ولاية ترامب الثانية قد تصب في مصلحة أوكرانيا

21 يناير 2025
أميركيون يتظاهرون دعماً لأوكرانيا في واشنطن، 29 نوفمبر 2024 (ناثان بوسنر/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعهدات ترامب وتأثيرها على أوكرانيا: وعد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا، مما أثار تفاؤلاً روسياً، لكن تجميد الصراع قد لا يعني هزيمة لأوكرانيا أو انتصاراً لروسيا. تهديد ترامب بتخفيض المساعدات يضع أوكرانيا في موقف تفاوضي ضعيف.

- السيناريوهات المحتملة: تتضمن تقليص الدعم لكييف، تجميد الصراع مع تنازلات، قطع المساعدات إذا لم تتجاوب كييف، أو تنفيذ خطة ترامب بمهلة متراخية مما قد يزيد الدعم لأوكرانيا.

- التحديات لروسيا: يسعى ترامب لاستغلال الاضطراب الاقتصادي الروسي بفرض عقوبات صارمة، وزيادة إنفاق الناتو الدفاعي قد يضعف روسيا اقتصادياً، مع احتمال استخدام أوكرانيا لإنهاك روسيا دون حرب نووية.

تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية بإنهاء الحرب في أوكرانيا. كما فتح نائبه جي دي فانس الباب أمام حل يسمح لروسيا بالاحتفاظ بالمناطق الأوكرانية التي تحتلها، ما جعل روسيا تبدي تفاؤلاً بشأن ولاية ترامب الثانية في وقت تبدو فيه أوكرانيا بعيدة كل البعد عن أن تكون في وضع تفاوضي جيد. وبعيداً عن توافر الشروط لمفاوضات إنهاء الحرب، فالأرجح أن النتيجة ستكون خلال ولاية ترامب الثانية مجرد تجميد للصراع يمنح الأطراف مساحة لالتقاط الأنفاس، لأن تجميد الصراع دون تسوية سياسية لا يعني هزيمة لأوكرانيا، كما لا يعني انتصاراً لروسيا. ورغم رفض الطرفين فكرة تجميد الصراع فإنه يمكن أن يصب في مصلحة أوكرانيا، كونه قد يؤدي إلى حرب أكبر على المدى الطويل، لا سيما في ظل ما يطرح غربياً حول ضرورة تقديم ضمانات أمنية قوية لكييف، وعدم وجود التزامات من الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي بوقف العقوبات المفروضة على روسيا، أو على الأقل عدم تشديدها.

قلق أوكراني

يسود اعتقاد على نطاق واسع في الغرب بأن الوضع مقلق للغاية بالنسبة لأوكرانيا في ولاية ترامب الثانية فنهاية الحرب تقترب وفقاً للتعهدات التي أطلقها ترامب، دون معرفة الكيفية التي سيعمل على تنفيذها للبدء بمفاوضات بين موسكو وكييف. ومع إدراك القيادة الأوكرانية، والقادة الأوروبيين أيضاً، أن موقف الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا محوري لا غنى عنه، وضرورة استمرار الدعم الأميركي حتى يتحسن الموقف التفاوضي الأوكراني، إلا أن سعي إدارة ترامب إلى حل تفاوضي سريع من شأنه أن يضغط بقوة على كييف ويضعفها، لا سيما أن ترامب هدّد بتخفيض المساعدات الأميركية لها.
وفي ظل توقع حدوث انقسام متزايد في مواقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا، وعدم قدرة الأوروبيين على تحمل مسؤولية تعويض أوكرانيا عن تراجع الدعم الأميركي، سيكون المفاوض الأوكراني أكثر ضعفاً. يضاف إلى ما سبق أن السياسات التي لوح بها ترامب حيال حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (ناتو) تقوض مصداقية الحلف، وتفاقم حالة عدم اليقين بشأن سياسة الدفاع والأمن الأوروبية، والغربية عموماً، بتأكيد ترامب أن الدول الأعضاء في الحلف عليها أن تدفع فواتيرها مقابل تطبيق مبدأ الدفاع المتبادل.

قد يعمل ترامب على تنفيذ خطته لوقف الحرب ضمن مهلة متراخية

ميدانياً، الوضع يبدو أصعب بشكل متزايد في ساحة المعركة، فنقص الذخيرة ما زال يمثل مشكلة للجيش الأوكراني، وتعاني كييف مشكلة في تجنيد مزيد من القوات وانخفاض الروح المعنوية للجنود على الجبهات. وتشدد كييف على أن الحلفاء لا يقدمون أسلحة حديثة ونوعية، في حين ما زالت روسيا حتى الآن قادرة على التجنيد بأعداد كافية، وتوفير ما يلزم من الأسلحة والذخائر، ذاتياً أو من خلال دعم حلفائها، وتواصل قواتها التقدم بثبات على الجبهات، وإن كان ببطء وبتكلفة باهظة في الأرواح والمعدات.

وبالتدقيق في المقترحات التي قدمها جي دي فانس فإن الأمور ليست واعدة بالنسبة لكييف في ولاية ترامب الثانية فكل الأراضي الأوكرانية المحتلة ستبقى تحت سيطرة روسيا، وسيتم إنشاء منطقة منزوعة السلاح خاضعة لحراسة مشددة ستمنع أي تحرك عسكري أوكراني، ولن يسمح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي. وسيكون هذا من وجهة نظر محللين غربيين بمثابة هدية لبوتين على حساب أوكرانيا، وسيؤدي إلى تدهور كبير في أمن القارة الأوروبية.

تقارير دولية
التحديثات الحية

أربعة سيناريوهات خلال ولاية ترامب الثانية

طرحت بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية أربعة سيناريوهات للسياسة خلال الأشهر الأولى من ولاية ترامب الثانية تجاه أوكرانيا، وتأثيرها على الحرب. السيناريو الأول (الأكثر احتمالاً)، حسب اعتقاد عدد كبير من الخبراء، هو تقليص الدعم المالي والعسكري الأميركي لكييف، وهذا من شأنه أن يُجبر أوكرانيا على الضغط على أوروبا لتحصيل دعم إضافي. ورغم انخفاض الدعم الأميركي، فإن القوات الأوكرانية ستواصل الدفاع عن حدود البلاد بمستوى مقبول، في حين ستزيد روسيا من تجنيد الجنود المتعاقدين، ومحاولة مواصلة التقدم ببطء. ويستند هذا السيناريو إلى أن ترامب سيحتاج إلى عدة أشهر كي تستقر إدارته ويرتب الديناميكيات السياسية التي سيعتمدها. ومن الصعب في هذه الفترة تصور أن تقبل إدارة ترامب بالسقف المرتفع للمطالب الروسية. وفي الوقت نفسه يساهم هذا السيناريو في الضغط على البلدان الأوروبية الأعضاء في "ناتو" حتى تزيد إنفاقها الدفاعي، بما يمكنها من أن تأخذ على عاتقها العبء الرئيسي في مواجهة روسيا.

السيناريو الثاني (أقل احتمالاً)، أن تتمكن الولايات المتحدة من إجبار أوكرانيا وروسيا على إنهاء وقف الأعمال القتالية وتجميد الصراع. ومن المرجح أن يتضمن هذا السيناريو تنازل كييف عن مطالباتها بالأراضي المحتلة والتخلي عن فكرة الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وفي المقابل يمكن تصور أن ترفع البلدان الغربية بعض العقوبات عن روسيا. ولعل أهم عقبة أمام هذا السيناريو تحفظ كييف وموسكو عليه من زاويتين مختلفتين. كييف ترى فيه تكراراً لتجربة اتفاقيتي "مينسك 1" في العام 2014 و"مينسك 2" في 2015، اللتين كان من المفترض من وجهة النظر الأوكرانية أن تضعا حداً للقتال في إقليم دونباس ولكنهما منحتا روسيا الوقت للاستعداد لغزو أوكرانيا في 2022. وعبّر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن رفض تجميد الصراع بتأكيده أن كييف لن تقبل بـ"مينسك 3". وفي المقابل تتحفظ موسكو على تجميد الصراع خشية استغلاله من أجل إعادة تسليح أوكرانيا، استعداداً لجولة جديدة من الحرب.

السيناريو الثالث، وهو الأقل احتمالاً، يتمثل في عدم تجاوب كييف مع خطة ترامب لوقف الحرب، فيقطع المساعدات عن أوكرانيا بالكامل. في هذه الحالة ستواجه كييف عواقب كارثية، على الصعيدين العسكري والاقتصادي، قد تُجبر زيلينسكي على قبول أي شروط تفرضها روسيا لتحقيق السلام. خطوة كهذه ستؤدي إلى خلق حالة من عدم الثقة بين الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية. ويعود ضعف هذا السيناريو إلى افتراض مواجهة كسر عظم بين كييف وواشنطن، وتبني إدارة ترامب مطالب بوتين بالكامل، بما يتعارض مع المصالح الأميركية.

السيناريو الرابع يقضي بأن يعمل ترامب على تنفيذ خطته ضمن مهلة متراخية، على الرغم من تعهده بوقف الحرب خلال 24 ساعة. ومن مؤشرات احتمال اللجوء إلى هذا السيناريو حديث مسؤولي الإدارة الجديدة عن مهل تراوحت بين 100 يوم وستة أشهر. ويمكن لترامب أن يستغل المهلة المتراخية من أجل زيادة الدعم العسكري والاقتصادي لأوكرانيا، بدرجة كبيرة، بهدف تقوية الموقف التفاوضي لكييف في مواجهة موسكو، في حال رفضت روسيا الذهاب نحو حلول سريعة لوقف الحرب، وعرضت شروطاً إضافية قد تتضمن العودة إلى شروط ما قبل الحرب، والتي قدمتها منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021 في ورقة الضمانات المقدمة للولايات المتحدة و"ناتو". ورغم إمكانية المضي بهذا السيناريو فإن المخاوف تكمن في أنه قد يؤدي إلى خروج الحرب الأوكرانية عن نطاق السيطرة، وعدم تفرغ ترامب لمخططاته بشأن القضايا الداخلية، ورؤيته للدور الأميركي الجديد عالمياً بطروحاته حول الاستيلاء على غرينلاند، وضم كندا، والتحكم بقناة بنما.

يعتقد ترامب أنه قادر على استغلال حالة الاضطراب في الاقتصاد الروسي لإجبار الكرملين على التفاوض

وقد يلجأ ترامب من حيث المبدأ إلى الأخذ بفكرة أو أكثر من الأفكار الواردة في السيناريوهات الأربعة، لكن ضمن مقاربات وسياقات مختلفة لجهة صياغة توظيف الفكرة وطريقة تنفيذها، تبعاً للغاية منها، دون إغفال حقيقة أن ترامب بطبعه وطريقة تفكيره وسلوكه غير قابل للتنبؤ، وقابل للانتقال من ضفة إلى الضفة المقابلة من غير مقدمات، ويميل إلى الغموض والمناورة في العديد من القضايا، لكنه يبقى محكوماً بتلبية المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة، والتي من بين مقتضياتها احتواء روسيا، التي صنفت في وثيقة الأمن القومي الأميركي، إلى جانب الصين، تهديداً رئيسياً للولايات المتحدة.

حذر روسي من ازدواجية سياسات ترامب

يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يريد تقديم تنازلات لأوكرانيا، لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستكون بمثابة اختبار للكرملين، على الرغم من تصريحاته المرنة نحو روسيا فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، فالتعامل مع ترامب يتطلب كسر القوالب النمطية، لأنه ربما يحوّل دفة سياساته لتصبح ضد روسيا في الملف الأوكراني.

وفي ملفات أخرى تثير تكتيكاته فعلياً مخاوف كبيرة لدى الكرملين، وهذا ما أكدته تصريحات ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز في يونيو/حزيران العام الماضي، قال فيها: "سأقول لزيلينسكي لا مزيد من المساعدات. عليك إبرام صفقة. وسأقول لبوتين إذا لم تبرم صفقة سنمنح أوكرانيا أكثر مما حصلت عليه على الإطلاق إذا لزم الأمر". وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن مستشار مقرب من ترامب قوله إن خطة المرشح حينها، لإنهاء الحرب في أوكرانيا، قد تكون مستوحاة من اتفاقيات مينسك لعام 2014، التي سعت لإنهاء الصراع في دونباس. وأوضح المصدر أن هذه الصفقة ستتضمن آليات تنفيذ وعقوبات على من ينتهكها. من جهته، قال مايكل والتز، النائب الأميركي حينها، ومستشار الأمن القومي الجديد، للصحيفة، إن ترامب قد يضغط على روسيا لإنهاء الحرب عن طريق التهديد بخفض أسعار النفط العالمية وتحطيم اقتصادها، مؤكداً أنه "يمكن إغراق السوق بالنفط والغاز الأميركي الأرخص والأكثر نظافة".

ويعتقد ترامب أنه قادر على استغلال حالة الاضطراب في الاقتصاد الروسي، لإجبار الكرملين على التفاوض من خلال فرض عقوبات أكثر قسوة وأكثر شمولاً، ليس ضد روسيا فحسب، بل على البلدان التي تتعامل معها تجارياً كذلك، الأمر الذي سيجبر بوتين على إعادة النظر في تكتيكاته. وتحدث سكوت بيسنت، مرشح ترامب لمنصب وزير الخزانة، بشكل خاص عن العقوبات النفطية الروسية عندما استُجوب في مجلس الشيوخ، أخيراً، موضحاً أنه سيكون مؤيداً لتشديد العقوبات بنسبة 100%. وحسب مصادر لوكالة بلومبيرغ، يدرس فريق ترامب استراتيجية تفرض عقوبات أكثر صرامة على النفط الروسي من أجل خلق موقف تفاوضي أفضل. وتتمثل استراتيجية أخرى في ولاية ترامب الثانية بتخفيف العقوبات إذا التزم الكرملين بالمفاوضات. وما سبق يؤكد أن ترامب سيستخدم الخاصرة الاقتصادية الروسية الرخوة في لعبة العصا والجزرة، إن صح التعبير، في علاقته مع الكرملين.

وعلى المستوى الاستراتيجي، ترى روسيا أن طلب ترامب من بلدان حلف شمال الأطلسي رفع إنفاقها الدفاعي، إلى 5% من إجمالي ناتجها المحلي، سيشعل عملياً سباق تسلح جديداً، تدخل فيه بلدان الاتحاد الأوروبي بثقل كبير وغير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتستغله الولايات المتحدة في احتواء روسيا واستنزافها اقتصادياً دون أي تكلفة تترتب على الأميركيين. أو بمعنى آخر أن يدفع الروس والأوروبيون الثمن، فيما يحصد الأميركيون النتائج. كما تخشى روسيا من أن تتسم ولاية ترامب الثانية خارجياً بالتشدد حيالها وحيال الصين، والتفكير بإلحاق الهزيمة بهما كل على حدة. وفي مرحلة ما من المحتمل أن يستخدم ترامب أوكرانيا لإنهاك روسيا، في سياق تصعيد منضبط لا يؤدي إلى مواجهات أميركية روسية مباشرة، وعدم إشعال حرب نووية.

ومع توجه أميركي واضح، مثله الملياردير إيلون ماسك، لدعم اليمين المتطرف في أوروبا يمكن أن تخسر روسيا واحدة من أهم أدواتها في القارة العجوز. كما أن نيّة ترامب زيادة إنتاج النفط والغاز بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة على قطاع الطاقة الروسي تسهم في هيمنة الولايات المتحدة على السوق وإخراجها بشكل شبه كامل من المنافسة وتعميق خسائر الاقتصاد الروسي، وعدم القدرة على استعادة النمو والتحول إلى الاقتصاد الطبيعي في حال وضعت الحرب أوزارها. وعلى عكس أجواء التفاؤل والفرح التي طغت بعد انتخاب ترامب في 2016، تسود أجواء من الترقب والحذر وسط تقديرات بأن ولاية ترامب الثانية لن تختلف كثيراً عن الأولى التي لم تشهد تحسناً في العلاقات، وواصل فيها ترامب فرض العقوبات على روسيا وانسحب من أهم اتفاقيات التوازن الاستراتيجي.

المساهمون