وثائقي صُور سراً: هكذا تتهرب كوريا الشمالية من العقوبات الدولية

وثائقي صُور سراً: هكذا تتهرب كوريا الشمالية من العقوبات الدولية

12 أكتوبر 2020
عرضت السلسلة بعنوان "الخلد-مهمة سرية في كوريا الشمالية" (Getty)
+ الخط -

كشف فليم وثائقي استمر العمل عليه لـ10 سنوات، من إنتاج مشترك بين تلفزيون الدنمارك "دي آر" والسويدي "اس في تي" والنرويجي آركي أن وقناة بي بي سي، الطرق السرية لتملص كوريا الشمالية من العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة على بيونغ يانغ.

وعرضت القناة الرسمية الدنماركية مساء أمس الأحد الوثائقي المصور سراً، للمخرج والصحافي الدنماركي مادس بروغر، بعنوان "الخلد-مهمة سرية في كوريا الشمالية"، حيث يظهر كيف أن طباخاً دنماركياً متقاعداً يدعى أولريك لارسن، استطاع مع زميل ثري آخر يدعى جيم كفوتروب خداع نظام بيونغ يانغ، باعتباره "مليارديراً" نفطياً يرغب في الاستثمار والتعاون.

وعرض الكوريون الشماليون على الطباخ ورفيقه أنواعاً مختلفة من الأسلحة، بينها صواريخ بالستية طويلة المدى وصواريخ مضادة للدرونز (طائرات بدون طيار)، والاستثمار في مناجم ذهب والحصول على مخدرات مصنعة في كوريا الشمالية وخارجها.

الوثائقي الذي استخدمت فيه كاميرات سرية وكاميرات توثيق دعائية لكوريا الشمالية، بدأت قصته في 2010، حين كان الصحافي الدنماركي مادس بروغر (48 سنة وعمل رئيس تحرير "راديو27" في كوبنهاغن) يبحث عن "مخترق" (أو خلد كما سُمي بالدنماركية) لاختراق جمعية الصداقة الكورية الشمالية في كوبنهاغن. 

الخطوة الأولى

مهمة اختراق "الصداقة الكورية-الدنماركية" كانت الخطوة الأولى للوصول إلى بيونغ يانغ وكسب ثقة ممثلي نظامها. ويظهر في الأثناء الدور المحوري الذي يؤديه الإسباني اليخاندرو كاو دي بينوس، الذي يشغل في كوريا الشمالية منصب "رئيس جمعية الصداقة الكورية الشمالية الدولية"، وهو على علاقة وثيقة بمراكز صناعة القرار، ويعتبر أحد القلائل الذين يعتمد عليهم النظام الكوري الشمالي لإيجاد شركاء أجانب مستثمرين ومستعدين لشراء السلاح والمخدرات من بيونغ يانغ.

والتقى دي بينوس في العاصمة النرويجية أوسلو بمن سيعرف لاحقاً بالسيد جايمس (الطباخ) كرجل أعمال مع زميل دنماركي آخر على أنه ثري، ليزكيهما للقيادة الكورية الشمالية بعد تزكية جمعية الصداقة في كوبنهاغن. 

وعرض الوثائقي أدلة، شبّهها المخرج بروغر "بـحصولك على لائحة طعام في المطعم، لكنها بدل الوجبات احتوت على ما هو مذهل من أسلحة مدمرة تود بيونغ يانغ بيعها للرجل". والدافع الحقيقي وراء السلسلة الوثائقية، بحسب بروغر، "إظهار طرق التفاف نظام كيم جونغ أون على العقوبات الدولية".

الوثائقي ركز على دور "جمعيات الصداقة" الكورية الشمالية الدولية "كي اف إيه" في سياسة تسويق ما ينتجه بلدها بعيداً عن الرقابة الدولية. وجرت اجتماعات عمل، بحسب الوثائق، بين ممثلي نظام كيم جونغ أون ورجلي الأعمال المفترضين في عدد من الدول، إلى جانب كوريا الشمالية. 

وشهدت الفترة بين 2016 و2019 اجتماعات في أوغندا والصين وكمبوديا وأوسلو، وصُوِّرَت كل تلك الاجتماعات والعروض التي قدمها ممثلو نظام بيونغ يانغ للبيع، من خلال كاميرات سرية، وبعض اللقطات بعدسات علنية بحجة أن "مستر جايمس" يعمل على وثائقي عن حياته.

لائحة من البضائع: صواريخ ومخدرات

يقدم الوثائقي أحد أهم الاجتماعات المثيرة للجدل في 2017 في بيونغ يانغ، وجرى الإعداد بالوثائق لاتفاقية "تعاون تجاري واستثماري"، حيث وقّع عليها مندوب النظام، نيابة عن أحد شركات التهرب من العقوبات الدولية "كوريا ناراي تريدينغ كوربوريشن" Korea Narae Trading Corporation، كيم ريونغ تشول و"مستر جايمس".

يقدم الوثائقي أحد أهم الاجتماعات المثيرة للجدل في 2017 في بيونغ يانغ

 

 وتضمنت الاتفاقية "تطوير وتشغيل منجم ذهب" والتعاون في دولة ثالثة على إنشاء معمل معدات عسكرية ومصنع لإنتاج مخدرات "امفيتامين (الميثامفيتامين) وريتالين". 

ويشير معدو الوثائقي إلى أن الكوريين الشماليين مستعدين لفعل أي شيء مقابل الحصول على الأموال نقداً، غير آبهين لمن يذهب إليه السلاح.

الوثائق التي استعرضها التلفزيون الدنماركي، وشملت لائحة أسعار الصواريخ البالستية وأنواع أسلحة أخرى، عُرضت على خبراء في الشأن الكوري الشمالي، مؤكدين صحتها.

وذكر أحد الخبراء البريطانيين، هيو غريفيث، (كان عضواً قيادياً في لجنة العقوبات الأممية على كوريا الشمالية بين 2014 و2019)، أن تلك الوثائق "صحيحة ومؤشر على وجود انتهاكات للعقوبات التجارية على نظام بيونغ يانغ". 

ونقلت "دي آر" عن الخبير وأستاذ الدراسات الكورية في جامعة لايدن الهولندية ريمكو برويكر، أن ما يثبته الوثائقي هو "السعي الدائم للحصول على المال مقابل أي شيء". ورأى الخبيران في تصرفات نظام كيم جونغ أون "نموذجاً لطرق عمله، وخصوصاً في عقد اجتماعات في دول ثالثة للتفاوض على بيع الأسلحة بعيداً عن أعين مراقبي الأمم المتحدة". 

وتزامناً مع السلسلة الوثائقية من 3 أجزاء اشتُغل عليها لنحو 10 سنوات، يؤكد الخبير برويكر أن كوريا الشمالية كانت تعمل فعلياً على إقامة مصانع سلاح ومخدرات في الخارج "وهم معروفون بإنتاج المخدرات، وخصوصاً مادة الميثامفيتامين المشهورة جداً على أنها الأفضل في العالم".

يأس خلف المال... دون التحقق من المشتري

وبعد تفحص وثائق السلسة، أكد الخبيران، غريفث وبرويكر، أن الكوريين الشماليين يعيشون حالة يأس لجمع المال، في ظل عقوبات دولية صارمة، "فهم يملكون فائضاً ضخماً من الصواريخ والسلاح ويخططون بيأس لجلب اليورو والدولار بكل الوسائل".

واستغرب الخبيران كيف أن "مستر جايمس" (الطباخ)، استطاع مع رفيقه النفاذ إلى تلك المستويات الرفيعة، دون أن يجري التحقق من خلفيته "فقد يكون إرهابياً أو مصدراً لجماعات إرهابية بالسلاح أو دول مثل سورية وإيران، ومن ناحية استراتيجية، فإن ما تظهره السلسلة الوثائقية أشياء خطيرة جداً، وقد يستدعي الكشف قلقاً من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والصين وروسيا، وبالأخص حين يرون أن رجل أعمال (مزيف) يعرض عليه في بيونغ يانغ صواريخ بالستية وتكنولوجيا إنتاجها، وهي صواريخ تطاول أماكن مختلفة حول العالم، ويمكن أن تحمل رؤوساً نووية". 

في أحد مقاطع الوثائقي المصورة في صيف 2017 يظهر ممثل حكومة كوريا الشمالية "السيد داني" في اجتماع في أوغندا، مستعرضاً وثائق رسمية عن الأسلحة وأسعارها ومدة تسليمها. وذكر "السيد داني" أن بلده "يمكنه تسليم الأسلحة بمختلف صنوفها، من الصغيرة إلى الصواريخ الضخمة". 

وفي أحد اللقاءات في العاصمة الصينية بكين، عُرض على الثري الدنماركي "مستر جايمس" لائحة أسعار بالأسلحة. وفي كمبوديا عرض "السيد داني"، في إبريل/ نيسان 2019، وثائق عن صواريخ مخصصة لاصطياد وإسقاط الطائرات بدون طيار للاستيلاء عليها. وبعد عرض الوثائق على الخبراء، وبينهم هيو غريفيث، جرى التأكد من صحة ما عرضه الكوريون الشماليون. وفي السياق، ذكر غريفيث أن "الوثائق ذات صدقية عالية، فكوريا الشمالية لديها صواريخ سكود سي البالستية، وطوّرت سكود إي (E)، وهو ما تظهره الوثائق المكتوبة إلى جانب الأسلحة الأصغر المعروضة للبيع".

ورأى الخبير السابق في مراقبة العقوبات، هيو غريفيث، أن بيونغ يانغ مارست سابقاً عمليات احتيال على مستثمرين أجانب "أخذت منهم المال المخصص للاستثمار في منجم ذهب، ثم تبخر المشروع مع الأموال التي لم يرَها المستثمرون بعد وصولها إلى بيونغ يانغ".

الجدير ذكره، أن منتجي السلسلة الوثائقية والتلفزيون الدنماركي تواصلوا مع سفارة كوريا الشمالية في استوكهولم، حيث عُرضَت الوثائق التي تبين أن سلطات بيونغ يانغ مستعدة لبيع أي شيء لأي مستثمر، وذلك قبيل عرض السلسلة، فلم تعلّق السفارة ولا السلطات الرسمية في بيونغ يانغ، بعد إعلامهم بأن كل ما حصل خلال نحو 10 سنوات لم يكن سوى عملية زائفة لتصوير وثائقي حول خرق البلد للعقوبات الدولية المفروضة عليها.