على الرغم من إصرار الولايات المتحدة على رفض التطبيع مع النظام السوري، إلا أن المزيد من المؤشرات تظهر التواصل بين الطرفين، وتحديداً على خلفية المعتقلين الأميركيين في سورية، وأبرزهم الصحافي أوستن تايس المفقود في سورية منذ 2012.
وفي حين تشير كل الدلائل إلى أن أوستن اختطف من قبل مجموعات النظام الأمنية أو العسكرية، فإنه بات ورقة من المتوقع أن يستغلها بشار الأسد على طاولة ما.
وأكد وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، يوم الخميس الماضي، أن الإدارة الأميركية والنظام تبادلا الرسائل بشأن الصحافي المختطف عبر مسقط، مؤكداً، لموقع "المونيتور"، أن دور بلاده في المحادثات بين الطرفين "ليس حياداً سلبياً، بل بنّاء وإيجابي واستباقي".
وتابع: "نحن نعلم على الأقل أن هناك رسائل ذهاباً وإياباً"، مضيفاً: "لا أستطيع أن أخبركم أنهم أقرب إلى إيجاد مخرج حتى الآن، لكن العملية بدأت، وآمل أن تستمر".
أيمن عبد النور: الإدارة الأميركية تفصل بين رفض التطبيع مع النظام وقضية الإفراج عن الرهائن الأميركيين
وأعرب الوزير العماني عن تفاؤله بأن التطبيع مع النظام يمكن أن يساعد في مواجهة تحديات البلاد، بما في ذلك محنة اللاجئين والاتجار بالمخدرات، مشيراً إلى أن عودة سورية إلى الجامعة العربية ستمكنها من "معالجة هذه القضايا، وتوفير بعض المتطلبات من أجل الشفاء وإعادة البناء والمصالحة". واعتبر أن مجموعة الاتصال الوزارية العربية ستعمل على "تمكين الحكومة السورية من تلبية بعض المخاوف الرئيسية".
تواصل بين واشنطن والنظام السوري
والشهر الماضي، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قيام واشنطن بالتواصل مع النظام للإفراج عن الصحافي تايس، فيما أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن سلطنة عمان هي من تأخذ دور الوسيط. ووفق الصحيفة، فإن الأسد جدد خلال لقائه سلطان عمان هيثم بن طارق رغبته في ربط المحادثات حول مصير تايس بتخفيف العقوبات، ودفع الولايات المتحدة إلى الانسحاب من سورية.
وأوستن تايس صحافي مستقل وضابط سابق في مشاة البحرية، عمل بعد تقاعده مصوراً صحافياً مع وكالة "فرانس برس" وصحيفة "واشنطن بوست"، وغيرهما، واختفى أثناء تغطيته الصحافية في سورية عام 2012، وكان يبلغ من العمر 31 عاماً في ذلك الوقت. وبعد نحو شهر على اختفائه، ظهر تايس معصوب العينين برفقة مسلحين حاولوا الإيحاء بانتمائهم لفصائل جهادية.
وتبدو إدارة الرئيس جو بايدن بصدد محاولة إنهاء ملف تايس قبل انتهاء ولايته الحالية، وإن كانت المحادثات حول الصحافي بدأت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وبشكل مباشر، حين شهد عام 2020 رفع الغطاء عن زيارة قام بها مسؤولان كبيران في الإدارة الأميركية إلى دمشق للتباحث حول مصيره. حينها دفع النظام بصحيفة "الوطن" الموالية له لتأكيد الزيارة، على أنها جرت في أغسطس/آب من العام ذاته، وأكدت الصحيفة أنها لم تكن الزيارة الأولى، إذ سبقها زيارات مشابهة في الأشهر والأعوام التي سبقت ذلك الوقت.
وقالت "الوطن" حينها، إن تايس "ليس صحافياً، وإنما عميل متعاقد مع الاستخبارات الأميركية، دخل الأراضي السورية بطريقة التهريب عام 2012 وزار مناطق عديدة كانت قد خرجت حينها عن سيطرة الجيش السوري، ووصل إلى منطقة الغوطة الشرقية مكلّفاً بمهمة تجهيز وإعداد جهاديين لمحاربة القوات السورية، لكنه اختفى في الغوطة في ظروف غامضة ولم يُعرف مصيره حتى الآن. وترجح المعلومات أن يكون اختفاؤه ناجماً عن صراع جماعات متطرفة كانت قد نشأت حديثاً في الغوطة الشرقية" بحسب "الوطن".
وهذا يدل على إمكانية اعتبار النظام أن تايس صيد ثمين، لا سيما أنه كان بالفعل جندياً في البحرية الأميركية قبل تقاعده وعمله في الصحافة. وأصرت دمشق في ذلك الموقف على "مبدأ أنه لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن قبل البحث في ملف انسحاب القوات الأميركية المحتلة من شرق سورية".
إدارة ترامب أنشأت قنوات تواصل مع النظام
وفي عام 2017 ذكرت وسائل إعلام أميركية أن إدارة ترامب، أنشأت قنوات تواصل سرية لاستعادة الصحافي. وكُشف أن مكالمة جرت بين علي مملوك رئيس الاستخبارات السورية، ومايك بومبيو مدير الاستخبارات الأميركية السابق لهذا الغرض.
وأشارت المعلومات حينها إلى أن الاستخبارات الأميركية لديها معطيات بأن مملوك، أو مدير المكتب الأمني في القصر الجمهوري والضابط المقرب من الأسد اللواء بسام مرهج، والمعروف بـ"باسم الحسن"، يعرفون مكان وجود الصحافي الأميركي، فيما ترجح معلومات بأن مرهج يحتجزه بشكل شخصي.
رائد المصري: النظام يريد، عدا عن رفع العقوبات الأميركية عنه، التوسع أكثر في محادثاته مع واشنطن مباشرة
ودائما ما نفى النظام وجود تايس لديه. ففي عام 2016 قال وزير خارجية النظام، فيصل مقداد "إن أوستن تايس ليس في يد السلطات السورية، وليست لدينا أي معلومات عنه".
وتايس ليس المختطف أو المفقود الوحيد في سورية، إذ تطلب الإدارة الأميركية أيضاً الإفراج عن مجد كم ألماز، المعالج النفسي السوري - الأميركي، الذي اختفى بعد أن أوقف على نقطة تفتيش تابعة للنظام السوري في 2017. كما تعتقد الإدارة الأميركية أن نظام الأسد يحتجز ما لا يقل عن أربعة أميركيين آخرين، لكنها لا تعرف الكثير عنهم.
لماذا يتصدر تايس قائمة المطلوبين؟
لكن لماذا تايس تحديداً من يتصدر قائمة المختطفين عند المطالبة؟
يلفت الصحافي والباحث أيمن عبد النور، المقيم في واشنطن، إلى أن والدة الصحافي، ديبرا تايس، بات لها وزن عند الإدارات الأميركية من خلال نشاطها، وهي التقت أكثر من رئيس وتُحرك الموضوع دائماً بدون كلل. ويضيف عبد النور، لـ"العربي الجديد"، أن ديبرا باتت نافذة وقوية، وهذا ما يدفع الإدارة للحرص على متابعة قضية ابنها المختطف.
ويشير عبد النور إلى أن الإدارة الأميركية وحتى في الكونغرس يفصلون بين الموقف الأميركي الرافض للتطبيع مع النظام بالكامل، وبين قضية الإفراج عن الرهائن الأميركيين لدى النظام والذين عددهم ستة بمن فيهم تايس، لكونها قضية إنسانية.
وعن إشارة الوزير العماني في تصريحاته إلى أن المجموعة الوزارية العربية التي نتجت عن القرار 8914 الذي أعاد النظام إلى الجامعة العربية، يمكن أن تعمل على إزالة بعض المخاوف، وذلك في معرض حديثه عن إمكانية تقديم الأسد تنازلات مقابل تعويمه دولياً، يقول عبد النور حول إمكانية أن تلعب اللجنة دوراً في التفاوض على مسألة الرهائن الأميركيين، إن القانون في الولايات المتحدة يكلف أجهزة بعينها بمتابعة هذه الأمور (الاستخبارات والخارجية)، وليس جهات أخرى، لكن اللجنة الوزارية قد تسهل تواصلاً معيناً، أو تساعد في الحوار أو تمهد له، علماً أن مسقط هي الآن من تقوم بهذا الدور، وهذا هو الدور المعروف عن السلطنة برعاية الكثير من المباحثات السرية.
وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، فيما يخص الملف السوري، باتت كل الاحتمالات واردة، من بينها أن تقدم الإدارة الأميركية على تنازلات كبيرة مقابل الإفراج عن تايس والرهائن، وذلك على ضوء التقارب العربي مع النظام، وإهمال الإدارة الأميركية بشكل أو بآخر للملف السوري، رغم رفضها مسألة التطبيع ورفع العقوبات.
النظام السوري يريد رفع سقف مطالبه
وفي هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رائد المصري، أن "النظام يريد من خلال هذا التفاوض مع واشنطن رفع سقف مطالبه، ليس فقط فيما يتعلق بالكشف عن مصير الصحافي، بل فيما هو أكبر من ذلك بكثير، في محاولة لإعادة الدور الإقليمي لسورية في المنطقة العربية عبر إمساكها بعدة ملفات كانت قد فقدتها منذ زمن".
ويضيف المصري، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا يرتبط بسلسلة أحداث ومفاوضات بين النظام السوري والولايات المتحدة كانت جرت في السابق، إذ أفرج النظام عام 2019 عن الرحالة الأميركي سام غودين الذي يبلغ من العمر 30 عاماً، بعد وساطة من مدير الأمن العام اللبناني (السابق) عباس إبراهيم، بعدما كان اختفى خارج مدينة القامشلي، وقضى في الاحتجاز 62 يوما".
وينوه المصري إلى أن النظام في دمشق يريد، عدا عن رفع العقوبات الأميركية عنه، وخصوصاً قانون "قيصر"، التوسع أكثر في محادثاته مع واشنطن مباشرة ومن دون وسيط، ويريد إظهار أنه يفاوض لإخراج الأميركي من سورية، ويرغب في اعتراف أميركي بالدور السوري المتجدد على هذا المستوى، ويطلب إعادة إمساكه بملفات دولية كالملف اللبناني، لأنه يعتبر حتى العودة إلى الحضن العربي هي غير مكتملة من دون الرعاية والاعتراف الأميركي التي من خلالها يمكن أن ينفذ إلى دور أكبر.
ويضيف أن على واشنطن اليوم موازنة حاجتها بين ما يطلبه النظام السوري لقاء الكشف عن مصير الصحافي ومطالب دمشق المتوسعة، وما إذا كانت الرغبة والحاجة الأميركية ملحّة لإنجاز الملف قبل الانتخابات الاميركية وقطع الطريق على الجمهوريين.
ويعتقد المصري أن "التفاوض المباشر بين الأميركي والسوري مباشرة كما حصل في مفاوضات سابقة هي الأفضل للجانب الأميركي من دون إدخال أي وساطات عربية، وهذا ما يريده الأسد كي لا تتوسع دائرة المطالب السورية وتتحول إلى مفاوضات عربية ودولية تضطر معها واشنطن إلى تقديم تنازلات مؤلمة فيما يتعلق بقضية الشعب السوري العالقة منذ 2011".