واشنطن تتحيّن الفرصة السورية بأولويات لا تقبل المساومة

12 ديسمبر 2024
جندي أميركي في الحسكة، سبتمبر 2024 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الفرص والتحديات السياسية: بعد انهيار نظام الأسد، تسعى الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في سورية، مع التركيز على مراقبة الفصائل المعارضة واحتواء الإرهاب، وتقويض نفوذ إيران، وحماية مصالح حلفائها.

- التحديات أمام الإدارة الأمريكية: تواجه واشنطن تحديات مع القوى الجديدة مثل "هيئة تحرير الشام"، وتدرس إمكانية رفع تصنيفها كمنظمة إرهابية، مع دعم "قوات سوريا الديمقراطية" في المناطق الغنية بالموارد.

- التوجهات المستقبلية: تؤكد إدارة بايدن على أهمية حكومة سورية شاملة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وتدمير الأسلحة الكيميائية، مع مراقبة النفوذ التركي وتنسيق الجهود لضمان استقرار سورية.

لم تتوقف الولايات المتحدة منذ إسقاط نظام بشار الأسد في سورية فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول الحالي، عن ترداد مجموعة من المصطلحات والمواقف السياسية الموجهة إلى "سورية الجديدة"، والتي رأت فيها إدارة الرئيس جو بايدن، "فرصاً وتحديات"، كان من الصعب ربما التنبؤ بإمكانية حدوثها، قبل أشهر قليلة. وأدخل الانهيار المفاجئ للنظام الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها، في ورشة عمل مستحدثةٍ على عجل، تنخرط فيها وزارات الخارجية والدفاع والخزانة وإدارات أخرى، لاستطلاع معالم القيادة الجديدة في سورية، ونيات "هيئة تحرير الشام"، ورسم خريطة طريق أولية لإدارة دونالد ترامب المقبلة، في سورية، وسط حدث تصفه واشنطن بالتاريخي، وهي لا تريد تفويته.

بلينكن: أي عملية انتقال سياسي في سورية يجب أن تؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي

وكان بإمكان واشنطن إسقاط نظام الأسد قبل أكثر من عقد، في ضربة عسكرية تراجع عنها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، عام 2013، في الثانية الأخيرة، لحسابات ربما ارتبطت بالخشية من الفوضى التي قد تنجم عنها في منطقة تعدّ استراتيجية لمصالح "الأمن القومي" الأميركي. هذه العبارة تشدّد عليها إدارة بايدن اليوم، رابطةً الأوضاع المستجدة في سورية، بأمن الولايات المتحدة القومي. وما يهمّ في واشنطن، بالنسبة لـ"سورية الجديدة"، مراقبة سلوك الفصائل المعارضة التي وصلت إلى دمشق، والعمل لاحتواء عودة تمدّد الإرهاب، وكذلك الحفاظ على أمن حلفائها في المنطقة بما يخدم مصالحها، وعلى رأسهم إسرائيل، بالإضافة إلى تقويض نفوذ إيران في المنطقة، وحماية الوجود العسكري الأميركي في سورية والعراق، فضلاً عن آفاق تعزيز نفوذ واشنطن في "سورية الجديدة" على حساب موسكو وبكين.

فرصة سورية أمام واشنطن

وأتيحت الفرصة اليوم أمام واشنطن، لحساب هذه "الفرص والتحديات" في سورية، مع إسقاط الأسد، بما يمكن تسميته بـ"تأثير الفراشة"، بعد إضعاف حزب الله، والقضاء على رؤوس هرمه القيادي، وقبله انشغال روسيا في أوكرانيا، وبينهما التمهيد لتقدم المعارضة، بضربات إسرائيلية استثنائية في سورية وأميركية للفصائل العراقية، أضعفت ما يسمى "المحور الإيراني". وبينما يرى محلّلون أن تل أبيب ربما كانت تمنّي النفس بفوضى سورية واقتتال طائفي، مع هروب الأسد إلى روسيا، إلا أن سورية هادئةً ومستقرة و"مطيعة" للمطالب الأميركية، قد تكون أكثر ملاءمة لواشنطن.

ولم تتوقف إدارة بايدن، منذ انهيار نظام الأسد، عن وضع سياقات عامة لمستقبل تعاطيها مع القوى الجديدة في سورية، ومن بينها "تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي لا تزال مصنفة إرهابية على اللوائح الأميركية، علماً أن هذه السياقات تحاول الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها، إيصالها لإدارة ترامب، الذي يتسلم مهامه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، والذي لم يُبد حماسةً للانغماس في الشأن السوري.

وتتعامل إدارة بايدن باهتمام مع "التبدل" في لهجة "تحرير الشام"، المحرّك الأساسي لفصائل المعارضة المسلحة، بعد دخولها دمشق، وسربت الإدارة الديمقراطية في واشنطن أن رفع "الهيئة" عن لائحة الإرهاب أمر وارد، داعية إلى إرساء سلطة جديدة في دمشق، تكون "شاملة ولا تقصي أحداً" في إحدى النصائح الأكثر وضوحاً لقيادة سورية الجديدة. وتدعم واشنطن، في سورية، منذ انطلاق الثورة، "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، الكردية، التي تصنفها أنقرة إرهابية، والتي شكّلت بالنسبة لواشنطن ذراعها العسكرية في سورية، أو "حليف الميدان" لمحاربة تنظيم "داعش". وبينما ظلّت "قسد" تسيطر منذ سنوات على ما يسمى "سورية المفيدة"، شرقاً، حيث الثروات الاقتصادية لهذا البلد، فإن أي سلطة قادرة ومتمكنة في دمشق، لن يكون بإمكانها العمل، وإعادة الروح لاقتصاد البلاد المتهالك، دون تلك المناطق.

وربما يكون لواشنطن في سورية، "ثوابت"، بعد إسقاط الأسد، وأمور أخرى يمكن المساومة حولها، أو التغاضي عنها، وهي أعربت سريعاً عن عدم رغبتها في "المساومة" حول وجودها العسكري في سورية لمحاربة "داعش"، وهو ما سيكون على ترامب النظر في شأنه، مع وجود 900 عسكري أميركي في سورية، في إطار التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وفق صحيفة نيويورك تايمز أمس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين. كما منحت إدارة بايدن سريعاً، الضوء الأخضر لإسرائيل، للتوغل في جنوب سورية "مؤقتاً"، لـ"حماية أمنها"، وجوياً، للقضاء على مخزون سورية من الأسلحة الاستراتيجية، في رسالة إلى أكثر من جهة، بينها روسيا، وإلى القيادة السورية الجديدة التي سترتسم ملامحها أكثر خلال الأسابيع المقبلة.

كذلك تركّز إدارة بايدن في سورية، بعد الأسد، على استراتيجية أكثر ديمومة، تأمل أيضاً أن تنعكس على استراتيجيتها في العراق المجاور، حيث كانت تعمل حكومة هذا البلد، منذ أشهر، على حوار مع واشنطن لانسحاب تدريجي من العراق. وعادت الولايات المتحدة، لتحذر من خطر "داعش"، بعد إسقاط المعارضة لنظام الأسد، ولتؤكد أن قواتها باقية في سورية، لمواصلة القضاء على فلوله. وتنظر الولايات المتحدة أيضاً، بحذر، للنفوذ التركي الذي سيتسع في سورية، وهو أحد أسباب الزيارة السريعة التي يجريها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى أنقرة، غداً الجمعة، وقد بدأها أمس الأربعاء إلى الأردن.

نائب مستشار الأمن القومي الأميركي: القوات الأميركية ستبقى في سورية

مطلب الحكومة الشاملة

وكان بلينكن تحدث أول من أمس، عن الآمال التي تعلّقها الولايات المتحدة في ما يتعلق بالانتقال السياسي بسورية، قائلاً إن واشنطن ستعترف بحكومة سورية مستقبلية عندما تكون في شكل هيئة حاكمة موثوقة وشاملة وغير طائفية، وهو التوصيف الأكثر وضوحا من جانب واشنطن منذ إسقاط الأسد. ولم يذكر بيان بلينكن "تحرير الشام"، لكنه اعتبر أنه أي عملية انتقال سياسي في سورية "يجب أن تؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة، بما يتفق مع مبادئ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254" الخاص بسورية. وأضاف "ستعترف الولايات المتحدة وتدعم بشكل كامل الحكومة السورية المستقبلية الناتجة من هذه العملية". وقال بلينكن أيضاً إن عملية الانتقال والحكومة السورية الجديدة يجب أن تسهل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، مع ضمان تدمير أي مخزونات من الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية بأمان.

وتقرّ إدارة بايدن بأن المرحلة المقبلة في سورية، تواجه فترة من المخاطر وعدم اليقين. وتترقب واشنطن، كغيرها من عواصم القرار، شكل النظام الجديد الذي سيتبلور في سورية، وما إذا كان علمانياً أم إسلامياً، جامعاً أو إقصائياً، وما إذا كان سيحتضن المعارضة المدنية والأقليات، لكن العين ستبقى شاخصة على سلوك "تحرير الشام"، وزعيمها أحمد الشرع (المعروف بأبو محمد الجولاني)، لاسيما أن أي مرحلة انتقالية في سورية يجب أن تفضي سريعاً لانتخابات "حرّة ونزيهة"، والاتفاق على آلية لصياغة دستور جديد للبلاد، وتطبيق القرارات الأممية المتعلقة بسورية بعد الثورة.

من جهته، أكد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، جون فاينر، أول من أمس، استباقاً لهذه الزيارة، أن القوات الأميركية ستبقى في سورية في إطار التحالف الدولي لمحاربة داعش، مضيفاً أن "هذه القوات موجودة لسبب محدد ومهم للغاية، وليس كورقة للمساومة بطريقة ما". وتابع: "القوات الأميركية موجودة هناك الآن منذ ما يربو على عقد من الزمان أو أكثر لمحاربة داعش، وما زلنا ملتزمين بهذه المهمة". وكانت الولايات المتحدة، نفّذت في اليوم ذاته من سقوط نظام الأسد، ضربات جوية كبيرة في الحجم، قالت إنها شملت 75 هدفاً مرتبطاً في "داعش" في البادية السورية. وحذّر بلينكن، الاثنين الماضي، من أن هذه الضربات هي لمنع التنظيم من استغلال فراغ القيادة في سورية.

وبحسب وكالة رويترز، فإن واشنطن ترى اليوم أن وجودها العسكري في سورية وسيلة للتحوط خشية مزيد من عدم الاستقرار، حتى مع عدم اتضاح الرؤية بشأن الطريقة التي سينظر بها حكّام هذا البلد الجدد إلى الوجود الأميركي. وأكد فاينر أنه "لم يحدث أي تغيير رسمي في أي سياسات" بشأن تصنيف "تحرير الشام"، لافتاً إلى أن "هذه التصنيفات لا تتم على أساس ما تقوله الجماعات أو ما تقوله عن نياتها أو ما تعتزم القيام به، إنها تتعلق بالأفعال، لذا فإننا سنراقب (ما يحدث)". لكنه وصف بعض ما صدر عن جماعات المعارضة التي دخلت دمشق خلال الأسابيع الأخيرة الماضية بأنه "بنّاء للغاية"، لكنه أوضح أن واشنطن ستنتظر لترى ما إذا كانت هذه التصريحات ستتبعها إجراءات لتحقيق "حكم موثوق وشامل لسورية". وأكد أن إدارة بايدن على اتصال بأعضاء فريق ترامب وتقوم بإطلاعهم على الوضع. كما أكد مسؤول أميركي كبير، لـ"رويترز"، أمس، أن بلاده تجري مباحثات مع تركيا وتركز على "سورية جديدة".

وكان قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، أسرع من بلينكن، في الوصول إلى المنطقة، بعد انهيار حكم الأسد، إذ زار الثلاثاء، القوات الأميركية في سورية (900 جندي) والعراق، كما أكد أنه التقى بـ"الشركاء المحليين" لمواجهة "داعش"، في إشارة إلى قيادة "قسد". وأوضح أنه في العراق، التقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حيث تمّت مناقشة التحديات الأمنية وسط الوضع المتغير في سورية.

وأكد مسؤولون أميركيون، لوكالة رويترز، مساء الثلاثاء، أن إدارة بايدن تواصلت مع "تحرير الشام"، وأنها حثّتها على عدم فرض حكم أوتوماتيكي في البلاد، بل إدارة عملية جامعة لتشكيل حكومة انتقالية، بحسب مسؤولين أميركيين ومساعد في الكونغرس اطلعوا على أولى الاتصالات بين الإدارة الأميركية و"الهيئة". وبحسب الوكالة، فإن هذه الاتصالات أجريت بتنسيق مع حلفاء واشنطن في المنطقة، بما فيها تركيا. وبحسب المصدرين، فإن واشنطن تعتقد أن أي حكومة انتقالية يجب أن تمثل آمال السوريين وهي لن تدعم سيطرة "تحرير الشام" على الحكم، من دون مسار رسمي لاختيار القادة الجدد للبلاد. وقال مسؤول أميركي، إن الإدارة الأميركية لا تملك وضوح الرؤية بشأن دور الشرع في الحكومة السورية المقبلة، أو ما إذا كان يتمسك حتى اليوم بأيديولوجية متطرفة. أما المساعد في الكونغرس، فكشف أن بعض المشرعين يحضون إدارة بايدن على رفع بعض العقوبات المفروضة على سورية، بما فيها على "تحرير الشام"، في مقابل أن تلبي "الهيئة" بعض مطالب واشنطن. وأوضح أن هناك شعوراً لدى بعض أعضاء الكونغرس، بأن بلادهم ستحتاج إلى مساعدة الحكومة الانتقالية في سورية، للانخراط مجدداً في الاقتصاد العالمي، وإعادة بناء سورية.

وبحسب أحد المسؤولين الأميركيين، فإن واشنطن على اتصال أيضاً مع "تحرير الشام" ولاعبين آخرين على الأرض، بشأن العمليات العسكرية. وهناك أيضاً الرهينة الأميركي في سورية، أوستن تايس، إذ حطّ في بيروت، أخيراً، روجر كارستنز، كبير المفاوضين الأميركيين بشأن الرهائن، لتنسيق الجهود من أجل تحريره وعودته إلى بلاده، بعدما أكدت إدارة بايدن أنه لا يزال حياً.

المساهمون