واشنطن من هزيمة مغلفة بانسحاب في أفغانستان إلى تصفية حساب مع موسكو

واشنطن من هزيمة مغلفة بانسحاب في أفغانستان إلى تصفية حساب مع موسكو

16 ابريل 2021
العقوبات أقرب إلى رسالة تحذير منها إلى المعاقبة المؤذية (فرانس برس)
+ الخط -

أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، حزمة عقوبات ضد موسكو، شملت 32 من الأفراد والشركات، مع طرد 10 دبلوماسيين من السفارة الروسية في واشنطن

العدد كبير، لكن الخطوة أقرب إلى رسالة تحذير منها إلى المعاقبة المؤذية، إذ لا تطاول مصالح أو جوانب حساسة، ما عدا ترحيل الدبلوماسيين المحسوبين كعناصر مخابرات، وهذا ليس بجديد، وقد حصل مثله وبحجم أكبر في زمن باراك أوباما، من دون أن ينعكس سلبا على العلاقات لمدة طويلة. 

الجوانب الاقتصادية – المالية في العقوبات بقيت شبه رمزية، مثل منع بيع سندات الخزينة الروسية في أميركا، وهي بكل حال متداولة في السوق الأميركية بقدر ضئيل "لا يتجاوز 7% من مقدارها الذي يصل إلى حوالي 47 مليار دولار". ولا تشمل العقوبات المصارف الروسية ولا نظام التحويلات الدولية بالدولار سويفت، والذي بدأت موسكو بتأسيس بديل عنه، أو المستوردات الأساسية. 

 

وقد جاءت هذه العقوبات رداً على تدخلات موسكو في انتخابات 2020 كما قال بايدن، وفي الوقت ذاته أرادها كإنذار بالتصعيد لو واصلت موسكو "قرصنتها" على مواقع الإنترنت، بهدف "التشويش على الممارسة الديمقراطية في أميركا".

وإذا كان هذا القرار قد أتى بمثابة تصفية حساب معلّق مع الكرملين، فإنه جاء أيضا بمثابة شدّ العصب لبلدان حلف شمال الأطلسي "ناتو" والاستقواء بها في آن. فالرئيس بايدن تعهد منذ البداية بإعطاء الأولوية لترميم التحالفات، الأوروبية منها على وجه التحديد، بغية إعادة بناء الثقة بين ضفتي الأطلسي، والتي بدّدها سلفه دونالد ترامب، وهذا في اعتقاد البيت الأبيض شرط أساسي لإحياء الـ"ناتو" الحرب الباردة الذي كانت موسكو تعمل له أكثر من حساب، والذي لا بد  من أن يتعامل معه الرئيس فلاديمير بوتين بنفس الدرجة من التهيّب، وهو المعروف عنه أنه لا يقدم على قرارات كبيرة إلا بعد إجراء حسابات دقيقة حول الأرباح والخسائر. 

إذا كانت العقوبات قد أتت بمثابة تصفية حساب معلّق مع الكرملين، فإنها جاءت أيضا بمثابة شدّ العصب لبلدان "ناتو" والاستقواء بها في آن. فالرئيس بايدن تعهد من البداية بإعطاء الأولوية لترميم التحالفات، الأوروبية منها على وجه التحديد، بغية إعادة بناء الثقة بين ضفتي الأطلسي

 

وعلى هذا الأساس، تأمل الإدارة الأميركية بأن تلعب هذه العقوبات، مع العودة بحلف شمال الأطلسي إلى ما قبل زمن ترامب، دور الرادع، وبما يكفي لحمل بوتين على تبريد الأجواء، وبالتالي قبول دعوة بايدن إلى عقد قمة قريبة لبحث وتصحيح العلاقات. فما تسعى إليه إدارة بايدن هو وقف التصعيد مع موسكو، وبما يوسع الفسحة أمامها للالتفات إلى الملف الصيني الأهم، بعد أن رجع النووي الإيراني إلى سكة المفاوضات، وجرى وضع حرب أفغانستان على طريق التصفية القريبة، ولو أن هذه الأخيرة ما زالت موضع تساؤل واهتمام كبيرين في واشنطن أكثر من موضوع العقوبات الروسية.

الخلاف حول الانسحاب كبير، سواء في الكونغرس أو في أوساط أهل الرأي والإعلام ومجتمع السياسة الخارجية، وخبراء الشؤون الأمنية والجيو سياسية. 

الاعتراض لا يقتصر على الجمهوريين، بل يشمل أصواتاً ليبرالية وقيادات عسكرية سابقة، ومنها من خدم في أفغانستان. الارتياح الكبير بطي صفحة أطول حرب أميركية يقابله تخوف من أمرين: أن الانسحاب تقرر بدون تسوية، وأن الاحتمال كبير بتكرار السيناريو العراقي، إذ إن التدهور الأمني والفوضى والحرب الأهلية المتوقعة من شأنها أن تفرض العودة إلى هناك لاستدراك الأمور ووقف التدهور، قبل أن تفيض مخاطره عن الوعاء الأفغاني وتتمدد إلى الخارج. 

 

وبالمقارنة، تبدو كفة المتخوفين راجحة. الوزير أنتوني بلينكن حاول، في مؤتمره الصحافي الخميس في كابول بثّ شيء من التطمين، من خلال التشديد على أن "أفغانستان اليوم هي غيرها قبل 20 سنة"، وأن قيادات "طالبان" تدرك استحالة الحسم العسكري لهذه الحرب، ومن بينها مثل غلب الدين حكمتيار الذي يقوم بالتقريب بين الحركة والحكومة لـ"المشاركة في السلطة". 

وفي أسوأ الحالات، أكد بلينكن قدرة واشنطن على رصد أي تحركات خطرة في أفغانستان، خلافا لشهادة مدير "سي آي إيه" وليام بيرنز أمس أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بأنه "صار من الصعب الحصول على المعلومات الميدانية في غياب القوات عن الساحة".

واقع الحال أن "لا أحد يعرف ما الذي سيحصل وكيف قد تتطور الأمور بعد الانسحاب الأميركي". كل الاحتمالات "على الطاولة". ورقة الرئيس بايدن القوية داخلياً أنه أصر على تصفية حرب مكروهة عمرها 20 سنة. لكن نهاية حربه لا تعني نهاية حرب الأفغانيين، وفق معظم تقديرات المدّعين بمعرفة الساحة الأفغانية وتركيبتها وتناقضاتها وانقساماتها. 

يبقى شيء واحد يمكن أن يكون موضع إجماع ضمني، وهو أن ما يسمى انسحاب هو في حقيقته هزيمة مغلّفة قريبة من مثيلتها الفيتنامية قبل ما يقارب الخمسين سنة، الفارق أنها هذه المرة منظمة، فيما كانت آنذاك هرولة. 

المساهمون