"وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية... أكذوبة إسرائيلية للتوسع
استمع إلى الملخص
- أكد وزير الأمن الإسرائيلي على ضرورة بقاء جنوب سورية منطقة منزوعة السلاح، مع بقاء القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة، مشيراً إلى محاولات استمالة المجتمع الدرزي وتقديم المساعدة لهم.
- نفى الباحث السياسي مؤيد قبلان وجود عسكري لحماس والجهاد في سورية، موضحاً أن الأنشطة الفلسطينية تركز على العمل الخيري والإغاثي، مثل رعاية الفقراء وترميم المنازل.
في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر الاثنين الماضي، وصف الإدارة الجديدة في سورية بأنها "جماعة إرهابية" استولت على دمشق بالقوة. وزعم ساعر، لدى اجتماعه في بروكسل مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في إطار مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية يسعون إلى فتح جبهة حرب أخرى ضد إسرائيل.
من جانبه، قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال مؤتمر لقادة المجالس الإقليمية في إسرائيل الخميس الماضي، إن (أبو محمد) الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع) "استبدل الجلابية بالبدلة ويتحدث بلغة دبلوماسية، لكننا لا نثق به، ونثق فقط بالجيش الإسرائيلي". وكرر أن جنوب سورية يجب أن يبقى منطقة منزوعة السلاح، وقد تم نقل رسائل إلى دمشق بهذا الخصوص، مشيراً إلى أن النظام الجديد في دمشق حاول قبل أيام، ولأول مرة، نشر قواته في مواقع عسكرية، فقامت القوات الجوية الإسرائيلية بضربها وتدميرها. وأعلن كاتس أن قواته "ستبقى إلى أجل غير مسمى" في المنطقة العازلة على طول الحدود مع لبنان، وأن انتشارها هناك "مرتبط بالوضع". ولفت إلى أن القوات الإسرائيلية "ستبقى في قمة جبل الشيخ والمواقع الاستراتيجية لفترة غير محدودة". وجدد كاتس محاولة استمالة المجتمع الدرزي في سورية، بالقول: "نحن بالتأكيد نهدف إلى الحفاظ على الاتصال بهم، ونفكر حالياً في السماح لأولئك بالقدوم والعمل يومياً في مرتفعات الجولان، ونحن على استعداد لتقديم المساعدة لهم".
مصدر فلسطيني: وجود "حماس" و"الجهاد" في سورية مدني بالكامل وهو في الأساس سياسي وإعلامي واجتماعي
وتعليقاً على التصريحات الإسرائيلية، خاصة تلك التي تتحدث عن "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية قال مصدر فلسطيني مطلع مقيم في دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن هذه التصريحات مجرد أكاذيب تطلقها إسرائيل للتغطية على خططها بشأن سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وهي تعكس بوضوح رغبة في العبث بالوضع الداخلي السوري تحت ذرائع أمنية. وأضاف المصدر أن الهدف الإسرائيلي هو استغلال الوضع السوري الصعب لتدمير أوسع ما يمكن من البنى العسكرية التحتية، وحتى إحداث تمزيق جغرافي بشري بين المحافظات الثلاث الواقعة على خط المواجهة في تقاطعاتها الجنوبية، وهي القنيطرة ودرعا والسويداء، وهو ما يحظى بمباركة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ووفق صحف إسرائيلية، فإن حكومة الاحتلال تعمل على إنشاء منطقة سيطرة تمتد لنحو 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، إلى جانب منطقة نفوذ بعمق 60 كيلومتراً، تنشط فيها المصادر الاستخبارية الإسرائيلية، مشيرة إلى أن "منطقة النفوذ الأوسع التي ستخضع لمراقبة الاستخبارات الإسرائيلية، تهدف لمنع نشوء أي تهديد مستقبلي ضدها من الأراضي السورية". وقالت إن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بوجود ميداني داخل منطقة السيطرة لضمان عدم إطلاق الصواريخ نحو الجولان مستقبلاً.
نفي أي "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية
وحول مزاعم الوجود الفلسطيني في جنوب سورية، شدد المصدر على أنه لا أساس لها من الصحة إطلاقاً، نافياً أن يكون هناك أي "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية لا حالياً ولا حتى في عهد النظام السابق. وأكد أن وجود "حماس" و"الجهاد" في سورية مدني بالكامل، وهو في الأساس سياسي وإعلامي واجتماعي. وأوضح أنه جرى إغلاق المقرات أو المكاتب التي كانت تتبع للفصائل الفلسطينية في عهد النظام السابق، أو وضعت الإدارة الجديدة يدها عليها، بما فيها مكاتب جبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية وفتح الانتفاضة التي أغلقت جميعها، كما جرى إغلاق معظم مكاتب الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة، أما مكاتب فصيل قوات الصاعقة، التابعة لحزب البعث - الفرع الفلسطيني، فقد استحوذت عليها الإدارة الجديدة، واعتبرتها من أملاك الدولة. ووفق المصدر فإنه لا يوجد اليوم مقرات للفصائل الفلسطينية في سورية، باستثناء الرسمية منها، أي منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة فتح، وما تبقى مؤسسات خيرية اجتماعية وإغاثية، بعضها يتبع للمجتمع المدني، وأخرى لفصائل فلسطينية.
وكان مصدر من "فتح الانتفاضة" قال، في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن إدارة العمليات العسكرية في دمشق وضعت يدها على مقر قيادة "الصاعقة" العسكري في منطقة العباسيين بدمشق، ومكتب أحمد جبريل (الأمين العام السابق للجبهة الشعبية - القيادة العامة الذي توفي في العام 2021) والذي ورثه ابنه أبو العمرين. كما وضعت تلك الإدارة يدها على مقر العقيد زياد الصغير، مسؤول حركة فتح – الانتفاضة، في ساحة التحرير بدمشق، بينما هرب الصغير إلى لبنان، وقد كان هذا المقر أساساً قبل العام 1983 تابعاً إلى حركة فتح بقيادة الراحل ياسر عرفات. وأصدرت "فتح الانتفاضة"، الخميس الماضي، قراراً بطرد الصغير من الحركة نهائياً بتهمة اختلاس أموال، وإصدار بيانات مزورة باسمها.
وليد الكردي: حماس والجهاد وفتح لها دور في العمل الخيري الإغاثي في التجمعات الفلسطينية
بدوره، نفى مؤيد قبلان الباحث السياسي، والمستشار لدى الإدارة السياسية في دمشق، في حديث لـ"العربي الجديد"، مزاعم إسرائيل حول "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية ووصفها بأنها مجرد ادعاءات فارغة. وقال قبلان: "لو تتبعنا الادعاءات الإسرائيلية، لوجدنا أنها متناقضة، خاصة قولهم إنهم لا يريدون أن يكون جنوب سورية مثل جنوب لبنان، حيث الوضع مختلف كلياً، ففي جنوب لبنان كان هناك قوة واحدة على صلة بإيران، وهذا الوضع غير قائم في سورية".
"حماس" ليس لها وجود عسكري بسورية
وحول "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية قال قبلان أن "حماس ليس لها وجود عسكري على الأرض السورية، ولا يسمح بوجودها، والادعاءات الإسرائيلية مجرد اختلاق ذرائع متناقضة". وأوضح: "مرة تقول إسرائيل إنها تريد دعم الدروز، وأحيانا تدعي وجود جهاديين، وأحياناً تريد تأمين حدودها، وكل ذلك غير صحيح. الصحيح أنهم يحاولون الحصول على ورقة سياسية من خلال الترويج للانعزال على أساس طائفي وعرقي، لأنهم يعتبرون أن سورية ضعيفة خير لإسرائيل". واعتبر أن "أي تضعضع في سورية سوف يتيح لإيران الدخول مجدداً إلى سورية بزعم دعم المجموعات التي تقاتل إسرائيل، وهذه قضية تحظى بشعبية، ما سيعيد الأمور إلى سيرتها الأولى كما كانت في عهد النظام السابق".
نشاط اجتماعي وإغاثي
وبشأن "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية قال الناشط في مجال العمل الإغاثي الحاج مازن أبو عطوان، لـ"العربي الجديد"، إن أنشطة حركة الجهاد في سورية تتركز حول رعاية الفقراء وترميم ما يمكن من منازل مدمرة، خاصة في مخيم اليرموك، ومحاولة إصلاح شبكة مياه الشرب، وتنظيف الشوارع الرئيسية من الردم، وتوزيع المساعدات الغذائية، أما "حماس" فلديها بعض المؤسسات الاجتماعية المرخصة من عهد النظام السابق قبل تدهور العلاقة بينهما نتيجة موقف الحركة المعارض لقمع النظام السابق للحراك الشعبي ضده. وأضاف أبو عطوان أن القيادة الجديدة في سورية لديها توجه لتشجيع النشاط المجتمعي والأهلي، سواء السوري أو الفلسطيني، لتعويض الخلل في أداء العديد من مؤسسات الدولة الموروث عن النظام السابق، مشيراً إلى أن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية ساهمت في إصلاح وترميم وإعادة تجهيز معظم مساجد مخيم اليرموك لتكون جاهزة مع فجر اليوم الأول من رمضان (اليوم السبت)، وكل ذلك بدعم من أشخاص وعائلات من داخل مخيم اليرموك وخارجه. وأشار إلى دور هذه المنظمات في توزيع المواد الغذائية والألبسة عن طريق متبرعين، إضافة إلى تشغيل مستوصف خيري من قبل فصيل الجبهة الشعبية- القيادة العامة في مخيم اليرموك، ومستوصف وعيادة من جانب وكالة "أونروا"، مشيراً إلى أن أبرز الجمعيات العاملة في هذا المجال، هي "الإسراء" الخيرية، و"اليرموك" الخيرية.
وحول دور الفصائل في هذه الأنشطة، لفت الناشط في المجال الإغاثي وليد الكردي إلى أن حركات حماس والجهاد وفتح لها دور في العمل الخيري الإغاثي في التجمعات الفلسطينية، ضمن تراخيص عمل نظامية، كما تقوم الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين بأنشطة في مخيم اليرموك غالبيتها ثقافية. ولفت إلى أن أبرز جهة تنشط على هذا الصعيد، هي وكالة "أونروا"، التي أنجزت بناء مدرستين جديدتين في مخيم اليرموك، إضافة إلى مستوصف، وهي تقدم خدمات أخرى، خاصة بعد نقل مقر الوكالة من منطقة الحلبوني في دمشق إلى بناء جديد في شارع المدارس في مخيم اليرموك بغية التخفيف على المدنيين عناء التنقل.
ورأى الباحث محمد إبراهيم أن ما تقوله حكومة إسرائيل بشأن مخاطر أمنية محتملة من الجانب السوري يدخل في باب "الأمن الوقائي" الذي باتت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتبناه، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" في غزة. وأضاف إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحسابات الإسرائيلية تقوم على فرضيتين، هما عدم ثقتها بالحكم الجديد في سورية، والذي تعتبر أن لديه مرجعيات جهادية تدعم محاربة إسرائيل، إضافة إلى افتراض إسرائيلي بأن حركتي "حماس" و"الجهاد" في سورية سوف تبحثان عن جبهة انطلاق جديدة محاذية للجولان السوري المحتل، لمهاجمة إسرائيل بعد أن خسرتا جبهتي غزة وجنوب لبنان.
ورأى أن الإدارة الجديدة في دمشق تدرك تماماً المخاطر المترتبة على السماح بأي "وجود عسكري لحماس والجهاد" في سورية مستبعداً أن تسمح بذلك، لا قرب حدود الجولان، ولا في عمق الأراضي السورية. ولفت إلى أن إسرائيل تدرك ذلك، لكنها ترمي كما يبدو إلى ما هو أبعد، لانتزاع تخلٍ علني من جانب دمشق عن أي التزام بالقضية الفلسطينية، حتى على الصعيدين السياسي والإعلامي، على نحو ما كان يفعل النظام السابق، والذي كان يمنع النشاط العسكري الفلسطيني، ويكتفي بالدعم الإعلامي، الذي تقلص أيضاً في الأشهر الأخيرة قبل سقوط النظام، تحت الضغط الإسرائيلي.