وفاة حاكم غزة الإسرائيلي إسحاق عبادي.. سيرة تبدأ من دمشق وتمرّ في العراق
استمع إلى الملخص
- تبنى عبادي سياسة لتحسين الحياة في غزة، فعمل على ترميم السكك الحديدية، تأسيس بنك ومدارس مهنية، وإزالة حظر التجول. كان يؤمن بأن التغيير الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يضعف "التطرف".
- بعد الجيش، عاد عبادي للتدريس في كيبوتسه، وكتب برنامجاً تعليمياً حول "عالم العربية والإسلام". شغل مناصب تعليمية مهمة وكان محاضراً مطلوباً في إسرائيل.
توفي اليوم الاثنين، في كيبوتس دغانيا (أ)، جنوبي طبريا، عن عمر 91 عاماً، إيتي (إسحاق) عبادي، الذي ولد في دمشق، وترعرع في الكيبوتس الذي يُعتبر أول تجمّع سكاني تعاوني زراعي، استعمره اليهود في فلسطين التاريخية. وشغل عبادي مناصب عدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، كما خدم في جهاز الموساد الإسرائيلي، وقام بمهام في العراق وتقلّد لسنوات منصب حاكم قطاع غزة.
وهاجر عبادي، من سورية في سن 11 عاماً، وفق تقرير نشره موقع والاه العبري اليوم، وتربّى في كيبوتس دغانيا أ، "وكان شخصية فريدة في الخدمة الأمنية والتعليمية في إسرائيل. رجل استخبارات، وحاكم قطاع غزة، وخبير في الشؤون العربية. قال عنه موشيه ديان إنه يفهم أكثر من أساتذة جامعات".
هاجر عبادي، من سورية في سن 11 عاماً
في عام 1972، وصل رئيس الأركان، في حينه، دافيد "دادو" إلعازر ووزير الأمن موشيه ديان إلى اجتماع في الكيبوتس، وكانا وقتئذ اثنين من أبرز الشخصيات الأمنية في دولة الاحتلال. قال ديان إن وزارة الأمن والجيش الإسرائيلي يطلبان من المجتمعين الموافقة على إبقاء إيني عبادي في منصبه في غزة لفترة إضافية، وهذا ما حدث.
وُلد إيني عام 1934 في دمشق لفيكتوريا ويعقوب عبادي. كان والده مختار الطائفة اليهودية، وكان مسؤولاً عن علاقتها بالسلطات. وفي منتصف أربعينيات القرن الماضي، نفذ "الموساد" عملية لاستقدام اليهود إلى فلسطين، بالتعاون مع خريجي حركة "هحالوتس" في دمشق، تم خلالها تهريب 1350 طفلاً، معظمهم من المجتمعات اليهودية في دمشق وحلب، كان عبادي بينهم. في مرحلة لاحقة من حياته، قال عبادي عن وصوله الى الكيبوتس: "في اللحظة التي دخلت فيها الصف في المدرسة وتم دمجي فيه، أصبحت مثل باقي الأطفال. كل الغرابة السابقة تحولت إلى ماضٍ تجاهلناه".
التحاق عبادي بجيش الاحتلال
في بداية خمسينيات القرن الماضي، التحق عبادي بجيش الاحتلال الإسرائيلي، بصفة جندي في لواء غولاني، ثم أصبح قائد فصيل، فقائد سرية، وضابط استخبارات. وبعد تسريحه، عاد إلى الكيبوتس وتولى فيه مناصب مركزية، منها منسق الفروع الزراعية، ومركّز اقتصادي، وأمين الكيبوتس. وتزوج وأسّس عائلة. في عام 1968، تم تجنيده في جهاز الموساد وخدم ثلاث سنوات في العراق في مهام مختلفة، من بينها مسؤولية التواصل مع الأكراد. وعند عودته إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، طلب منه وزير الأمن ديان العودة إلى الجيش، فوافق وتم تعيينه حاكماً لقطاع غزة. وبعد عامين، انتهت فترة خدمته، لكن تم التمديد له عقب الاجتماع في دغانيا.
إلى جانب كونه ضابطاً في الجيش وقائد كتيبة في الاحتياط، قال ديان عنه إنه "أحد الأشخاص القلائل الذين لا يجيدون العربية فحسب، بل هو مختص في الشؤون العربية. إنه في الصف الأول من المختصين، ويتفوّق على أساتذة في الجامعة نعمل معهم. وهو ملمّ بقضايا الزراعة، وهذا أمر مهم..".
في عام 1974، أنهى إيني عبادي مهامه العسكرية وتسرّح برتبة عقيد. ووفق ما أورده موقع والاه العبري، فقد تبنّى خلال خدمته سياسة تدعو إلى تحسين البنية التحتية والحياة المدنية في غزة، انطلاقاً من إيمانه بأن التغيير الاقتصادي والاجتماعي يمنح السكان الأمل ويضعف مظاهر "التطرف". وعمل على ترميم خط السكك الحديدية بين غزة وعسقلان، وكان يخرج يومياً نحو 40 ألف عامل إلى الداخل المحتل، كما أزال تدريجياً حظر التجوّل الطويل، وأسس بنكاً ومدارس مهنية. وفي الوقت نفسه، التحق بالكلية الإسلامية ليتعرّف إلى نمط التفكير في غزة. وفي تلك الفترة، كان يدرس هناك الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس.
في مقابلة صحافية قبل نحو عام، أجراها الصحافي الإسرائيلي شلومي إلدار، قال عبادي لموقع "رِليفانت": "في السنوات الـ17 التي سبقت أكتوبر /تشرين الأول 2023، إسرائيل هي من أنشأت حماس، بسبب عدم توفّر العمل (في غزة)، والوقود، والكهرباء، والماء، والأدوية. ماذا كنت تتوقع منهم أن يفعلوا في هذا القفص الذي وُضعوا فيه؟".
وزعم عبادي: "جاءت حماس وقالت شيئاً بسيطًا للغاية: سأعطي 500 دولار لمن ينضم. أما كنت لتنضم؟ (سأل عبادي الصحافي) أنا كنت سأنضم (أي لو كنت في ذات الوضع)، وأنت أيضاً كنت ستنضم. إذا كان الأطفال يبكون لأنهم لم يأكلوا ليومين، كنت ستنضم، وليس فقط ذلك، إذا كنت جيداً وبارزاً، ستحصل على 800 دولار. أما كنت ستذهب؟".
أضاف عبادي: "من فعل ذلك؟ إسرائيل، بسبب الضيق الذي جلبته لهم، في هذا القفص الذي حبستهم فيه. عندما حدث ذلك (طوفان الأقصى) في عيد فرحة التوراة، نهض رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ووزير الأمن (في حينه- يواف غالانت- قبل إقالته) اللذان فشلا بمجرد وقوع الحدث ولم يكونا يقظين، وقالا أكثر التصريحات غباءً التي يمكن قولها - سوف نُبيد حماس. هما لا يعرفان ما هي حماس، لم يدرساها قط، ولم يفهماها قط. لم يعرفا غزة من قبل، ولا يفهمان غزة اليوم، وبالتأكيد لا يفهمان غزة غداً. لا يوجد أفق سياسي، ولكي يكون هناك أفق سياسي، يجب أن يكون هناك شخص (أي مسؤول إسرائيلي) صاحب رؤية. ولا يوجد اليوم أصحاب رؤية".
عند تسريحه من الجيش الإسرائيلي، عاد عبادي إلى كيبوتسه، وبدأ بتدريس دراسات الشرق الأوسط والصراع العربي - الاسرائيلي في المدرسة الثانوية الإقليمية "بيت يرح"، ودرّس أجيالاً من الطلاب. وبالتوازي، كتب برنامجاً تعليمياً للمدارس بعنوان "عالم العربية والإسلام". بالإضافة إلى ذلك، درّس في فروع جامعية ومعاهد تمهيدية قبل الخدمة العسكرية، وشغل منصب عضو في اللجنة المهنية العليا التابعة لوزارة التربية والتعليم لشؤون اللغة العربية و"عالم العرب والإسلام"، وكان محاضراً مطلوباً في أنحاء البلاد.