنسا غير الخاضعة" اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، والشيوعيين وأنصار بونوا هامون. كما أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم يقل كلمته الأخيرة بعد، وبانجمان غريفو لم يَبُح قط برغبته في مقارعة هيدالغو. في الماضي غير البعيد، وبعد تجربة الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك المظفرة، قيل إنّ "من يدير بلدية باريس يستطيع بسهولة الوصول إلى الإليزيه”. ومن يدري فقد يستعين ماكرون بالبلدية ذاتها من أجل إعادة انتخابه.