استمع إلى الملخص
- الزيارة تحمل رسائل عسكرية وسياسية، حيث تسعى واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في مواجهة التوسع الروسي، وتدعم المسار الدولي في طرابلس، مع محاولة استيعاب القوى العسكرية في الشرق ضمن مشروع موحد.
- تتزامن الزيارة مع جهود توحيد الموازنة الليبية وسط أزمة اقتصادية، مما يشير إلى ضغوط أمريكية للإصلاحات، في ظل تنافس دولي معقد يتضمن مرونة موسكو وصمت فرنسا وإيطاليا ومصر.
أنهى وفد أميركي رفيع زيارة إلى ليبيا استمرت يومي الأحد والاثنين وتخللتها سلسلة اجتماعات في طرابلس وبنغازي، في خطوة أظهرت تصاعد اهتمام الولايات المتحدة بالملف الليبي. وضمّ الوفد نائب الأدميرإل جي تي أندرسون قائد الأسطول السادس، والمبعوث الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، والقائم بأعمال السفارة الأميركية جيريمي برنت.
واجتمع الوفد الأميركي، يوم الأحد، في طرابلس بكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الليبيين، بمن فيهم رئيس الأركان العامة الفريق أول ركن محمد الحداد، وعضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي، والمكلَّف بتسيير شؤون وزارة الخارجية والتعاون الدولي الطاهر الباعور، ووكيل وزارة الدفاع عبد السلام الزوبي، ومستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء إبراهيم الدبيبة، ورئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك". وفي بنغازي اجتمع الوفد، أمس الاثنين، بالفريق أول خيري التميمي، الأمين العام للقيادة العامة، والفريق ركن خالد حفتر، رئيس أركان الوحدات الأمنية، والفريق شعيب الصابر، رئيس أركان القوات البحرية الليبية، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين العسكريين.
وتعتبر اللقاءات في طرابلس وبنغازي جزءاً من سلسلة تحركات دبلوماسية وعسكرية مكثفة لواشنطن تجاه ليبيا خلال الأشهر الأخيرة، حيث تضمن بيان السفارة الأميركية عن الزيارتين نفس الأهداف السابقة لزيارة مسؤوليها. وأوضحت السفارة أنّ اللقاءين ركزا على مناقشة "سبل تعزيز التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وليبيا، ودعم الولايات المتحدة للجهود الليبية الرامية إلى توحيد المؤسسة العسكرية"، بالإضافة لتأكيد الولايات المتحدة التزامها "بالشراكة مع القادة الليبيين في جميع أنحاء البلاد، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، من أجل تحقيق السلام الدائم والوحدة الوطنية".
وجاءت زيارة الوفد الأميركي في سياق متزامن مع تصريحات لمستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مسعد بولس، كشف خلالها عن تطوير إدارة ترامب خطة للحل الليبي، وأنّ من أهم الحلول المطروحة مشروع حكم موحد يشمل كل الأطراف الليبية في شراكة فعلية. كما تزامنت الزيارة مع إعلان مفاجئ من مصرف ليبيا المركزي، الخميس الماضي، عن موافقة رئيسي حكومتي طرابلس وبنغازي، عبد الحميد الدبيبة الدبيبة وأسامة حماد، على لقاء يهدف إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة، بما في ذلك موازنة موحدة لمواجهة الانهيار المالي المتوقع، ما أشعر الكثير من المراقبين بوجود ضغوط خارجية لدفع الطرفين نحو اللقاء، خاصة وأن موافقتهما جاءت بعد أيام قليلة من تبادل حاد للاتهامات بشأن المسؤولية عن الهدر المالي الكبير.
"رسالة عسكرية"
وبسبب الطبيعية العسكرية للزيارة، يرى الخبير العسكري عادل عبد الكافي، المستشار السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي، أنّ الزيارة تحمل رسائل عسكرية واضحة في سياق مواجهة واشنطن لسياسات موسكو العسكرية التوسعية، خاصة في ليبيا. ولفت عبد الكافي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى خلفية الوجود العسكري الروسي في السنوات السابقة، مشيراً الى أنه تزايد بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، فبعد أن كان يتركز في قواعد الجفرة والخروبة وبراك الشاطئ العسكرية عبر قوات فاغنر، تحوّل إلى مشروع الفيلق الروسي، وضم قواعد عسكرية جديدة منها قاعدة السارة، جنوب شرقي البلاد، ما رفع من مستوى القلق الأميركي. وقبلها حاولت موسكو بناء منصة بحرية في طبرق، أقصى شرق الساحل الليبي، حيث رست سفن روسية عسكرية منتصف العام الماضي لتدشين هذا المشروع.
واعتبر عبد الكافي أنّ الحرب في أوكرانيا وتراجع النفوذ الروسي في سورية، دفعا موسكو إلى مضاعفة حجم وجودها العسكري في ليبيا، وهو ما أقلق واشنطن وحملها على الانخراط أكثر في البلد بالأشهر الأخيرة.
وجرت زيارة الوفد الأميركي على متن سفينة القيادة "يو إس إس ماونت ويتني" التابعة للأسطول السادس الأميركي، والتي استضافت على متنها الاجتماعات مع المسؤولين الليبييين في طرابلس وبنغازي. وقال عبد الكافي إنّ زيارة السفينة الحربية، التي تُعد رمزاً للقوة العسكرية الأميركية، تحمل رسائل واضحة لروسيا، مفادها بأنّ واشنطن لن تترك الساحة الليبية خالية للتنافس الدولي.
خلال زيارة السفينة الأمريكية "يو إس إس ماونت ويتني" USS Mount Whitney إلى #طرابلس، التقى نائب الأدميرال جيه. تي. أندرسون، قائد الأسطول السادس للبحرية الأمريكية، والمبعوث الخاص السفير ريتشارد نورلاند، والقائم بالأعمال جيريمي برنت، كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الليبيين، بمن… pic.twitter.com/lRuc91cOAw
— U.S. Embassy - Libya (@USEmbassyLibya) April 20, 2025
وربط الخبير بين التحرك الأميركي الأخير واستعراض القوة الجوية الذي نفذته القاذفة الاستراتيجية B-52 في سماء خليج سرت، نهاية فبراير/ شباط الماضي، موضحاً أنّ التحرك الأميركي العسكري المتزايد أخيراً وراءه دافعان؛ الأول، هو خسارة واشنطن وجودها العسكري في العديد من الدول الأفريقية، آخرها النيجر، بسبب مطالبة الأنظمة الجديدة فيها، التي تدعمها موسكو، بإنهاء الوجود العسكري الأميركي والفرنسي. أما الدافع الثاني، فهو محاولة موسكو بناء وجود لها في الساحل الليبي، في طبرق وسرت، ما يهدد قواعد حلف شمال الأطلسي (ناتو) في البحر المتوسط.
ورأى عبد الكافي أنّ دعم واشنطن "التكامل العسكري الليبي" لا يهدف إلى توحيد المؤسسة العسكرية في الواقع، والذي يبدو بعيد المنال، لكن الولايات المتحدة تسعى لدفع معسكري ليبيا، شرقاً وغرباً، لإنشاء قوة مشتركة الهدف منها التوجه جنوباً لتأمين الحدود ومواقع الطاقة لتقويض النفوذ الروسي وإفشال خطط موسكو.
"رسالة أميركية إلى الداخل" في ليبيا
لكن أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي، اعتبر أن حضور المبعوث الخاص ريتشارد نورلاند، والقائم بأعمال السفارة جيريمي برنت ضمن الوفد الأميركي، يعكس أبعاداً تتجاوز الشأن العسكري. ولفت النفاتي لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الوفد الأميركي اجتمع في طرابلس مع شخصيات عسكرية وأخرى سياسية من الحكومة، بينما اقتصرت لقاءات بنغازي على العسكريين دون حضور شخصيات من الحكومة في بنغازي، معتبراً أن ذلك يحمل رسالة أميركية للداخل الليبي مفادها بأنّ واشنطن ستمر إلى الملف الليبي سياسياً من خلال الحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، وأن تعاملها في بنغازي مع قادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر يأتي كأمر واقع.
ومن هذه الزاوية رأى النفاتي أنّ جزءاً من الرسالة السياسية الضمنية للوفد الأميركي هو أنّ واشنطن تدعم المسار الدولي المعترف به في طرابلس، لكنها في نفس الوقت تقترب من القوى العسكرية في الشرق لاستيعابها في مشروع سياسي وعسكري موحد يخدم مصالح واشنطن.
وفي هذا السياق، أبرز العديد من المراقبين الطبيعة المعقدة لعلاقات حفتر مع مختلف الأطراف الدولية، فهو منْ فتح الباب واسعاً أمام موسكو للتموضع العسكري في ليبيا واتخاذها قاعدة للمرور إلى العمق الأفريقي، وهو من تعامل مع واشنطن واستقبل مسؤوليها في إطار مشروع القوة العسكرية المشتركة، فخالد، نجل حفتر، الذي استقبل الوفد الأميركي أخيراً هو نفسه الذي استقبل نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، عدة مرات بشكل معلن. لكن النفاتي رأى أنّ التناقض الذي يصفه بــ"الظاهري" هو جزء من استراتيجية حفتر للاستفادة من التناقضات الدولية وتقديم نفسه رجلا قويا لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق أي معادلة في الملف الليبي.
ولا تنفصل الرسائل العسكرية والسياسية عن المصالح الاقتصادية الأميركية، بحسب رأي النفاتي، الذي لفت إلى تصاعد الأزمة الاقتصادية في ليبيا وجهود توحيد الموازنة في سياق الجمع بين رئيسي الحكومتين، في طرابلس وبنغازي، موضحاً أنّ "عقلية ترامب هكذا دوماً لن تترك أزمة مالية واقتصادية دون توظيفها والاستفادة منها، وما يقال عن وجود ضغوط أميركية وراء لقاء الدبيبة وحماد مقنع جداً بالنظر إلى المقاربات الاقتصادية للحل التي تعنون قرارات ترامب على الدوام، ولن ندهش كثيراً إذا سمعنا عن توجه أميركي كثيف نحو الاستثمار في الطاقة الليبية التي ما يزال أكثر من 70% من نفطها وغازها في باطن أرضها، وهو ما يتوافق تماماً مع قول مسعد إن ترامب لديه رؤية متكاملة بشأن الأزمة الليبية".
لكن النفاتي عاد ليتساءل حول رد فعل روسيا والدول الإقليمية مثل مصر وإيطاليا وفرنسا، التي لها مصالح متجذرة في ليبيا، موضحاً أنّ "موسكو لا تزال تتعامل مع حفتر بمرونة عبر تعزيز تحالفاته معه، وباريس وروما والقاهرة كلها تبدو في موقف الصمت الحذر فيما تنشط أنقرة في جانبي معسكري ليبيا، وهذا جميعه يجعل النجاح الأميركي رهيناً بالقدرة على تجاوز كل هذه التناقضات المحلية والإقليمية وبعدها في الصراع الدولي".