يحدث أيضاً في تونس

يحدث أيضاً في تونس

05 أكتوبر 2020
في تونس يشتكي مواطن الدولة لدى القضاء لأنها قصرت بالتعامل مع كورونا (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

هل ننظر لنصف الكأس الفارغ أم لنصفها الملآن؟ سؤال يتردد دائماً لدى المراقبين للتجربة التونسية وتطورها على مدى السنوات العشر الأخيرة، ومدى ثباتها وصمودها في وجه العواصف الكثيرة التي تتقاذفها من الداخل والخارج.

وربما يجد مناوئو هذه التجربة، الطامحون لسقوطها، مادة غير قليلة عن صعوبات الحياة في تونس وشكوى الناس وتذمرهم من غلاء الأسعار وقسوة الظروف وحتى من السياسيين الذين انتخبوهم فانغمسوا في صراعات لا تنتهي وأهملوا حياة الناس.

ولكن في تونس نور كثير أيضاً، وأشعة شمس لا تشرق على كثيرين في هذه الأرض العربية التي يتلذذ فيها البعض بتناقل بعض الأزمات التونسية. وفي تونس يُقال رئيس حكومة بسبب شبهات تضارب مصالح لم يحسمها القضاء بعد، ولكن مجرد الشبهة أوقفت مسيرته السياسية وأسقطت حكومته. وفي تونس يشتكي مواطن الدولة لدى القضاء لأنها قصّرت في التعامل مع فيروس كورونا. ففي تصريح سابق، كشف المحامي عبد الستار بن مسعود لـ"العربي الجديد"، عن أنه أودع قضية في المحكمة الإدارية نيابة عن مواطن تونسي أصيب بفيروس كورونا، ضدّ الدولة التونسية بسبب تقصيرها في مجابهة الوباء.

واتهم المسعودي الدولة، ممثلة في رئاسة الحكومة ووزارة الصحة، بالتقصير في الاضطلاع بما هو مطلوب منها من "حسن ضبط للسياسة العامة"، وبعدم احترام الواجبات المفروضة عليها وفق الدستور والقانون، والمتمثّلة أساساً في ضمان الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفير الإمكانات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية.

واعتبر المحامي أنه بتقصير الدولة وعدم التزامها بواجباتها، مسّت بحقه وحق غيره، ممن أصيبوا بالوباء، في الصحة والحياة نظراً للعدوى التي لحقت به، وإصابته بفيروس كورونا في 11 أغسطس/ آب الماضي، على الرغم من اتخاذه جميع الاحتياطات الوقائية الذاتية.

وقد تبقى هذه القضية فترة طويلة في أروقة القضاء المثقل بالملفات بسبب قلة الإمكانات، ولكن مغزاها أنّ المواطن في تونس لم يعد يخشى الدولة بكل أجهزتها، وأصبح يتجرأ عليها، ويطالب بالقصاص منها إذا قصرت بحقه. وذلك معناه أنه فهم أخيراً أنّ الحكومة في خدمة الشعب وأنّ ذلك ليس مِنّة ولا مزية يسددها المسؤول للمواطن، وإنما هو حق ومكتوب بالحبر الدستوري الذي لا تمحوه خطابات سياسية جوفاء. وذلك يعني أيضاً أنّ هناك وعياً يتشكّل وديناميكية تتأسس ونظام علاقات بين المواطن والدولة يتغيّر وتتغيّر موازينه وفلسفته. وربما لذلك أساساً تُحارب التجربة التونسية ويتمنى كثيرون سقوطها، لأنها تحمل خطر استفاقة مواطن يطالب فقط بحقوقه البسيطة من الدولة، بأن تكون في خدمته.

المساهمون