وزير الخارجية الباكستاني لـ"العربي الجديد": تجميد أصول أفغانستان لن يساعد بحل القضايا
يتحدث وزير الخارجية الباكستاني، بيلاوال بوتو زارداري، في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" في نيويورك، عن الوضع في أفغانستان مع الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد، وتراجع حركة طالبان عن الكثير من تعهداتها الدولية، متطرقاً إلى رؤيته لكيفية معالجة هذه الأزمة.
كما يشدد في حديثه على ضرورة تعزيز الدعم للدول النامية التي عانت من تبعات التغيير المناخي. وجاءت زيارة الوزير الباكستاني لنيويورك في سياق ترؤسه لاجتماع وزاري لمجموعة "77 + الصين"، وهي أكبر كتلة تفاوضية للدول النامية في منظومة الأمم المتحدة وتضم أكثر من 130 دولة. وترأس باكستان المجموعة في دورتها الحالية وسترأس كوبا المجموعة للدورة المقبلة مطلع عام 2023.
* دعنا نبدأ من قضية قرار إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" لدعم الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، الذي تم التوصل له خلال مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغيير المناخ (كوب 27) والذي عقد الشهر الماضي في شرم الشيخ المصرية. دعت باكستان، كرئيسة لمجموعة "77 + الصين" إلى إدراج تلك المسألة على جدول أعمال المؤتمر. البعض نظر إلى قرار إنشاء هذا الصندوق كأمر تاريخي، بينما رأى آخرون أنه غير كاف للتعامل مع حجم التحديات التي تواجهها الدول النامية والفقيرة التي لم تتسبب بالأزمة المناخية، ناهيك عن عدم وجود ضمانات بأن يتم بالفعل التعويض عن تلك الأضرار للدول الفقيرة. كيف تنظرون أنتم إلى ذلك وإلى نتائج اجتماعات المؤتمر عموماً؟
نعتبر إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" إنجازاً بالغ الأهمية. لقد دعا إليه نشطاء المناخ كما المنخرطون في هذه العملية لأكثر من ثلاثين عاماً، وليس بالأمر الهين أن تُضاف قضية "الخسارة وأضرار" لأجندة مؤتمر المناخ (كوب 27) إلى جدول الأعمال. لقد اتفقنا في مجموعة (77 + الصين)، خلال اجتماعنا الأخير في نيويورك (سبتمبر/ أيلول الماضي)، على ذلك بالإجماع.
وطرحنا ذلك (باكستان كرئيسة للمجموعة خلال العام الحالي) على جدول أعمال المؤتمر. ونعتبر التوصل لقرار بإنشاء صندوق الخسائر والأضرار، نجاحاً كبيراً، ليس فقط لنشطاء المناخ الذين يسعون إلى العدالة المناخية ويعملون منذ فترة طويلة على متابعة هذه الأجندة، بل كذلك للعالم النامي بأسره والمجموعة.
ونحن فخورون بشكل خاص بهذا الإنجاز في سياق رئاسة باكستان. وحول سؤالك عما إذا كان هذا كافياً؟ هناك الكثير مما يجب القيام به والكثير من الوعود التي قطعت ويتعين الوفاء بها. على سبيل المثال التعهد بمائة مليار دولار لدعم الاقتصادات النامية للتكييف مع التغير المناخي، والتي ما زال يجب الوفاء بها. لكن من الضروري أن تكون قضية الخسائر والأضرار على الأجندة، وعلينا إيجاد السبل والوسائل لتمويل ومعالجة ذلك.
كلما يزداد الوضع سوءاً في أفغانستان، سنرى تقليص مساحة الحريات للنساء والفتيات
* ولكن هل ترى أن هذه الجهود جدية وما هي الضمانات؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار ما ذكرته في إجابتك، أي التزام الدول الغنية في سياق اتفاق باريس للمناخ، عام 2015، بجمع مائة مليار سنوياً اعتباراً من عام 2020 لدعم البلدان النامية في خفض انبعاثات الكربون لديها والتقليل من آثار التغير المناخي، وأقلمة اقتصاداتها وغيرها. هذا لم يتحقق كما تعلم. فلماذا سيتم الوفاء بالوعود الجديدة والإضافية؟
في ما يخص الوعد بمائة مليار دولار والتي لم يتم الوفاء بها بشكل كامل، أتفهم أن هناك الكثير من الأمور التي حدثت على أرض الواقع، ومنها وباء كورونا وتبعاتها، وأزمة أوكرانيا، والكثير من الأحداث العالمية التي أدت إلى تحويل انتباه العالم عن ذلك.
ولكن هذا بالذات كان أحد الأسباب لوضع قضية "الخسائر والأضرار" على جدول الأعمال لكي نستعيد الثقة التي فقدها الكثيرون في الدول النامية بالالتزامات التي تقطعها الدول المتطورة صناعياً. لقد كنا بحاجة أن يكون هذا على الأجندة لاستعادة ثقتنا. وحول ما إذا كان سيتم الوفاء بذلك، ستظهر الأيام ذلك وسنرى.
* بالنسبة لقضية إصلاحات نظام مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي تتم مناقشتها حالياً في أكثر من إطار في الأمم المتحدة، وإن كان النقاش مستمراً منذ عقود، إلا أن هذه النقاشات لقيت زخماً في ظل تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من الدول دائمة العضوية الداعية إلى ضرورة إجراء هذه الإصلاحات. لكن التصورات والمواقف ما زالت بعيدة. ما موقفكم من تلك الإصلاحات وهل تدعون للتخلص من حق النقض "الفيتو"، وهل دول الجنوب العالمي متحدة حول الموضوع؟
من وجهة النظر المثالية بغية إصلاح مجلس الأمن يجب إلغاء حق النقض (الفيتو). ولكن هذا ليس الاقتراح الفعلي الذي نتقدم به نيابة عن مجموعة "متحدون من أجل الإجماع" (يو أف سي)، وهي مجموعة أسستها إيطاليا وباكستان ومصر والمكسيك في التسعينيات لمواجهة طلب "مجموعة الأربعة"، المكونة من المانيا واليابان والبرازيل والهند، وتهدف إلى توسيع المقاعد الدائمة.
وتتكون المجموعة اليوم من أكثر من خمسين دولة من عدد من القارات، بما فيها أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. ولكن، على الرغم من أن اقتراحنا لا يتضمن إلغاء حق النقض، فنحن بالتأكيد لا نريد أن نرى توسعاً في عدد الدول التي تملكه. إذا بالتأكيد لا نريد أن نرى توسعاً في النادي النخبوي للأعضاء الدائمين (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا). لا نعتقد أن هذا سيحل مشكلة الجمود في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
نقترح توسيع عدد مقاعد الدول غير دائمة العضوية المنتخبة
* إذاً كيف تريدون أن تحلوا هذا؟ لقد تحدثتم في سياق اختتامكم لرئاستكم هذا العام لمجموعة (77 + الصين) عما سميتموه "دمقرطة نظام الأمم المتحدة". ما الذي تريدونه بالضبط وكيف تريدون الوصول إلى هذا؟
اقتراح "متحدون من أجل الإجماع" ينصّ على أنه بدلاً من أن نقوم بتوسيع عدد مقاعد الدول دائمة العضوية، نقترح توسيع عدد مقاعد الدول غير دائمة العضوية المنتخبة (حالياً 10 دول وعضويتها تستمر لسنتين)، والذي سيعطي المجموعات المختلفة إمكانية أفضل لتمثيلها في مجلس الأمن، وسيكون هذا اقتراحاً أكثر ديمقراطية بدلاً من اقتراح مجموعة الأربعة.
إن حق النقض هو إرث تاريخي بعد الحرب العالمية الثانية عبر فرض الدول المنتصرة رغبتها، غير أنه ليس ديمقراطياً بل أدى إلى عدم تمكن الأمم المتحدة من التعامل مع عدد من الأمور. ولا يمكن أن تكون المشكلة (الفيتو) هي الحل (عن طريق زيادة عدد مقاعد الدول التي تملك الفيتو). كذلك من الضروري تقوية دور الجمعية العامة (حيث لا يمكن استخدام الفيتو ولكل دولة صوت)، ودور الأمين العام بالإضافة إلى مجلس الأمن واقتراحات مجموعة "متحدون من أجل الإجماع" في هذا السياق.
* نسمع الكثير من الانتقادات من دول الجنوب العالمي عن المعايير المزدوجة للدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وطريقة تعاملها مع اجتياح أوكرانيا مقارنة بمناطق أخرى من العالم بما فيها قضية كشمير أو فلسطين أو العراق. كيف تقيّمون أنتم ذلك؟
يمكنني فقط الحديث عما يخص باكستان. من وجهة نظرنا، يتعلق الأمر أكثر بالتسلسل الزمني للأحداث. إذا نظرت إلى ما كان يحدث في ذلك الوقت، فقد رأينا سقوط كابول. لقد قلنا للعالم إنه لا يمكنكم التخلي عن أفغانستان. فيما يخص سقوط كابول أو الانسحاب من أفغانستان كانت هناك تعهدات بتقديم مساعدات إنسانية، أماكن للاجئين... وللأسف، في غضون بضعة أشهر تحول انتباه العالم بأسره إلى أوكرانيا.
تقلصت المساحة المتاحة للاجئين الأفغان، في مقابل توسيع المساحة للاجئين الأوكرانيين. كما قلصت المساعدات الإنسانية الأفغانية في مقابل سيطرة المساعدة الإنسانية في أوكرانيا على هذا الفضاء.
نعتقد اعتقاداً راسخاً، أنه نظراً للأزمة الوجودية التي نواجهها، أي وباء كورونا العالمي، وهو حدث يقع ربما مرة كل مائة عام، وما زلنا نرى عواقب ذلك حتى اليوم، كما التأثير الكارثي لتغير المناخ، وتبعاته التي نشهدها في كل مكان، بما فيها باكستان، وفي جميع أنحاء العالم.. نعتقد إذاً أن هذا ليس الوقت لنشهد بدء حرب أخرى، بل هو الوقت الذي يجب أن تتحد فيه الإنسانية في مواجهة هذا النوع من التهديدات الوجودية للبشرية أجمعين.
وعلى الرغم مما تقدمت بقوله، فإن الوضع في أوكرانيا من دون شك مثير للقلق بشكل لا يصدق. نحن نؤيد بشدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقانون الدولي. لكننا حذرون للغاية، لأننا كنا جزءاً من هذه الحرب الأبدية في أفغانستان، لذلك نحن حريصون للغاية على عدم الانجرار إلى الصراع في أوكرانيا، ولهذا السبب حافظنا على موقف محايد هنا في الأمم المتحدة.
ومنذ وصول حكومتنا إلى السلطة، اتخذنا بعض الخطوات المدروسة بمعنى أنه وعلى الرغم من أن باكستان عموماً دولة تحصل على المساعدات، ولكن قمنا باستثناءين، إذ أرسلنا المساعدات لأفغانستان وأوكرانيا. ونتعاطف مع الشعب الأوكراني، ولكن لا نريد الانجرار إلى الصراع. ونعتقد أن الوقف الفوري للأعمال العدائية والسعي لتحقيق السلام للحوار والدبلوماسية هو ضرورة ملحّة.
حريصون للغاية على عدم الانجرار إلى الصراع في أوكرانيا
* لقد ذكرت أفغانستان والوضع الملحّ هناك. أشارت الأمم المتحدة في تقريرها الأخير إلى أن 97 في المائة من الأفغان بحاجة لمساعدات إنسانية. باعتباركم جيرانا لأفغانستان ولديكم علاقات مع حركة طالبان، ما الخطأ الذي تعتقدون أن المجتمع الدولي يرتكبه في التعامل مع الوضع في أفغانستان؟
أعتقد أن الخطأ الذي يرتكبه المجتمع الدولي يتمثل كما يقول المثل: بوضع العربة قبل الحصان (أي عكس للأولويات) في التعامل مع الوضع، سواء كان ذلك في ما يخص المساعدات الإنسانية، أو الأوضاع الاقتصادية، أو حقوق المرأة وأشياء أخرى أساسية نريد أن نراها من جانب طالبان. ونرى أنه يجب فصل هذه الأمور (عدم الربط بينها بشكل اشتراطي) لأن الوضع الإنساني في أفغانستان يزداد صعوبة بشكل لا يصدق.
وعلى الأرض أعتقد أنه وكلما يزداد الوضع الإنساني سوءاً، والوضع الاقتصادي سوءاً، فإننا سنرى تقليص مساحة الحريات للنساء والفتيات في أفغانستان بشكل أكبر. وبصراحة، هذا شيء حذرت منه منذ سقوط كابول، وقلت هذا مراراً وتكراراً، إذا لم نتدخل، فسنرى المزيد من تقليص الحقوق وهذا بالضبط ما حدث.
كلما يزداد الوضع الاقتصادي سوءاً، سنرى تقليص مساحة الحريات للنساء والفتيات في أفغانستان بشكل أكبر
لم نشهد الوفاء بالتعهدات من قبل طالبان بالسماح للفتيات بالحصول على التعليم الثانوي. لقد رأينا قيوداً على حركة المرأة ومشاركتها في سوق العمل، في المقابل رأينا كذلك زيادة في أنواع العقاب، كالجلد وأشكال أخرى. وهذا ما كنا قلقين من حدوثه، إذا لم تتم معالجة القضايا الاقتصادية والإنسانية.
* ذكرتم الاقتصاد، هل لكم أن توضحوا موقفكم من تجميد الأصول الأفغانية في المصارف الغربية والأميركية على وجه التحديد. وكيف يمكن أن يتم تحريك عجلة الاقتصاد برأيكم؟
الوضع الاقتصادي مريب والإنساني مقلق للغاية. ولن يساعد تجميد الأصول الأفغانية والقنوات المصرفية على حل الأمور الأخرى العالقة كحقوق المرأة وغيرها... على سبيل المثال هناك مشاريع أو أنشطة اقتصادية أُنشئت في فترة الإدارة السابقة، وفجأة توقفت عن العمل أو لا يمكنها الاستمرار لأن الأرصدة المصرفية لا تعمل.
وبرأيي هذه قسوة لا داعي لها. إذا تمت استعادة تلك الأنشطة الاقتصادية، فإن ذلك سيفيد النساء والرجال الأفغان. ونرى أن من الضروري محاولة تسهيل عمل الاقتصاد، فتكون هناك بعض الأنشطة الاقتصادية لتحمّل جزء من الصدمات التي نواجهها جميعاً. وأتفهّم أن القادة في العواصم الغربية كواشنطن يجدون صعوبة في إقناع برلماناتهم بمواصلة التمويل الإنساني أو النقاط الاقتصادية الأساسية، نظراً لتاريخ طالبان والتصورات عنهم. وأشعر أننا في فخ هنا.
والذين يراقبون الوضع على الأرض مثلنا قلقون للغاية من أنه إذا لم نشهد حتى هذا الحد الأدنى من التقدم الاقتصادي، فإن تعليم النساء وتوسيع حقوق المرأة في أفغانستان سيتعاكسان.
سيرة
بيلاوال بوتو زارداري من مواليد عام 1988. تولى منصبه كوزير خارجية باكستان في إبريل/ نيسان الماضي. وهو رئيس لحزب الشعب الباكستاني، ونجل رئيسة وزراء باكستان السابقة بنازير بوتو، التي اغتيلت في عام 2007، ونجل رئيس باكستان السابق علي زارداري وحفيد ذو الفقار علي بوتو، أول رئيس وزراء باكستاني منتخب. درس العلوم السياسية والتاريخ في جامعة أوكسفورد البريطانية.