العراق: تغييرات ديمغرافية وإدارية تنذر بحرب أهلية

العراق: تغييرات ديمغرافية وإدارية تنذر بحرب أهلية

29 ديسمبر 2014
23 مدينة وبلدة تعرضت لتغيير سكاني (Getty)
+ الخط -

يقدّر مسؤولون عراقيون، أمنيون وسياسيون، أنّ نحو 19 في المائة من مساحة العراق الإجمالية طرأت عليها تغييرات ديمغرافية وإدارية منذ اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" للبلاد في العاشر من يونيو/حزيران الماضي. ووفقاً لهؤلاء، وقعت غالبية التغييرات في المحور الشمالي والشرقي، والشمال غربي، فضلاً عن بلدات وسط العراق، وتنوعت بين تغييرات في تركيبة المدن السكانية من ناحية دينية وطائفية وأخرى قومية.

لكن لم تلق تلك التغييرات حتى الآن القدر المناسب من الاهتمام، سواء من قادة البلاد أو المنظمات الدولية، فضلاً عن وسائل الإعلام، على الرغم مما صاحبها من جرائم وانتهاكات ترتقي إلى مجازر إبادة جماعية نفذتها أطراف الصراع في البلاد، وكان ضحيتها سكان تلك المدن قبل غيرهم.

وشهدت مدن الموصل وسهل نينوى وسنجار وزمار وبعشيقة ومخمور وتلعفر، والبلدات والقرى الصغيرة المحاذية لإقليم كردستان في الجانب الغربي لمحافظة نينوى، أسوأ عمليات التغيير في تاريخ العراق. واضطر مئات الآلاف من العراقيين المسيحيين والتركمان والأيزيدين والكاكائيين والشبك والفيلية والبهائية، وأقليات أخرى، إضافة إلى الأقلية الشيعية في تلك المناطق، إلى الفرار عقب سيطرة "داعش".

كذلك شهدت مدن السعدية وجلولاء والعظيم وبعقوبة في محافظة ديالى، ومناطق جرف الصخر والإسكندرية والمحاويل في محافظة بابل، عمليات تهجير مماثلة للعراقيين السنّة العرب والأكراد من قبل مليشيات تحظى بدعم إيراني واضح.

في المقابل، طردت قوات البشمركة الكردية آلاف العراقيين العرب من السنة والشيعة في مناطق الزاب والدبس والتأميم في محافظة كركوك.

وتضع عمليات التهجير هذه العراق على خارطة تغييرات داخلية جديدة، تُفتِّت باقة عراقية متنوعة طالما ظلت لمئات السنين متعايشة ومتداخلة في ما بينها. وتنذر بشكل شبه مؤكد بحرب أهلية متداخلة قومية ومذهبية بين الطوائف العراقية. لكن تلك الحرب لن تظهر بوادرها إلا بعد زوال وشاح تنظيم "داعش" الأسود الذي يلّف الآن مدناً عراقية مختلفة شمالي وشرق وغرب البلاد.

ووفقاً لمسؤول حكومي عراقي، فإن "عملية التغيير تلك لا تزال مستمرة، والحكومة طلبت مساعدة دولية في رسم خطط ومعالجات لتدارك الأمر، كونها تفتقد إلى رؤية واضحة للمشكلة".

ويقول المسؤول الذي يشغل منصباً وزارياً في حكومة حيدر العبادي لـ"العربي الجديد" إنّ "التغيير الحالي يتمثل بتغيير طبيعة المدن من عربية إلى كردية، أو بالعكس، ومن طائفة إلى أخرى ضمن منطق القوة الذي تمتلكه الأطراف الثلاثة، البشمركة والمليشيات الحليفة لإيران وتنظيم داعش وفصائل سنية أخرى".

ويضيف المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنّ "العبادي وباقي أركان الحكومة لا يرغبون بالإفصاح عن خطورة المشكلة التي يمكن وصفها بقنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت، خوفاً من التعجيل بفتح جبهات داخلية ساخنة سياسية وأمنية، لن يكون فيها رابح إلا تنظيم داعش وتجار الحروب المحليون وأطراف إقليمية معروفة لن يروق لها استقرار بلاد الرافدين".

ويوضح المسؤول أن "العبادي طلب مساعدة أميركية وبشكل مباشر في هذا الموضوع، فهناك ما يقرب من 23 مدينة وبلدة تعرضت لتغيير سكاني من حيث العقيدة أو القومية، ويكاد يكون بعضها شاملاً وأهمها الموصل ومخمور وبعشيقة والشرقاط، وكركوك والدبس والزاب وجرف الصخر وبلد، والسعدية وجلولاء والبشير والمحاويل والبصرة والمحمودية وسبع البور والمقدادية".

ويُلاحظ على عملية التغيير في تلك المدن عدم اقتصارها على طائفة أو ديانة معينة. كما شملت تغييرات عرقية في ما يتعلق تحديداً بالأكراد والتركمان.

ويرى عضو مركز بغداد الديمقراطي المستقل، أحمد عبد السميع العبيدي، أن "التغيير الديمغرافي الحاصل في العراق والمستمر يجري بشكل منسق، وكأنه عملية تمهيد منظمة لرسم حدود أقاليم عراقية على أسس طائفية وقومية، أو حتى رسم لدويلات مستقبلية". ويضيف عبد السميع في حديث لـ"العربي الجديد" أنه بالإمكان القول إنّ الأكراد حصلوا من خلال قواتهم على جميع المدن ذات الوجود الكردي، التي كانت خارج الإقليم والتابعة لمحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، فضلاً عن سيطرتهم. كما فعلت الأمر نفسه المليشيات المتطرفة الحليفة لإيران مع سكان مدن سنيّة ملاصقة لمحافظاتها الجنوبية والوسطى. وكرر الأمر أيضاً تنظيم "الدولة الإسلامية" مع السكان في المدن والمحافظات الشمالية والغربية التي يقطنها شيعة.

ويصف عبد السميع هذا التغيير بالأكبر في العراق منذ قرون طويلة والأول من نوعه الذي يتم بشكل متعمّد، مقدراً عدد ضحايا هذا التغيير الديمغرافي بأكثر من مليوني نسمة، غالبيتهم من العرب السنة يليهم المسيحيون.

بدوره، يؤكد النائب عن اتحاد القوى العراقية، محمد الدليمي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "التغيير في التركيبة السكانية داخل العراق خطر كبير يفوق خطر داعش والإرهاب". ويضيف الدليمي "هناك عمليات تهجير وقتل وحرق للمنازل والمساجد، وسرقة المتاجر، من قبل المليشيات وتهديد عبر منشورات توزع على المنازل ليلاً، وجلب عوائل من مكون معين وتوطينها في مناطق الصراع". وبينما يوضح أنه "يجري ذلك على قدم وساق"، يعتبر أن "كل ما يجري مؤقت وهناك اتفاق وإرادة سياسية على إعادة كل شيء كما كان بعد انقشاع غبار داعش وبضمانات من الأمم المتحدة، لكن في حال نكثت الأطراف بهذا الاتفاق، سيكون نهر شلالات دم نخشى وقوعها، وبداية تمزق فعلي للعراق، قد لا تُنظر مباشرة لكن بعد فترة زمنية سنراها واضحة".

والملاحظ في عمليات التهجير أنّ الأكراد والسنة والشيعة حصلوا على مقابل أو بديل أو جرى إعادة تدوير للمناطق والمدن، ولو بشكل متفاوت، بغض النظر عن المستفيد الأكبر والمقتنع بالنتيجة النهائية، على عكس العراقيين المسيحيين والديانات الأخرى التي تصنف اصطلاحاً بالأقليات، إذ لا تمتلك أي أجنحة مسلحة أو مليشيات تمكّنها من الدفاع عن مدنها أو حتى تضمن لهم موطئ قدم جديد في هذه البلاد.

ويخشى من أن يؤدي ترك هذا الملف الخطير والجديد الذي طفى على السطح أخيراً بصناعة من أطراف النزاع إلى بدء حرب طاحنة في العراق، عنوانها الأرض وتغذيها عقيدة مذهبية وعرقية، لن تكون مقتصرة على حملة السلاح فقط، بل على جميع سكان العراق.