ترجمت رسائل أمين حزب الله، حسن نصر الله، مساء الاثنين، في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت بعد ظهر اليوم الثلاثاء في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون، إذ فُرِضَ ملف المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار على الطاولة ليطغى على البنود المحددة مسبقاً، وأدى الخلاف حوله إلى تعليق الجلسة على أن تستأنفَ غداً الأربعاء.
وشهدت جلسة الحكومة الآتية بعناوين "الاختصاص" و"الإنقاذ" و"الإصلاح" موقفاً عالي النبرة من عددٍ من الوزراء، ولا سيما المحسوبين على "حزب الله" و"حركة أمل" (برئاسة نبيه بري) و"تيار المردة" (يتزعمه سليمان فرنجية)، إذ سرت معلومات عن رفض هؤلاء الإجراءات التي يتخذها المحقق العدلي وطاولت الادعاء على شخصيات من فريقهم السياسي والتي تصبّ في دائرة "الاستنسابية والاستهداف" على حدّ تعبيرهم.
وأفادت معلومات صحافية بـ"إصرار الوزراء على استبدال البيطار وإلّا لن تستكمل الجلسة" وهي أجواء نقلتها قناة "أن بي أن" المحسوبة على "حركة أمل".
معلومات للـ #NBN: اصرار وزراء حزب الله وأمل والمردة على استبدال القاضي بيطار والا لن تستكمل الجلسة
— nbnlebanon (@nbntweets) October 12, 2021
وبالتزامن مع "تعليق" الجلسة، أشاع مناصرو الأحزاب المذكورة على وسائل التواصل الاجتماعي أجواءً بأنّ "الحكومة طارت"، في تلويحٍ إلى إمكانية استقالة الوزراء في مشهدٍ مكرّر لاستقالة وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" من حكومة فؤاد السنيورة عام 2006 على خلفية الانقسام الحاد حول المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
هذه المشهدية لمّحت إليها أوساط محسوبة على "حزب الله" اليوم بعد حديث نصر الله من خلال تحرك سياسي سيبدأ به الحزب وحلفاؤه وتتبعه خطوات مفتوحة الاحتمالات في حال الإبقاء على البيطار وبالتالي خلق أزمة كان واضحاً نصر الله في التحذير منها.
وكالعادة وحرصاً منه على عدم تشويه صورة الحكومة وهالة الإيجابية المصطنعة التي يضربها تحليق الدولار وارتفاع الأسعار بشكل كبير، خرج وزير الإعلام جورج قرداحي من الجلسة لينفي حصول نقاش في موضوع استبدال البيطار، مؤكداً أن "النقاش بين الوزراء كان ودياً وسيتابع غداً".
وبحسب بيان الرئاسة اللبنانية الإعلامي، فقد تحدّث عون في مستهل الجلسة لافتاً إلى أنها مخصصة "لعرض رؤى الوزراء وخطط عملهم، كل في مجال مسؤولياته الوزارية، والصعوبات التي تواجههم في عملهم، والتي يجب أن تتوافق ومضمون البيان الوزاري للحكومة".
بعد ذلك، "تحدث عدد من الوزراء، متناولين الملابسات المحيطة بالتحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، وضرورة اتخاذ مجلس الوزراء موقفاً مما يدور حول هذه المسألة وبعد التداول، تقرر متابعة البحث في جلسة لمجلس الوزراء تعقد غداً في القصر الجمهوري"، وفق ما جاء في البيان.
ودعا نصر الله مساء الاثنين في كلمة متلفزة له مجلس القضاء الأعلى إلى التحرك لمعالجة موضوع المحقق العدلي ووضع حدٍّ لطريقة تعاطيه مع الملف، متهماً إياه بالمتاجرة بدماء الضحايا ومأساة انفجار مرفأ بيروت خدمة لهدف واستهداف سياسي.
هذه التحذيرات لم تؤثر على المحقق العدلي الذي أصدر صباح اليوم مذكرة توقيف غيابية بحق وزير المال الأسبق النائب علي حسن خليل (ينتمي إلى حركة أمل) الذي لم يمثل أمامه، وذلك قبيل تبلغه دعوى الردّ المقدمة ضدّه من خليل ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل)، ما أدى تلقائياً إلى وقف التحقيقات وتعليق جلسة الاستجواب التي كانت محددة يوم غد لزعيتر ووزير الداخلية الأسبق النائب نهاد المشنوق، وبالتالي كفّ يد البيطار مرحلياً لحين البتّ بالطلب.
على صعيد الاستمرار في عرقلة التحقيقات، وفي وقتٍ لم تعمم النيابة العامة بعد مذكرة التوقيف الصادرة بحق وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس (ينتمي إلى تيار المردة) في اتجاه متوقع اعتماده في مذكرة حسن خليل، وبينما رفض وزير الداخلية بسام مولوي إعطاء الإذن بملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم (محسوب على الثنائي الشيعي)، قال مطلعون على التحقيق إن "المجلس الأعلى للدفاع لم يعطِ بدوره الإذن بملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا (محسوب على رئيس الجمهورية)".
وبحث المجلس الأعلى للدفاع برئاسة عون، قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، في طلب المحقق العدلي الحصول على إذن بملاحقة اللواء طوني صليبا ليُصار إلى استجوابه بصفةِ المدعى عليه واتخاذ القرار المناسب بشأنه، بيد أنه لم يفصح عنه بذريعة "المداولات السرية".
وبالتزامن مع هذه التطورات والحرب السياسية التي فتحت على القاضي البيطار، نظم عددٌ من أهالي الموقوفين في قضية انفجار بيروت اليوم وقفة احتجاجية للمطالبة بتحديد المسؤوليات والعدالة للموقوفين منذ أكثر من سنة.
كذلك، توالى هجوم المراجع الدينية على القاضي البيطار، إذ حذّر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من "تسييس هذه القضية الوطنية والإنسانية بتحويل القضاة أداة للانتقام السياسي الذي يحرف العدالة عن مسارها ويطمس الحقيقة"، مشيراً إلى أن "القاضي البيطار يبتعد كلياً عن مسار العدالة من خلال الاستنسابية والمزاجية اللتين كرستا الارتياب به وبعمله".
في سياق متصل، شدد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية بيتر ستانو على ضرورة متابعة التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت بأسرع وقتٍ ممكن، مؤكداً ضرورة أن يكون التحقيق محايداً وذا مصداقية وشفافية والمضي به من دون أي تدخل في الإجراءات القانونية حتى محاسبة المسؤولين عن الانفجار.