وقف إطلاق النار في غزة: محاولة إدارة بايدن الأخيرة لتلميع صورتها

15 يناير 2025
بايدن خلال الاستماع إلى وزيرة الداخلية في البيت الأبيض، 14 يناير 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عقد وزير الخارجية أنتوني بلينكن جلسة حوار في "مجلس أتلنتيك" تناول فيها تطورات الشرق الأوسط وصفقة وقف إطلاق النار في غزة، مشيرًا إلى أن الصفقة جاهزة للإعلان إذا وافقت حركة حماس.
- تزامنت تصريحات بلينكن مع كلمة للرئيس بايدن في وزارة الخارجية، حيث استعرض إنجازات إدارته على الصعيد الدولي، وأشار لأول مرة إلى "الحقوق السياسية" للشعب الفلسطيني.
- رغم بعض النجاحات في السياسة الخارجية، واجهت إدارة بايدن انتقادات بسبب ضعف الأداء والازدواجية، مع تساؤلات حول البديل القادم في السياسة الخارجية.

ضمن نشاطات الإدارة الأميركية في أسبوعها الأخير للترويج لتركة الرئيس جو بايدن، عقد الثلاثاء وزير الخارجية أنتوني بلينكن جلسة حوار في "مجلس أتلنتيك" للأبحاث في واشنطن، تحدث فيها بإسهاب عن تطورات ومتغيرات وحروب الشرق الأوسط، وتناول بالتفصيل صفقة وقف إطلاق النار في غزة والترتيبات اللاحقة لها والتي باتت "جاهزة لإعلانها إذا وافقت حركة حماس" كما قال، في وقت تأمل فيه الإدارة في تجيير الصفقة لرصيدها لو تم إبرامها قبل مغادرتها للبيت الأبيض.

سبقت تصريحات بلينكن، كلمة ألقاها الرئيس بايدن يوم الاثنين، في وزارة الخارجية بحضور فريقه لشؤون الأمن القومي، تناول فيها هذه التركة في إطارها الدولي الأوسع. وواكب ذلك عدد من المقابلات حول هذا الموضوع أجراها في الأيام الأخيرة المستشار جيك سوليفان والوزير بلينكن الذي سيلتقي مع الصحافة يوم غد الخميس في آخر نشاط إعلامي - دبلوماسي له. ويختتم بايدن هذه الإطلالات المتلاحقة بكلمة وداعية متلفزة مساء اليوم الأربعاء، يعرض فيها للشعب الأميركي حصيلة سياساته الداخلية التي برغم إنجازاتها النوعية الملحوظة، لم تسعفه في تعزيز رصيده ولا في تحسين صورته التي هبطت إلى مرتبة "الأتعس" بين أسلافه الذين سبقوه، حسب الاستطلاعات الأخيرة لمركزي غالوب وراسماسن الموثوقين.

للتخفيف من هذا الهبوط وربما في محاولة لاحتواء بعض النفور المحلي من اندلاق بايدن من دون حساب أو مساءلة، في أحضان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومجزرته في غزة، تعمّد بلينكن الثلاثاء، الإشارة ولأول مرة إلى "الحقوق السياسية" للشعب الفلسطيني، منوهًا بأهمية هذا البُعد للحل الذي تجسده صيغة الدولتين كما قال، في اعتراف نوعي لم يسبق للإدارة ولا لغيرها أن أفصحت عنه بهذا الوضوح، لكنه بتوقيت غير جدّي من جانب إدارة لم يبق لها في السلطة سوى خمسة أيام، كما أنه غير ملزم للإدارة القادمة المعروف سلفاً مصيره على يدها.

ومن المعلوم أن مثل هذه المواقف لا تلزم الإدارة اللاحقة، إذ أدان الرئيس جيمي كارتر عام 1978 المستوطنات من باب أنها "لا تتفق مع القانون الدولي"، قبل أن يأتي بعده الرئيس رونالد ريغان ويتجاهل هذه الإدانة وكذلك فعلت الإدارات المتعاقبة على امتداد 35 سنة. كما مررت إدارة باراك أوباما في آخر أيامها عام 2016 مشروع قرار في مجلس الأمن من خلال امتناعها عن استخدام الفيتو ضده، يقضي بعدم شرعية الاستيطان، إلا أن إدارة ترامب انقلبت بعدها عليه كما غضت النظر عنه إدارة بايدن. نفس المصير ينتظر اعتراف بلينكن بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، طالما بقي في حدود المناورة العابرة.

بموازاة ذلك، تراهن الادارة الآن على صفقة وقف النار في غزة، علّها تتحقق قبل مغادرتها بحيث تنزل في رصيدها. وشدد بلينكن في عرضه لتفاصيل الصفقة، على التذكير بأنها ليست سوى ترجمة لـ"خطة بايدن التي طرحها في مايو الماضي". ومن المعروف أن نتنياهو كان المسؤول عن نسفها بشروطه التعجيزية. ويتردد في واشنطن أنه لو مضى الأخير فيها فإن ذلك يأتي استجابةً لمطلب الرئيس ترامب. وثمة من لا يستبعد تكرار سيناريو رهائن السفارة الأميركية في طهران، بحيث لا تدخل صفقة وقف النار والأسرى حيز التنفيذ سوى عشية نهاية رئاسة بايدن.

إدارة بايدن بدأت واعدة وانتهت "خاوية"، بتعبير أحد المحسوبين على خندقها. وليس سرا أن مثل هذا التوصيف شائع بصورة ملحوظة حتى في صفوف حزب الرئيس على الأقل لأنه ساهم بقراراته المغلوطة وبتوقيتها، في خسارة معركة الرئاسة. وكان مثل هذا التقييم قد بدا يتشكل منذ الانسحاب الفوضوي المعروف من أفغانستان في أغسطس/ آب 2021 والذي رفض بايدن الاعتذار عن الأخطاء التي رافقته. ثم جاء الاجتياح الروسي لأوكرانيا ليعطيه فرصة حشد الدعم لهذه الأخيرة والذي حظي أميركيا بالتأييد ولو مع التحفظ. كما حظيت سياسته بشأن الصين بالتقدير والتي رست بعد فترة متذبذبة، على صيغة متوازنة لحرب باردة بين الجانبين تقوم على أساس "إدارة المنافسة" بينهما.

لكن هذه النقاط التي تسجلت له لم تقو على سدّ العجز المتلازم مع الضعف في الأداء وفي التقدير واعتماد الاستنساب في التعامل مع القضايا والأزمات. وجاءت حرب غزة ودعمه غير المحدود لإسرائيل، لتكشف عن الازدواجية الفاقعة في مقارباته ومواقفه، مما تسبب في ضمور الثقة بقدراته التقديرية خاصة في السياسة الخارجية والتي قال عنها مرة وزير الدفاع السابق روبرت غايتز بأنها "كانت إجمالا على خطأ". المفقود في هذا الوضع كان الدور التصحيحي المفترض أن يقوم به وزير الخارجية، لكن بلينكن الذي سبق وعمل طويلا مع بايدن، لم يكن ليلعب هذا الدور حتى لو كان في مقدوره أن ينهض به، خصوصا أن بايدن جاء إلى الرئاسة وسط الاعتقاد بأنه مرجعية في السياسة الخارجية بعد تجربته الغنية في هذا الحقل والتي امتدت لعقود.

لكن واشنطن قد تفتقد بايدن وبلينكن في ضوء ما يتردد عن البديل القادم السناتور ماركو روبيو الذي اختاره ترامب لمنصب وزير الخارجية والذي يتردد أنه قد يتهمش دوره من البداية، حيث إن الرئيس القادم يتجه إلى التعويل على الفريق الذي اختاره لدور المبعوث الخاص لأكثر من منطقة في العالم والذي تبدو عناصره أنها تتهيأ للعب دور بارز في السياسة الخارجية. ويُذكر أن روبيو ما زال ملتزماً بالصمت والابتعاد عن الأضواء حتى اللحظة، في حين أن بعض المبعوثين الخاصين بدا يبرز حضورهم في بعض القضايا ومنها صفقة وقف النار في غزة.

المساهمون